الهناندة يكتب :التحول الرقمي طريق الأردن إلى المستقبل: من الرؤية الملكية إلى التنفيذ الجامعي

==
بقلم: الأستاذ الدكتور فراس الهناندة
رئيس جامعة عجلون الوطنية – مدير مركز الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي/ اتحاد الجامعات العربية
يُعدّ التحول الرقمي في عالم اليوم حجر الزاوية في نهضة الأمم، فهو ليس مجرد انتقال من الورق إلى الشاشة أو من الإدارة التقليدية إلى الإلكترونية، بل هو ثورة فكرية ومنهجية تعيد صياغة علاقة الإنسان بالمعرفة والإنتاج والإدارة. فالتحول الرقمي يعني إعادة هيكلة منظومات العمل والتعليم والخدمات، بالاعتماد على البيانات الضخمة، والذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والتكامل بين الأنظمة، بما يحقق كفاءة أعلى، وشفافية أكبر، واستدامة في التنمية.
وفي الأردن، أدركت القيادة الهاشمية منذ مطلع الألفية الجديدة أهمية المعرفة والتكنولوجيا في بناء الدولة الحديثة، فكانت التوجيهات المستمرة نحو بناء اقتصاد رقمي ذكي يقوم على الابتكار والريادة. وقد تجسدت هذه الرؤية في مبادرات وطنية كبرى، مثل رؤية التحديث الاقتصادي وخارطة التحديث الإداري، وإطلاق مشاريع التحول الرقمي الحكومي، وتوسيع البنية التحتية الرقمية لتشمل جميع المحافظات، وتحفيز القطاعين العام والخاص على الاستثمار في التقنيات المتقدمة.
وقد وضعت هذه الرؤية أسسًا فكرية متقدمة للتحول الرقمي ترتكز على ثلاثية: التمكين البشري، والسيادة التكنولوجية، والاستدامة المؤسسية. فالتحول الرقمي لا يمكن أن يُختزل في أدوات وبرمجيات، بل هو مشروع وطني شامل يتطلب تنمية رأس المال البشري، وبناء بيئة تشريعية وتنظيمية داعمة للابتكار، وتعزيز الثقة في الخدمات الرقمية بما يضمن أمن المعلومات وحماية الخصوصية.
ومن منظور علمي، يُعدّ التحول الرقمي المرحلة الثانية من التطور الصناعي المعرفي، حيث تندمج التقنيات الذكية في كل مفاصل الحياة اليومية والإنتاجية لتخلق ما يُعرف بـ”الاقتصاد المعرفي المتصل” (Connected Knowledge Economy)، وهو اقتصاد يعتمد على البيانات والتحليل التنبؤي لاتخاذ القرار. وهنا يبرز دور الذكاء الاصطناعي في تحليل الأنماط الضخمة من المعلومات لتوجيه السياسات العامة وتحسين الأداء المؤسسي، مما يجعل التحول الرقمي ضرورة وجودية للدول الساعية إلى المنافسة في النظام العالمي الجديد.
ولأن الجامعات هي العقل المفكر لأي مشروع وطني، فإن دورها في دعم التحول الرقمي لا يقتصر على التعليم، بل يمتد إلى البحث والتطوير، وإنتاج المعرفة القابلة للتطبيق. ومن هذا المنطلق، تعمل جامعة عجلون الوطنية على تعزيز حضورها العلمي في هذا المجال من خلال دعم الأبحاث التطبيقية في الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي، وتأهيل جيل من الطلبة يمتلك المهارات الرقمية المستقبلية القادرة على مواكبة التحولات العالمية المتسارعة.
المملكة الأردنية الهاشمية، بقيادتها الهاشمية الحكيمة، تثبت أن الاستثمار في الإنسان هو المدخل الأساسي لأي نهضة رقمية. لأن التركيز على تطوير القدرات البشرية، وتعزيز الابتكار، وتحديث البنية التحتية الرقمية، يمكّن الأردن من مواجهة تحديات المستقبل بمرونة وكفاءة، ويضع المملكة في مصاف الدول الرائدة في التحول الرقمي على المستوى الإقليمي والعالمي.
وفي هذا الإطار، يظل التحول الرقمي في الأردن مسارًا استراتيجيًا حيويًا، يسهم في رفع جودة التعليم والخدمات العامة، وتحسين بيئة الأعمال، وتعزيز الاقتصاد المعرفي، ليصبح الأردن نموذجًا متقدمًا في تكييف التكنولوجيا الحديثة بما يخدم التنمية المستدامة ويعزز مكانته التنافسية في المستقبل.

