المجاعة في غزة بين إبادة الاحتلال وصمت العالم وصمود المقاومة

في تطور غير مسبوق بالشرق الأوسط؛ أعلنت الأمم المتحدة رسميا الجمعة، تفشي المجاعة في قطاع غزة، مؤكدة أن أكثر من نصف مليون إنسان يواجهون خطر الموت جوعا، في وقت لم يعد فيه أمام الأطفال والنساء والشيوخ سوى انتظار الموت البطيء على مرأى العالم.

ولم يكن هذا الإعلان مفاجئا لأحد، فالأرض المحاصرة منذ سنوات تُقصف وتُجوّع منذ شهور، لكن الصادم أن المجتمع الدولي اكتفى بتسجيل المأساة كخبر عاجل، وإصدار بيانات لا تسمن ولا تغني من جوع.

وحذرت الوكالات الأممية من أن عدد من يواجهون نقص الغذاء تضاعف ثلاث مرات خلال فترة قصيرة، وأن المجاعة لم تعد محصورة في شمال القطاع، بل تمتد نحو الوسط والجنوب. ومع ذلك لم يتحرك العالم خطوة واحدة لوقف سياسة التجويع، وكأن حياة ملايين الفلسطينيين مجرد أرقام في تقارير بيروقراطية.

وحصد التجويع وسوء التغذية أرواح أكثر من 272 قتيلا جوعا، بينهم 113 طفلا، وفق وزارة الصحة في غزة.. كل رقم في هذه القائمة يمثل إنسانا تُرك ليموت جوعا لأن الاحتلال قرر أن الغذاء دواء لا ينبغي أن يصل، ولأن العالم قرر أن يتعامل مع الجريمة كحدث عابر.

ويشهد العالم كله السياسة التي ينتهجها الاحتلال، والتي تتمثل في إبادة جماعية متكاملة الأركان، حيث القصف يقتل عشرات الآلاف، والتجويع يقضي على الباقين ببطء، والتدمير الشامل للبنية التحتية يجعل الحياة نفسها مستحيلة. ورغم أن القانون الدولي يحظر تجويع المدنيين باعتباره جريمة حرب، إلا أن هذا النص لم يكن سوى حبر على ورق، لأن النظام الدولي اختار أن يغض الطرف.

إضافة إلى ذلك؛ لا يمكن للولايات المتحدة، التي تزود الاحتلال بالسلاح والغطاء السياسي، أن تُعفي نفسها من المسؤولية. فالدعم الأمريكي هو الذي يمنح الاحتلال الجرأة على الاستمرار في الإبادة.

أما أوروبا، التي طالما تحدثت عن حقوق الإنسان؛ فقد اكتفت ببيانات خجولة ودعوات “للتهدئة”، بينما تُمنع قوافل الغذاء والدواء من الوصول إلى أطفال غزة. فيما اكتفت بعض الدول بالتحذير، وأخرى فضّلت الصمت المطبق، وفي كل الحالات النتيجة واحدة: الغطاء الدولي متوفر للاحتلال ليستكمل جريمته.

إن إعلان المجاعة ليس مجرد توصيف لوضع إنساني مأساوي، بل هو إدانة سياسية وأخلاقية لكل من صمت أو ساهم أو تواطأ، وهو إعلان رسمي أن الاحتلال ارتكب جريمة إبادة جماعية، وأن العالم اختار أن يكون شريكا بالصمت أو التواطؤ. لكن ما يثير الغضب أن هذا الإعلان الأممي جاء متأخرا جدا، بعد أن قضى مئات الأطفال جوعا، وكأن الاعتراف بالجريمة أهم من إنقاذ الأرواح.

وفي المقابل؛ يقف شعب غزة بلا سند حقيقي سوى مقاومته التي أثبتت أنها أكثر رسوخا من الحصار وأكثر صلابة من التجويع. فبرغم كل محاولات الاحتلال لإخضاع القطاع عبر القتل والدمار؛ لم تنكسر المقاومة، بل تحولت إلى عنوان لصمود الأمة بأسرها، وكلما ازداد الحصار شدة، ازداد الإصرار على أن هذه الأرض لن تُسلّم رايتها.

إن صمود غزة في وجه هذه الإبادة هو رسالة للعالم بأسره: أن الجوع لن يهزم إرادة الحرية، وأن القنابل لن تقتل حلم التحرير. فالمقاومة ليست مجرد خيار عسكري، بل هي رد طبيعي على واقع من التجويع والقتل والتهجير. ولو كان الاحتلال يظن أن سياسة الموت البطيء ستُخضع شعب غزة، فقد أثبتت الوقائع عكس ذلك؛ فالجوع يزيد من عزيمة الناس، ويجعلهم أكثر إصرارا على التمسك بحقهم في الحياة والكرامة.

اليوم؛ غزة تعيش الإبادة بكل معانيها: القتل والتجويع والتهجير ووالتدمير. لكنها في الوقت ذاته تعيش البطولة بكل صورها: مقاومة لا تلين، وأهالٍ يواجهون الموت بكرامة، وإصرار على البقاء رغم كل شيء. إنها المفارقة التي لم يستطع الاحتلال أن يفهمها: أن غزة، برغم الجوع والحصار، أقوى من أن تُكسر.

وفي النهاية؛ يمكن القول إن ما يجري في غزة كشف هشاشة النظام الدولي وزيف شعاراته، فالعالم كله يعرف أن هناك إبادة جماعية تجري، لكنه لا يفعل شيئا سوى إصدار البيانات. أما غزة؛ فتعرف أن خلاصها بيدها وبيد مقاومتها، وأن كسر الحصار لن يأتي من مجلس الأمن ولا من عواصم الغرب، بل من صمودها وإصرارها على الحياة. ولهذا؛ ستبقى غزة عنوانا للمأساة، لكنها أيضا ستبقى عنوانا للكرامة والمقاومة.

السبيل ووكالات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة