بضربات جوية.. الأردن وأميركا يواصلان حربهما المفتوحة ضد “داعش”

عمان– شارك سلاح الجو الملكي الأردني فجر الجمعة بتنفيذ ضربات جوية دقيقة، استهدفت مواقع تابعة لتنظيم “داعش الإرهابي” في مناطق جنوبي سورية، بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية، في إطار عمليات التحالف الدولي الذي انضمت إليه الحكومة السورية مؤخرا لمواجهة التنظيم.

وتأتي هذه المشاركة في سياق الحرب على الإرهاب، ومنع التنظيمات المتطرفة من استغلال تلك المناطق كنقاط انطلاق لتهديد أمن سورية وجوارها الإقليمي، بخاصة بعد أن أعاد التنظيم الإرهابي ترتيب صفوفه وبناء قدراته في الجنوب السوري.
ضربة انتقامية واسعة
وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، أسفرت الضربات الأميركية الليلية على مواقع في سورية عن مقتل 5 عناصر على الأقل من التنظيم الإرهابي، فيما أكدت المملكة مشاركتها في العملية التي جاءت بعد أسبوع من هجوم في مدينة تدمر، ما أسفر عن مقتل 3 أميركيين بينهم جنديان.
وأعلنت الولايات المتحدة أن العملية استهدفت أكثر من 70 موقعا في وسط سورية، باستخدام طائرات مقاتلة ومروحيات هجومية ومدفعية، فيما وصفها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بـ”ضربة انتقامية قوية جدا”، ردا على الهجوم الذي وقع في 13 الشهر الحالي بمحافظة حمص.
ووفق بيان القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم)، استُخدم في العملية أكثر من 100 نوع من الذخائر الموجهة بدقة، في حين أكدت القوات المسلحة الأردنية في بيان أمس مشاركة طائراتها المقاتلة في الضربات.
إذ تواصل المملكة الاضطلاع بدور أساسي في التحالف الدولي بقيادة واشنطن، ضد تنظيم “داعش” الإرهابي منذ أن أُعلن عن تأسيسه كتنظيم إرهابي في عام 2014.
واجهة مفتوحة مع “داعش”
رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية د. خالد شنيكات، قال إن “الولايات المتحدة دخلت في مواجهة مفتوحة مع داعش منذ عام 2007، حين بدأت قواتها بالانتشار في العراق، برغم أن التنظيم لم يكن قد أعلن عن وجوده آنذاك، لكن أفكاره كانت حاضرة.
ومع إعلان داعش دولته في عام 2014، دخلت واشنطن في حرب مباشرة معلنة معه، شملت قصف مواقعه، وتدمير بنيته، ما أدى لانهيار دولته، ما دفعه لأن يتبع أسلوب حرب العصابات، بدون سيطرة على الأرض.
وأوضح أن التنظيم حاليا، يقف في مواجهة مع الولايات المتحدة، وهو في الأصل نتاج تدخلات خارجية، مشيرا إلى أن أي زيادة في قوته، تجعله أكثر ميلا لمهاجمة الوجود العسكري الأميركي في الشرق السوري، بخاصة في المناطق الغنية بالنفط والداعمة للأكراد.
وبرغم أنه بدأ كتنظيم يضعف ويتراجع، لكنه لم ينتهِ بعد، وفق شنيكات، الذي أشار إلى أن الولايات المتحدة أعلنت هزيمته نهائيا في عام 2017، لكن العمليات العسكرية المتكررة ضده كالعملية الأخيرة، تؤكد أنه يعيد ترتيب صفوفه ويشن هجمات جديدة.
وفي معرض تقييمه لجدوى هذه العمليات، شدد على أن أي عملية، لا ترتبط بمعالجة الأسباب الجذرية للمشكلة، ستظل مجرد تكرار، فالقضية مرتبطة بالبنية التحتية للتنظيم، وبالظروف الاقتصادية والاجتماعية، مشيرا إلى أن سورية بعد الثورة، فقدت مؤسساتها وتعاني غياب التعليم والوظائف وانعدام إعادة الإعمار، وهي عوامل تغذي بيئة خصبة للتطرف.
وأضاف شنيكات أن التدخلات الأميركية في القضايا الإقليمية، قد تكون بدورها أحد أسباب استمرار هذه الظاهرة، مؤكدا أن القضاء على “داعش الإرهابي” لا يضمن عدم ظهور تنظيمات أكثر تطرفا، فالحرب مستمرة والجماعات المتشددة، تعود إلى الظهور ما لم تعالج جذور المشكلة، وهذه الجذور ليست محصورة في سورية وحدها، بل تمتد إلى القضية الفلسطينية وسياسات الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة، إذ تستغل هذه الجماعات ما تعتبره ظلما تاريخيا لتبرير عملياتها.
تحولات النفوذ الإقليمي
وبشأن النفوذ الأميركي، توقع شنيكات بأن تعزز العمليات العسكرية الأخيرة علاقة الولايات المتحدة مع الحكومة الجديدة في سورية، مشيرا لوجود شراكة أمنية واضحة بين الطرفين، وهو ما تؤكده تصريحات أمريكية متكررة، فمهاجمة التنظيم الإرهابي قد تكون أيضا ذريعة لاستمرار الوجود الأميركي في سورية، بذريعة مواجهة التحديات الأمنية.
وأضاف أن النظام السوري الجديد يسعى لصياغة علاقة مختلفة مع واشنطن، بخاصة بعد رفع العقوبات وإلغاء قانون قيصر، في ظل قضايا معقدة تتعلق بالأكراد وبالوحدة السورية، مؤكدا أن ضمان وحدة سورية قد يدفع نحو شراكة أمنية طويلة الأمد مع الولايات المتحدة.
وأوضح أن تركيا مرشحة للعب دور قوي في هذه المعادلة، إذ إن ضغوطها إلى جانب السعودية فتحت الباب أمام تعاون جديد بين واشنطن والنظام السوري، ما يعكس تحولات عميقة في طبيعة العلاقات الإقليمية.
طبيعة العملية العسكرية
وقال الخبير العسكري والإستراتيجي نضال أبوزيد إن بداية العملية العسكرية في سورية حملت دلالة واضحة عن طريق اسمها، إذ جرى إطلاق مسمى “ضربة” عليها، وليس عملية أو حملة عسكرية، ما يعكس طبيعتها المحدودة والقصيرة، والمتوقع ألا تتجاوز أسبوعا واحدا، موضحا أن السبب الرئيس وراء ذلك أن بقايا تنظيم “داعش الإرهابي” لم تعد بالقوة السابقة، بل تحولت إلى جيوب متناثرة.
وأضاف أبو زيد، أن اختيار جغرافية العملية له دلالات مهمة، فهي تمتد على طول مثلث الثريا- السخنة – تدمر، وهو مثلث إستراتيجي قريب من العراق والأردن، ويعرف تاريخيا بأنه مثلث خطر.
مشيرا إلى أن المعلومات الاستخباراتية وصلت إلى مرحلة الذروة، حيث كانت تشير إلى تنامي قوة التنظيم ومحاولاته إعادة إنتاج نفسه في البادية السورية، مستفيدا من أسلحة متبقية من الجيش السوري السابق.
وبيّن أبو زيد، أن التنظيم نفذ في الأسابيع الماضية عمليات قرب حلب، وأخرى في منطقة السيدة زينب بدمشق، في محاولة لإعادة إنتاج صورته العملياتية الميدانية. موضحا أن الخشية كانت من الاقتراب من الزاوية الحدودية العراقية– السورية– الأردنية، وهي منطقة حساسة للأردن الذي سبق وأن دفع ثمنا باهظا في عملية الركبان التي راح ضحيتها 7 من شهداء القوات المسلحة.
لذلك، جاءت هذه العملية، بعد استهداف القوات الأميركية في 13 من الشهر الحالي قرب تدمر، لتجريد التنظيم من قدراته، وإعادته إلى حالته السابقة قبل محاولات إعادة إنتاج نفسه.
مشيرا إلى أن القوات الأميركية قد لا تكتفي بهذه الضربة، مرجحا أن نشهد قريبا إنشاء قاعدة أميركية جديدة قرب تدمر أو جنوب دمشق، ربما في مطار المزة أو مطار “تي فور”، لدعم قاعدة التنف القريبة من البادية السورية.
أهداف الضربة
وعن أهداف العملية، أوضح أبو زيد أنها شملت مناطق الرصافة في بادية دير الزور، والمطار والوديان المحيطة بالسخنة والثريا، وهي مناطق وعرة مليئة بالكهوف والتلال والوديان التي توفر للتنظيم بيئة مناسبة للتخفي، مؤكدا أن العملية في هذا التوقيت جردت “داعش الإرهابي” من محاولات إعادة إنتاج نفسه.
ولفت أبو زيد إلى أنه شاركت في الضربة راجمات صواريخ أميركية ومدفعية ثقيلة من قاعدة الشدادي، بالإضافة للطائرات الأميركية المتمركزة في قواعد داخل العراق وسورية، وسبق العملية أيضا إنزال جوي أميركي-عراقي قرب البادية السورية، مشددا على أن العملية حققت أهدافا كبيرة، إذ استهدفت 71 موقعا للتنظيم الإرهابي، ومعلومات تشير لمقتل 5 من كبار قياداته في البادية السورية، بينهم مسؤول الطائرات المسيرة بمنطقة دير الزور.
اختبار صعب للحكومة السورية
إلى ذلك، قال الباحث والمحلل السياسي د. عامر السبايلة، إن ما جرى يمثل بداية لمواجهة جديدة مع التنظيم الإرهابي، لكنه في الوقت نفسه امتحان حقيقي للحكومة السورية التي باتت مطالبة بإثبات قدرتها على أن تكون فاعلة وقادرة على تنفيذ ما هو مطلوب منها في عمليات اجتثاث التنظيم على الأرض.
وأوضح السبايلة أن الضربات الجوية قد تؤسس لمرحلة جديدة، لكن النجاح لا يمكن أن يتحقق إلا بوجود قوات ميدانية، وعلى الأغلب ستكون هذه القوات تابعة للحكومة السورية نفسها، مضيفا أن هذا الامتحان ليس سهلا، بل سيكون صعبا ومعقدا، والفشل فيه سيؤدي لتفريخ تنظيمات متطرفة مجددا.
وأكد السبايلة أن الولايات المتحدة، من جانبها، تعلن أنها موجودة بقوة في الميدان، وتنتقل متى شاءت لتنفيذ هجمات، ما يعكس ترجمة لعقيدتها العسكرية الجديدة التي تقوم على مبدأ فرض السلام بالقوة.

محمد الكيالي/ الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة