النخيل بدل البندورة.. تحول مدروس أم هروب من الخسائر؟

في تحول جذري بأنماط الزراعة، يتجه العديد من مزارعي الأغوار الجنوبية في الآونة الأخيرة نحو زراعة أشجار النخيل والإستغناء عن إرث الزراعة التقليدية وخاصة محصول “البندورة”، الذي الحق بهم خسائر متتالية خلال السنوات الماضية نتيجة وفرة إنتاجه وتدني أسعاره.
هذا التحول لم يكن ممكنا قبل سنوات قليلة، فيما استمر المزارعون بالتمسك مكرهين بزراعة محاصيل خاسرة نتيجة غياب البدائل، لحين أن سمحت التعليمات بزراعة كامل الوحدة الزرعية المقدرة بـ 30 دونم بأشجار النخيل بعد أن كانت محصورة في 5 أو 10 دونمات كحد أقصى.
ورافق تعليمات السماح بزراعة كامل الوحدة بأشجار النخيل السماح أيضا للمزارعين بحفر آبار ولكن ضمن شروط محددة.
رقميا، تراجعت المساحات المزروعة بمحصول البندورة بالأغوار الجنوبية من 23 ألف دونم العام 2012 إلى 11 ألف دونم العام الماضي، وفق بيانات رسمية، والتي أشارت أيضا إلى توجه لأن تنحصر المساحة بـ 8 آلاف دونم فقط.
في المقابل، يقدر مدير زراعة الأغوار الجنوبية المهندس مأمون العضايله مساحة الأراضي المزروعة بأشجار النخيل بالأغوار الجنوبية حتى بداية العام الحالي بحوالي 2150 دونما، في حين أن المنتج منها حوالي 1350 دونم، بنسبة 90 %، زرعت أغلبها بصنف “المجهول”، بينما تقدر كمية الإنتاج لهذا العام بحوالي 2025 طن من التمور عالية الجودة والتي تجد لها أسواق محلية وعالمية.
حتى الآن، تسير الأمور على نحو سليم رغم ظهور بعض المشاكل المتعلقة بمخاوف مزارعين من حدوث أي نقص بمياه الري التي تحتاجها أشجار النخيل وتدني الأسعار المرتبط بتحكم التجار بشراء المنتج.
التشجيع على زراعة أشجار النخيل سيكون بطبيعة الحال على حساب محاصيل الخضار والتي ستنحصر زراعتها تدريجيا اذا ما استمر هذا الاقبال المتسارع على زراعة النخيل، وهو ما يطرح تساؤل عما اذا كانت هناك خطط تسويقية لتسويق أي فائض إنتاج محتمل لمحصول النخيل في السنوات المقبلة أم سيواجه مصير “البندورة” وبالتالي عودة المزارع لحمل إرث الخسائر القديم.
من ناحية أخرى، يطرح الاقبال المتزايد والمتسارع على زراعة النخيل بالأغوار الجنوبية وقبلها في مناطق وادي الأردن التساؤل حول وجود استراتيجية واضحة المعالم للمواءمة بين الموازنة المائية السنوية والمساحات المزروعة.
وكانت “الغد” قد تناولت العديد من التقارير حول المشاكل التي تهدد قطاع النخيل بالأردن والتي من أهمها نقص مياه الري والتي تسببت في بعض مواسم سابقة بخسائر لمزارعي النخيل واثرت على جودة المنتج، ما دفع ببعض الجهات ومنها جمعية التمور التعاونية الزراعية وعلى لسان رئيسها رائد الصعايدة حينها إلى التحذير من تراجع جودة منتج النخيل الأردني وبالتالي فقدان قدرته التنافسية بالأسواق العالمية.
خلال سنوات مقبلة، ستبقى زراعة النخيل تحت الإختبار، وسط آمال بعدم حدوث أي من سيناريوهات “شح المياه وأزمات التسويق”، فيما سيواصل المزارعون تخليهم عن زراعاتهم التقليدية التي الحقت بهم العديد من الخسائر.
وباتت زراعة النخيل من بين أهم الزراعات الجديدة التي بدأت بالانتشار والزيادة في مساحات زراعتها من قبل العديد من المزارعين بالأغوار الجنوبية، في ظل حملات التشجيع التي تقوم بها وزارة الزراعة للخروج من دائرة الزراعات التقليدية التي لم تؤد إلى إلا مزيد من الخسائر للمزارعين، وخصوصا الأصناف التي تلاقي طلبا محليا وخارجيا عليها مثل صنف المجهول.
وكانت سلطة وادي الأردن قد قررت قبل عدة سنوات وفي خطوة لدعم زراعة النخيل بالأغوار الجنوبية، السماح بزراعة كامل الوحدة الزراعية بالنخيل، كما سمحت بحفر آبار للمياه في الوحدات الزراعية بشروط معينة لري الأشجار.
ويؤكد مزارعون بأن زراعة النخيل تعتبر من الزراعات الواعدة بالمنطقة بسبب إمكانية زراعة كامل الوحدة الزراعية وتوفير كميات كافية من مياه الري وخصوصا خلال فترات الصيف، لافتين إلى أن مردود زراعة النخيل جيدة قياسا بزراعات تقليدية تسبب لهم بخسائر مالية كبيرة خلال الأعوام الأخيرة.
وطالبوا بتوفير مغاسل لغسل وتدريج المحصول في المنطقة، ليتمكنوا من تعظيم الاستفادة من المحصول بدلا من بيعه إلى التجار بأسعار متدنية، خاصة وأن أصناف المجهول تعتبر الأفضل على مستوى المملكة والعالم.
ووفقا لتقديرات المزارعين، فإن مساحات زراعة النخيل ارتفعت خلال السنوات الماضية من مئات الدونمات إلى آلاف الدونمات خلال العام الحالي.
وبالعودة إلى العضايلة -مدير زراعة الأغوار الجنوبية- أشار إلى أن هناك اقبال كبير من المزارعين بالأغوار على زراعة النخيل والتخلي عن الزراعات التقليدية وخصوصا البندورة،
وبين أن المزارعين بالأغوار يزرعون أفضل أنواع النخيل في العالم، لافتا إلى أن صنف تمر المجهول بالغور هو أفضل أنواع التمور عالميا وهو صنف يتصف بأن حجم التمرة كبير وبمذاق ممتاز.
ولفت إلى أن سماح سلطة وادي الأردن للمزارعين بزراعة كامل الوحدة الزراعية بمساحة 30 دونم ساهم في اتساع المساحة المزروعة بالنخيل بعد أن كانت من ضمن الزراعات الثانوية وأصبحت الآن زراعة رئيسة.
وقال المزارع حسام الرواشدة إنه ومنذ سنوات إتجه لزراعة النخيل حرصا على تنويع الزراعات وخصوصا بعد الخسائر الكبيرة التي تعرض لها المزارعون بالأعوام الماضية، لافتا إلى أن لديه الآن حوالي ألف شجرة نخيل من صنف المجهول، ولديه خطط بزيادة مساحة الأراضي بزراعة النخيل إلى حوالي 120 دونما أي أربع وحدات زراعية بكاملها بالنخيل.
ولفت إلى أن عمر أشجار النخيل بمزرعته بلغ حوالي 7 سنوات وبدأت بالإنتاج الجيد ومن المتوقع أن يرتفع الإنتاج مع زيادة عمر الأشجار، مشيرا إلى أن الأسعار حاليا تتبع السوق المحلي والذي هو بحاجة إلى تطوير ليتمكن المزارع من الاستفادة من زراعة النخيل وخصوصا في مجال توفير مشاغل لغسل وتدريج المحصول لبيعه بأسعار مناسبة.
وأشار إلى أن السماح بحفر بئر خاص للمزارعين يساهم في توفير كميات كافية من مياه الري وخصوصا وأن أشجار النخيل بحاجة لكميات من المياه في فترة الصيف لتتمكن الشجرة من إنتاج محصول جيد.
وأشار المزارع ياسر محمد إلى أن الخسائر المتراكمة في السابق على المزارعين بسبب ضعف تسويق المحاصيل التقليدية، دفع المزارعين إلى التوجه نحو زراعة النخيل، إضافة إلى محاصيل أخرى، مؤكدا أن زراعة النخيل تسهم في توفير مصدر دخل للمزارعين مع زراعة محاصيل أخرى داخل الوحدة.
وأشار إلى أن زراعة كامل الوحدة يسهم في زراعات أعداد كبيرة من أشجار النخيل، غير أنه أكد على أن استمرار تطور ونجاح زراعة النخيل يحتاج إلى تقديم الدعم وخصوصا في مجال التسويق.

هشال العضايلة –الغد

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة