“بيت جدودنا” نقوش وجدران مغلفة بالذكريات تحاكي تاريخ قرية “لب”

– يحتفظ “بيت جدودنا” في بلدة لب التي تبتعد عن مدينة مادبا (12) كيلومترا، بطرازه المعماري التراثي والتاريخي، بخاصة بعد أن نال حظاً وافراً من اهتمام مالكه نائل الهروط، الذي قام بترميمه، حتى غدا مزاراً لإقامة الفعاليات الثقافية والفنية والأمسيات الشعرية والمعارض والبازارات، يؤمه الزائرون من كل أنحاء العالم.
ففي “الحوش” الذي يعد أحد مرتكزات البيت تنبعث روائح الياسمين والزهور والورود التي تفوح لتمتزج مع نسمات الهواء، وتملأ المكان فرحاً وسروراً للمجيء إليه أو للمارق بجانبه، فالبيت تم تأصيل عمره الزمني إلى ما قبل سبعين عامًا.
حوائط جدرانه مبنية بأحجار عريضة ذات لون بني، تحكي حكاية كل من سكنوا فيه، فهو تحفة معمارية، يمنع هدمها لأهميتها التراثية، حتى أضحت إرثا وجزءا من ذاكرة حية لأبناء البلدة وزائريها، وفق ما ذكره صاحب البيت أبو سلمان، الذي أكد أن فكرة الهدم أو بيع البيت “مرفوضة”، منوهاً إلى أنه يعد قيمة أثرية وجزءا من تراثنا ولا يقدر بثمن، وهو الآن متحف تراثي يحكي قصة إنسان ووطن، إضافة إلى أنه ملتقى لإقامة الفعاليات والأمسيات الثقافية والفنية وبازار للحرف اليدوية والمنتجات التراثية، كما أنه موقع لتصوير المسلسلات والأفلام والأغاني المصورة على نظام الفيديو كليب.
ووضعت وزارة السياحة والآثار “بيت جدودنا” على خريطة المسارات السياحية تحت المسار (الثقافي- السياحي)، واعتبر أبو سلمان أن هذه الخطوة لوزارة السياحة نقطة إيجابية لترويج الموقع والاهتمام بالبيوت التراثية التي تشكل جزءا من حياة الناس على مدار تاريخ نشأة الدولة الأردنية عبر مائة عام على تأسيسها، في الحفاظ على هذه البيوت، فهي جزء مهم وواجب وطني، ومن الصعب تلاشيه أو هدمه.
ويعلل “لأن هذه البيوت جزء من كيان ووجود الوطن، يحمل “بيت جدودنا” في طياته إرثاً تراثياً وتأريخياً لتطور القرية لكونه من أقدم البيوت في لب”، ما دعاه لأن يحتفظ به على طرازه القديم ويجعله ملتقى ومزاراً ثقافياً واجتماعياً وفنياً لأبناء المنطقة وخارجها.
ويضيف “ما يتميز به “بيت جدودنا” طابعه التراثي القديم الذي يشد الزائر إليه، نظراً لما يجده في محتواه من مقتنيات تراثية أكثرها انقرض، ما جعلني أحافظ عليه، بإدخال بعض التعديلات التي تتلاءم مع طراز بنائه القديم، ليكون هذا البيت متحفاً للتراث الشعبي، يحاكي الحقبات الزمنية التي مضت عليها أعوام عدة؛ حيث أعاد ترتيب بناء البيت ولم يخف أسرار بنائه المكون من غرفتين وحوش مسيج بالحجارة القديمة التي تعطي هيبة وأصالة لأهمية المكان وناسه الذين عاشوا فيه وتربوا في أركانه”.
في “بيت جدودنا” نقشت ذكريات الطفولة على جدرانه، تشتم رائحة من رحلوا عن الدنيا وما يزالون فيه، لما يحتوي من قصص وحكايات سعيدة ومؤلمة، تمتزج ذكريات الطفولة والمدرسة ورعي الأغنام، والزراعة والفلاحة، والتعب والشقاء وغيرها من الذكريات الحياتية، بحسب وصف أبو سلمان.
ولم يغفل أبو سلمان عن إعطاء لمحة تاريخية عن بلدة لب وأهميتها عبر الأزمنة، فقال إن البلدة تحتل موقعاً متوسطاً في لواء ذيبان، باعتبارها جوهر القلب السياحي، بوقوعها على تلة مرتفعة، بيوتها القديمة من البيوت التراثية المعتقة الدافئة شتاء والباردة صيفاً التي تحكي قصة الأجداد وبطولاتهم في مكافحة الاستعمار والاستبداد، كما كانت البلدة تشكل مع مدن وقرى لواء ذيبان سداً منيعاً في صد الغزوات والأعداء، حتى لم تسجل على عشائر بني حميدة هزيمة لغزوة أو غزو لعشائر أخرى، إنما كانوا يساعدون الملهوف ويذودون عن المظلومين.
وأشار أبو سلمان إلى كتاب “آثار الأردن” للأنكستر هاردنج، الذي ترجمه الكاتب والمؤرخ سليمان الموسى، أثناء مروره على قرية لب، في زيارته إلى موقع “مكاور”، والذي قال عن لب: “يرى المسافر على بعد بضعة كيلومترات إلى الجنوب من مادبا تلاً مرتفعاً معزولاً غربي الطريق يدعى (لب)، تقوم على قمته، وفي محاذاة هذا التل تتفرع عن الطريق الرئيسية، درب ضيقة تسير غرباً حتى تؤدي في النهاية إلى مكاور؛ حيث يقام قصر “هيرودس” في قلعة مكاور”.
ويضيف أبو سلمان أن بلدة لب تبتعد (12) كم جنوب مدينة مادبا، يحدها من الشرق بلدة مليح والدليلة، من مدينة ذيبان وسيل الوالة جنوباً، ومن مكاور وبلدة جبل بني حميدة غرباً، ومن الشمال الغربي مدينة مادبا وماعين.
ويشير إلى أهمية تاريخ بلدة لب من بطون الكتب التي تناولت تاريخ مادبا، وجزء آخر موجود في الكتابات والمراجع التي وثقت تاريخ عمان، وأوردها الدكتور محمد حتاملة في الجزء الثالث من “موسوعة الديار الأردنية”، ووفق ذلك، فإن تاريخ “لب” يروي قصة ذاكرة المنطقة، بأنه مرّ على لب، التي يتوافق تاريخها مع تاريخ الامتدادات المحيطة بها، كل من حُكم المؤابيين في العام 549 ق.م. بعد أن تمكنوا من استعادتها وتحريرها من الإسرائيليين في عهد الملك جلعاد. ثم خضعت لب لحكم ميشع الذيباني الملك المؤابي، الذي وثق اسمها في مسلته الشهيرة باسم بمت بعل. ولكن بعد وفاة ميشع، خضعت لب للآشوريين العام 331 ق.م. ثم للبابليين، وبعد ذلك لحكم الفرس، وكذلك اليونان.

 

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة