“النثّة”.. عادة كركية تُخفف أعباء المناسبات

تعد “النثّة” من العادات الاجتماعية المتوارثة في محافظة الكرك، والتي ما تزال حاضرة في وجدان الأهالي، لا سيما في المناسبات السعيدة كالأعراس، إذ أنها تعبّر عن قيم التكافل والتعاون، وتشكل جزءًا أصيلًا من الموروث الشعبي المحلي.

وتعبر كلمة “النثّة”، المأخوذة من الفعل “نثّ”، النثر أو التوزيع، عن تقديم العطايا المالية أو العينية بشكل علني خلال المناسبات.

وقد بدأت هذه العادة في بداياتها بتقديم الحبوب أو المؤونة أو الماشية بحسب المتاح، قبل أن تتطور لاحقًا لتأخذ طابع الدعم المالي المباشر.

وتبرز “النثّة” اليوم كأحد أشكال الدعم المجتمعي غير الرسمي، إذ يسهم الأقارب والجيران والمعارف في تقديم مبالغ مالية لصاحب المناسبة، بالإضافة الى تقديم الحلويات والمشروبات والمكسرات دعمًا له ومشاركة في فرحه، في مشهد يترجم روح التعاون والمساندة.

وتقول أم محمود، وهي إحدى المشاركات الدائمات في مناسبات منطقتها، إن “النثّة” تتجاوز قيمتها المالية إلى معانٍ أعمق، فهي “تعبير عن الوقوف مع الآخرين، وتأكيد أننا كأبناء حي واحد نشكل عائلة واحدة، لا نتردد في الوقوف مع بعضنا البعض في مختلف الظروف”.

أما الشابة هبة الطراونة، فترى في هذه العادة بعدًا إنسانيًا يعكس التكاتف المجتمعي، قائلة: “عندما تُقبل فتاة على الزواج، يسارع الجميع لتقديم ما يستطيع، ولو كان بسيطًا، وهذا ما يجعلنا نشعر بأننا ننتمي إلى مجتمع متماسك ومترابط”.

ويبيّن الباحث في التراث الشعبي الدكتور محمد الرواشدة، أن “النثّة” تعكس البنية الاجتماعية التضامنية التي تميز المجتمع الكركي، مؤكدًا أنها شكل من أشكال الضمان الاجتماعي التقليدي الذي يُرسّخ قيم التراحم والدعم المتبادل، ويُسهم في تعزيز العلاقات الاجتماعية.

وتؤكد مريم المجالي، وهي مهتمة بالتراث الشعبي، أن “النثّة” ما تزال تقليدًا فاعلًا في المجتمع الكركي، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية، حيث تُسهم في تخفيف الأعباء وتُضفي أجواء من المحبة والتقدير، وتُعزز من حضور القيم الإنسانية والاجتماعية الأصيلة.

وأشارت إلى أنه ورغم التغيرات التي طرأت على المجتمع، يحرص أهالي الكرك على الحفاظ على “النثّة” كأحد رموز الموروث الشعبي، لما تحمله من دلالات على الانتماء والتكافل، ورسالة إنسانية تستحق أن تُنقل إلى الأجيال المقبلة.

ومن الجانب الديني، يوضح الواعظ الشرعي الحارث النوافلة، بأن الشريعة الإسلامية تحثّ على التراحم والمواساة، خصوصًا في مناسبات الفرح، مبينًا أن “النثّة” مقبولة شرعًا طالما أنها تتم برضا الطرفين ودون إلزام أو رياء، وتُعد من صور التعاون على البرّ والإحسان.

وأشار إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “من كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته”، لافتًا إلى أهمية الحفاظ على جوهر هذه العادة، وتجنب المبالغة التي قد تُحدث حرجًا اجتماعيًا، بما يضمن استمرارها بروحها الأصيلة. (بترا)

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة