المعلم الأردني.. صانع المجد ورافع راية الوطن// محمد متعب الفريحات

على امتداد الأرض التي تنهض بالعلم كما تنهض بالشمس، يقف المعلم شامخا كجبل من نور. يومه ليس مناسبة عابرة في تقويم الأيام، بل وقفة وفاء أمام من أفنوا العمر ليضيئوا الدرب للأجيال، وصاغوا من حروف الأبجدية جسورا نحو الغد. إنهم من جعلوا الكلمة حياة، ومن حولوا الجهد إلى ضوء يسكن القلوب والعقول.

هناك مهن تصنع الحياة، وأخرى تحفظها، لكن مهنة التعليم تجمع بين الأمرين معا. فالمعلم لا يزرع في الأرض، بل في العقول، ولا يروي بالماء، بل بالفكر والنور. هو أول من يستيقظ في الصباح ليوقظ أحلام الآخرين، وآخر من ينام لأن ضميره لا يعرف الغياب.

على أكتاف المعلمين بني الوطن، وبأقلامهم كتبت الحكايات التي أنجبت العلماء والمفكرين. هم الذاكرة الأولى لكل نهضة، واليد التي تزرع فينا الانضباط والاحترام والصدق. ما من وطن قوي إلا وكان في أساسه معلم حمل الطباشير كما يحمل الجندي سلاحه، ودافع عن الوعي كما يدافع عن الحدود.

هؤلاء هم أصحاب الهامات العالية الذين حملوا رسالة لا تنطفئ، وغرسوا بذور المعرفة في العقول الصغيرة حتى أينعت وازدهرت. كل درس القوه كان وعدا بالمستقبل، وكل كلمة خطوها كانت حجر في بناء وطن يعرف أن العلم هو أساس القوة والكرامة. إنهم الذين لا ينتظرون الشكر، لأن عطاؤهم أوسع من المكافآت، وأعمق من المديح.

هم الذين يقفون في الصفوف كجنود صامتين فيما تذوب أيامهم في صمت نبيل، يحملون بين أيديهم أدوات العلم، ويزرعون الأمل في كل طفل. كل درس يلقونه، وكل كلمة تكتب على السبورة، هي وعد بالغد وبناء الوطن. كم من حبة عرق سقطت على جبينه كانت كقطرة ماء أحيت أرض المستقبل، وكم من سهر طويل على دفتر أو فكرة أثمر زهرا في وجدان طفل صغير. تلك الحبات الصغيرة من التعب صنعت مجدا، وأزهرت مدنا من المعرفة، ورفعت رايات التقدم في سماء الوطن.

ولأن العطاء لا يكافأ بالصمت، فإن من علم الناس معنى النور يستحق أن يعيش بكرامة تليق بجهده. فلا يعقل أن يبقى من صنع المجد في الصف الأخير من الاهتمام. فالمعلم هو أول من يجب أن يكرم، وأول من يرعى، لأنه حجر الأساس الذي تستند إليه الأوطان في صعودها نحو الغد.

إن تحسين أوضاع المعلمين المعيشية، وضمان كرامتهم، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي لهم، ليست منة ولا رفها، بل واجب وطني. فالمعلم الأردني على وجه الخصوص، كان ولا يزال ركيزة الوعي وبوابة النهضة، يزرع في طلابه حب الوطن والانتماء، ويغرس فيهم معنى العزة والشرف والانضباط. من المدارس الصغيرة في القرى، إلى القاعات الكبرى في المدن، يقف المعلم الأردني صابرا على التحديات، مخلصا في عطائه، مؤمنا أن رفعة الوطن تبدأ من غرفة الصف، وأن كل قلم يمسك به طالب اليوم، هو سلاح بناء في مستقبل الغد.

تحية إجلال وإكبار لكل من علم حرفا، وربى جيل، وصنع مجدا من بين جدران الصفوف. أنتم النبض الأول في قلب الأردن، والضوء الذي لا يخبو مهما اشتد الظلام. بكم ينهض الوطن، وبعزيمتكم تبقى رايته مرفوعة في سماء العزة والفخر.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة