“المربعانية”.. فرصة ثمينة لتعزيز الأمن المائي ومصدر قلق لعدم انتظامها

– تكشف أربعينية الشتاء، المعروفة بالـ”مربعانية” والتي تبدأ فلكيا اليوم، عن مفارقة حادة في المشهد المائي؛ فهي في الوقت ذاته، فرصة ثمينة لتعزيز الأمن المائي، ومصدر قلق بسبب عدم انتظامها.

وبين هذين الحدين، يبرز التحدي الحقيقي في قدرة السياسات المائية على التحول من رد الفعل إلى الفعل الاستباقي، ومن إدارة الأزمات لبناء منظومة تكيف مستدامة، قادرة على حماية مورد هو الأكثر ندرة والأكثر حساسية في مستقبل المملكة.
وما بين شح المياه وتقلب المناخ، تبرز المربعانية، كنافذة زمنية قصيرة، لكنها شديدة التأثير في معادلة الأمن المائي. ففي الـ40 يوما الباردة، لا يقتصر المشهد على انخفاض درجات الحرارة وطول الليالي، بل تتكثف خلالها رهانات حاسمة تتعلق بمخزون المياه وقدرة الدولة على إدارة موسم مطري بات أكثر اضطرابا وأقل قابلية للتنبؤ.
العمود الفقري للموسم المطري
وتشكل المربعانية، العمود الفقري للموسم المطري، إذ تسهم بنحو ثلث كميات الأمطار السنوية، ما يجعلها فترة مفصلية بتغذية السدود والخزانات والمياه الجوفية. إذ إن أهميتها تكتسب بعدا مضاعفا في بلد يعاني من فقر مائي مزمن، بحيث تعتمد قطاعات الشرب والزراعة على ما تحمله هذه الفترة من هطلات. غير أن القيمة المائية للمربعانية لا تقاس فقط بالكميات، بل وبخصائصها المناخية، إذ يؤدي البرد والصقيع لخفض معدلات التبخر، ما يساعد على الاحتفاظ بالمياه لفترات أطول، ويعزز فرص تسربها إلى الطبقات الجوفية.
لكن هذه الصورة الإيجابية تصطدم بواقع مناخي متقلب. فالمربعانية لم تعد فترة يمكن التعويل عليها بنمط ثابت، إذ أظهرت السجلات المناخية تباينا حادا بين مواسم جفاف شبه مطلق وأخرى غزيرة الأمطار. وهذا التذبذب الذي تعمق مع تصاعد تأثيرات التغير المناخي، أضعف موثوقية الاعتماد على الأمطار كمصدر مستقر، وفرض تحديات إضافية على التخطيط المائي طويل الأمد.
وقد تعاني المملكة أزمات مياه صيفية في حال استمرار الانحباسات المطرية الراهنة، إذ باتت تبعات التغير المناخي واقعا ملموسا، بخاصة وأن كميات الأمطار المتراكمة حتى منتصف كانون الأول (ديسمبر) الموسم الشتوي الماضي 2024- 2025، لم تتجاوز الـ4 % فقط من المعدل الموسمي العام، وفق الأرقام الرسمية لدائرة الأرصاد الجوية.
وفي ظل هذا الواقع، لم يعد التخطيط المائي القائم على المتوسطات التاريخية كافيا. بل باتت الحاجة ملحة لاعتماد سياسات مرنة تستند على سيناريوهات متعددة، تأخذ في الحسبان احتمالات الجفاف والأمطار الغزيرة على حد سواء.
وفي وقت تتزايد فيه الضغوط المناخية، وتتعمق أزمة شح المياه، تعود المربعانية لواجهة النقاش بوصفها فترة مناخية مفصلية، تتقاطع فيها التقلبات الجوية مع قضايا الأمن المائي والتخطيط الاستراتيجي للموارد، إذ أكدت الخبيرة الأردنية في دبلوماسية المياه ميسون الزعبي، في هذا النطاق، أن فترة الانقلاب الشتوي المعروفة بالمربعانية، بما حملته من تقلبات واضحة في أنماط هطل الأمطار، أثرت على نحو جوهري على الأمن المائي في المملكة.
تغذية السدود والمياه الجوفية
وقالت الزعبي، في تصريحات لـ”الغد”، إن تأثير المربعانية على الأمن المائي، يأتي من كونها شكلت المصدر الرئيس لتغذية السدود والمياه الجوفية. مبينة أن التحدي الأساس لم يكن بوجود الهطل المطري بحد ذاته، بل في طبيعته غير المنتظمة، سواء من حيث الندرة في بعض المواسم، أو الشدة المفاجئة في مواسم أخرى.
وأوضحت أن تلك التقلبات، تفاقمت في السنوات الأخيرة بفعل التغير المناخي، ما هدد استدامة الموارد المائية وعمق مشكلة شح المياه في الأردن، المصنف من بين أكثر دول العالم فقرا بالمياه، ما فرض ضرورة اتباع إدارة مائية حكيمة، قادرة على التكيف مع هذه المتغيرات.
وأشارت الزعبي إلى أن من أهم خصائص المربعانية، هطل أمطار غزيرة تسهم بتغذية السدود والخزانات المائية التي يعتمد عليها الأردن بتأمين مياه الشرب والري. موضحة بأن انخفاض درجات الحرارة والبرد والصقيع فيها يقلل من معدلات التبخر، ما يساعد بالحفاظ على المياه المخزنة، ويرفع فرص تساقط الثلوج، التي ذابت لاحقا وتغذي المياه الجوفية.
وبرغم هذه الأهمية، أكدت أن المربعانية تتسم بتقلبات حادة في كميات الهطل المطري، إذ شهد الأردن خلالها سنوات جفاف واضحة كموسمي 2013 و2014، مقابل سنوات غزيرة الأمطار كموسمي 1973 و1974، ما قلل من موثوقية الاعتماد عليها كمصدر ثابت ومستقر. موضحة بأن المربعانية، وهي أبرد 40 يوما في الشتاء، تعد مرحلة حاسمة للأمن المائي، فقد أسهمت بـ30 % من إجمالي الموسم المطري السنوي، وشكلت ركيزة أساسية بتغذية المياه الجوفية وتعزيز مخزون السدود.
برد قارس وصقيع وأمطار وثلوج
وأضافت أن هذه الفترة، تميزت بالبرد القارس والصقيع وتساقط الأمطار والثلوج التي عملت على تجديد الموارد المائية ودعم القطاع الزراعي، وغالبا ما تبدأ بعد الانقلاب الشتوي الفلكي في الـ21 من كانون الأول (ديسمبر)، وتستمر حتى نهاية كانون الثاني (يناير) سنويا، ما يجعلها محطة رئيسة في الدورة المائية الشتوية.
وبشأن كيفية الاستفادة من خصائصها بالتخطيط المائي، أكدت الزعبي أن ذلك يتطلب التركيز على حصاد مياه الأمطار الغزيرة المتوقعة في هذه الفترة، لتعزيز المخزون المائي في السدود والآبار، وزيادة تغذية الخزانات الجوفية، ودعم الري الزراعي استعدادا لموسم الربيع. مشددة على أهمية تقييم الحالة الجوية مع بداية المربعانية، أكانت مبشرة بأمطار غزيرة أو مترافقة، مع فترات دفء وجفاف، بما ساعد الجهات المعنية على التخطيط السليم.
كما لفتت إلى ضرورة تجهيز البنية التحتية من أحواض تجميع وقنوات لتوجيه المياه نحو الاستخدامات الزراعية، وتأمين الأعلاف للمواشي، وترطيب التربة استعدادا للمواسم الزراعية المقبلة، إلى جانب تأمين مياه الشرب والري. وخلصت إلى أن المربعانية، تمثل فترة محورية، تحمل الخير للموارد المائية وتشكل عصب الأمن المائي في المملكة، لكنها في الوقت ذاته، تطلبت متابعة دقيقة وحذرة لتقلباتها الجوية.
وأكدت أن الخصائص المتقلبة لهذه الفترة، والمترافقة مع التغير المناخي، زادت من تعقيد تحديات ندرة المياه، ما استدعى تبني إستراتيجيات تكيف طويلة الأمد وإدارة مائية، ضمنت توافر المياه في ظل النمو السكاني والضغوط المناخية المتزايدة.
من جانبه، قال مدير إدارة الأرصاد الجوية رائد آل خطاب، إن هذا اليوم، بداية للانقلاب الشتوي الفلكي للموسم الشتوي الحالي، مضيفا بأن هذا الحدث يسجّل أقصر نهار وأطول ليل في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، فيما يعتبر مستهل كانون الأول (ديسمبر)، بداية رسمية للشتاء، وفق علم الأرصاد الجوية.
تسهم المربعانية بـ%30 من الموسم المطري
وأشار آل خطاب أن هذه المرحلة، تمثل نقطة انطلاق رئيسة للطقس الشتوي، موضحا بأن عدد ساعات النهار يوم الانقلاب الشتوي 10 و3 دقائق، مقابل 13 ساعة و57 دقيقة للّيل، مبينا أن هذه الفترة تتزامن عادة مع بداية المربعانية، أبرد فترات السنة في المملكة.
وأوضح أنها تسهم بـ30 % من إجمالي الموسم المطري السنوي، وتتميز بانخفاض ملموس على درجات الحرارة مع احتمالية تشكّل الصقيع والانجماد وهطل الأمطار وأحيانا الثلوج، تبعا لطبيعة الأنظمة الجوية المؤثرة.
ولفت إلى أن آخر تساقط للثلوج في المربعانية كان في الموسم 2021 – 2022، مبيّنا أن السجلات المناخية في مطار عمّان المدني في فترة المربعانية، أظهرت بأن المعدل العام لدرجات الحرارة العظمى بلغ 13.1، في حين بلغ المعدل العام لدرجات الحرارة الصغرى 4.6، ووصل معدل المجموع المطري لـ78 ملم.
وأضاف أن أعلى درجة حرارة عظمى سجلت خلال مربعانية الشتاء بلغت 26.3 درجة مئوية في 23 كانون الأول (ديسمبر) 1963، فيما بلغت أدنى درجة حرارة صغرى 7.5 درجات مئوية تحت الصفر في 2 كانون الثاني (يناير) 1973، بينما بلغ أعلى مجموع مطري 215 ملم في موسم 1973 – 1974، وأقل مجموع مطري بلغ 0.6 ملم في موسم 2013 – 2014.
وأشار آل خطاب إلى أن أعلى درجة حرارة عظمى على مستوى المملكة في المربعانية، سجلت في العقبة وبلغت 31.5 درجة مئوية في 3 كانون الثاني (يناير) 1959، فيما سجّلت أدنى درجة حرارة صغرى في الشوبك، وبلغت 14 درجة مئوية تحت الصفر في 7 كانون الثاني (يناير) 1992، بينما سجلت محطة رأس منيف في محافظة عجلون أعلى مجموع مطري وبلغ 398.8 ملم خلال موسم 1991 – 1992.

يمان الفارس/ الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة