بعد تعثره لسنوات.. إربد تترقب افتتاح مشروع “النزل البيئي” في محمية اليرموك

إربد- بعد أعوام طويلة من التعثر والتوقفات المتكررة، تستعد محمية غابات اليرموك في لواء بني كنانة لافتتاح أحد أكبر المشاريع البيئية السياحية في شمال المملكة، وهو “النزل البيئي” الذي يتوقع أن يشكل علامة فارقة في مسيرة السياحة البيئية والطبيعية في الأردن.

ففي موقع إستراتيجي استثنائي، عند تخوم بلدة أم قيس الأثرية، وعلى مشارف بحيرة طبريا وجبل الشيخ ونهر الأردن والجولان، يتربع النزل الجديد بين أحضان الجبال والأودية ليعيد رسم ملامح الاستثمار في الطبيعة والتنوع الحيوي، وليكون من أبرز المشاريع السياحية التي تنفذ في شمال الأردن خلال السنوات الأخيرة.
المشروع الذي بلغت كلفته الإجمالية نحو 2.5 مليون دينار يمتد على مساحة واسعة داخل المحمية، ويتضمن 90 غرفة ضيافة و20 شاليها مستقلا وفندقا من طابقين بطاقة استيعابية تصل إلى نحو 90 شخصا للمبيت.
كما يضم صالة طعام كبيرة تتسع لـ200 شخص، وصالة خارجية مطلة على بحيرة طبريا وجبل الشيخ بسعة 100 شخص، إلى جانب قاعة مخصصة لعرض المنتجات الطبيعية والحرف اليدوية التي تعكس هوية المجتمع المحلي.
ولم تقتصر مرافق المشروع على المبيت والطعام، إذ جهز النزل بقاعات متعددة الاستخدامات قادرة على استضافة المؤتمرات والندوات وورش العمل، ما يجعله مقصدا مثاليا للقطاعين العام والخاص لتنظيم فعالياتهم، فضلا عن كونه نقطة جذب سياحية للزوار الأفراد والعائلات.
وبحسب ما ذكر لـ”الغد” مدير محمية غابات اليرموك محمد الملكاوي، فإن افتتاح النزل سيكون منتصف الشهر الحالي بعد استكمال جميع التجهيزات، موضحا أن المشروع يشمل “20 وحدة مبيت ومركزا للزوار”، وأنه يمثل نقلة نوعية في قطاع السياحة البيئية.
وأشار إلى أن المحمية تعد من المناطق الحيوية المهمة للطيور المهاجرة، إذ تقع على ثاني أهم مسار عالمي للطيور في وادي الأردن الذي يربط بين آسيا وأوروبا وإفريقيا، وتعد محطة استراحة طبيعية لمئات الأنواع من الطيور، ما يعزز من جاذبية المشروع للسياح والباحثين على حد سواء.
فرص عمل وتنمية محلية
وأكد الملكاوي أن المشروع سيوفر نحو 40 فرصة عمل مباشرة لأبناء المجتمع المحلي، إضافة إلى نحو 100 فرصة غير مباشرة في مجالات الخدمات والتموين والنقل، مشيرا إلى أن هذه الخطوة ستسهم بشكل مباشر في تقليل معدلات البطالة بين الشباب في لواء بني كنانة وتنعكس إيجابا على حركة الأسواق المحلية.
وأضاف أن النزل سيعمل على إطالة مدة مكوث السياح في المنطقة، إذ سيوفر لهم تجربة متكاملة تشمل المبيت وخوض المغامرات البيئية وزيارة المواقع الأثرية وشراء المنتجات المحلية من أهالي القرى المجاورة، وهو ما يعني تحقيق فائدة اقتصادية مباشرة للمجتمع المحلي.
الملكاوي شدد على أن إدارة المشروع ستكون بالكامل من قبل كوادر المحمية، ولا نية حاليا لإشراك القطاع الخاص في التشغيل، موضحا أن الإيرادات ستعود مباشرة لدعم برامج حماية الطبيعة وتنمية المجتمع المحلي.
وأشار إلى أن الجمعية الملكية لحماية الطبيعة قامت خلال السنوات الماضية بتدريب وتأهيل شباب المنطقة في مجالات الإرشاد السياحي والمطابخ الإنتاجية وإدارة الخدمات السياحية، لضمان استفادتهم المباشرة من المشروع.
ولم يكن الطريق نحو إنجاز المشروع سهلا، إذ بدأ العمل به عام 2019 بتمويل من مجلس محافظة إربد بالتعاون مع وزارتي السياحة والبيئة، غير أن المشروع توقف أكثر من مرة بسبب شح المخصصات المالية.
ويشير أرشيف مجلس المحافظة إلى أن المجلس كان قد وافق في البداية على تخصيص مليون دينار فقط، قبل أن يتم رصد نصف المبلغ وإحالة عطاء التصميم، إلا أن نقص التمويل حال دون استكمال التنفيذ، قبا أن يستأنف لاحقا بتمويل من الديوان الملكي.
من جهته، يكشف رئيس لجنة السياحة في مجلس محافظة إربد الأسبق سمير عديلات أن “أسباب التعثر كانت تتعلق بضعف الموازنة، وإجراء مناقلات مالية لمشاريع أخرى، ما أدى إلى بطء الإنجاز رغم أهمية المشروع”.
ويرى أن “المشروع لا يمثل مجرد بنية تحتية سياحية، بل هو مشروع تنموي متكامل سيسهم في خلق فرص عمل وتنشيط الحركة التجارية وإدراج المحمية ضمن المسارات السياحية الوطنية”.
وأضاف عديلات أن “المنطقة بأمس الحاجة إلى مشاريع من هذا النوع، خصوصا أنها تجمع بين عناصر السياحة الأثرية في أم قيس، والعلاجية في المخيبة الغنية بالمياه الكبريتية، والسياحة الطبيعية في أحضان الغابات والطيور”.
ثراء بالتنوع البيولوجي
وتأسست محمية اليرموك عام 2010 ضمن مشروع الإدارة المتكاملة للنظم البيئية في وادي الأردن، وتبلغ مساحتها 20 كيلومترا مربعا، وهي من أكثر المحميات ثراء بالتنوع البيولوجي، فهي تحتضن 565 نوعا من النباتات، أبرزها شجرة البلوط التي تغطي نحو 75 % من مساحتها، إضافة إلى البطم الفلسطيني والأطلسي والخروب، كما تضم 43 نوعا من الثدييات مثل الذئب والثعلب والنيص والدلق الصخري، وأكثر من 150 نوعا من الطيور المهاجرة والمقيمة، منها اللقلق الأبيض والحجل البري ونقار الخشب السوري.
وتوفر المحمية 4 مسارات سياحية للمشي يتراوح طولها بين 5 و12 كيلومترا، فضلا عن مسار تعليمي مخصص لطلبة المدارس يجمع بين التجربة العملية والشرح الأكاديمي، ليغدو وجهة مثالية للرحلات العلمية والأنشطة التوعوية.
ويدار المشروع تحت مظلة الجمعية الملكية لحماية الطبيعة، التي تمتلك علامة “برية الأردن” كجزء من برنامجها التسويقي للمنتجات السياحية والحرف اليدوية المحلية. وتستخدم إيرادات هذه العلامة لدعم استدامة المحميات الطبيعية وتنمية المجتمعات المحلية المحيطة بها.
كما تتبنى الجمعية برامج تعليمية مثل “فارس الطبيعة” الموجه لطلبة المدارس، والذي يطبق في محمية اليرموك عبر أنشطة ميدانية تجمع بين التعلم واللعب، إلى جانب مبادرات للحكم التشاركي في إدارة الموارد الطبيعية بما يعزز من إشراك المجتمع المحلي في حماية المحمية.
ويجمع القائمون على المشروع أن “النزل البيئي” سيكون أيقونة سياحية جديدة في شمال الأردن، بفضل موقعه الفريد وتكامله مع هوية المنطقة التاريخية والطبيعية، ذلك أن الزائر إلى أم قيس لم يعد أمامه خيار قضاء بضع ساعات في زيارة الموقع الأثري والعودة سريعا، بل بات بإمكانه الآن المبيت وسط الطبيعة والانخراط في تجارب بيئية وثقافية ممتدة، ما يطيل مدة إقامته ويضاعف أثره الاقتصادي.
وينظر إلى النزل البيئي كخطوة نوعية لتعزيز مكانة الأردن على خريطة السياحة البيئية عالميا، لا سيما في ظل اهتمام السياح الأوروبيين والعرب بالوجهات الطبيعية المستدامة.
فالموقع الإستراتيجي المطل على وادي الأردن وبحيرة طبريا وجبل الشيخ يتيح للسياح تجربة تجمع بين المغامرة والمراقبة البيئية والطبيعة البكر، وهو ما يتوافق مع توجهات السياحة الحديثة التي تبحث عن التجارب الأصيلة والأنشطة الصديقة للبيئة.
كما يمكن للمشروع أن يجذب الوفود الدولية الباحثة عن الطبيعة والتاريخ في آن واحد، ما يعزز من معدلات الإقامة الطويلة ويضاعف الإنفاق السياحي المحلي، ويضع شمال الأردن في منافسة مباشرة مع الوجهات البيئية الإقليمية والدولية.
ويجعل دمج النزل ضمن مسارات الطيور المهاجرة، المنطقة محطة رئيسة للباحثين والهواة على حد سواء، ما يفتح المجال لمهرجانات وأنشطة علمية وسياحية متخصصة، ويعزز من الدعاية العالمية للأردن كمقصد سياحي متكامل يجمع بين التراث والطبيعة والثقافة.

 أحمد التميمي/ الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة