بين الجامعة والمدرسة: ملاحظات نقدية حول واقع التدريب الميداني للطلبة الخريجين// د.باسم محمد القضاة

في ظل التعاون المتزايد بين الجامعات ووزارة التربية والتعليم، وخاصة في مجال تدريب الطلبة الخريجين من كليات العلوم الإنسانية في مدارس الوزارة، يُفترض أن يشكل التدريب الميداني حلقة الوصل بين المعرفة الأكاديمية والتطبيق العملي، وفرصة لتأهيل الطلبة ليكونوا معلمين ومرشدين قادرين على ممارسة مهنتهم بثقة واقتدار. غير أن الواقع، للأسف، يعكس غير ذلك.

من خلال عملي كمرشد تربوي في إحدى المدارس الحكومية، ونتيجة إشرافي المتكرر على طلبة التدريب، رصدت عدداً من الملاحظات التي تثير تساؤلات حول فعالية هذا النوع من التدريب، وتدعو إلى مراجعة جادة وشاملة لآلياته.

أولى هذه الملاحظات تتعلق بالمستوى المعرفي العام للطلبة المتدربين؛ إذ يُلاحظ بوضوح أن كثيراً منهم يفتقرون إلى الأساس المعرفي اللازم لممارسة العمل التربوي، سواء في مجال الإرشاد أو التعليم. هذا الضعف لا يعكس فقط ضعف الإعداد الجامعي، بل يشير إلى غياب تكامل حقيقي بين ما يُدرّس نظرياً وما يُمارس عملياً.

كما يُلاحظ أن عدداً من المتدربين يكتفون بالحفظ دون الفهم، أو ينظرون إلى التدريب كمتطلب شكلي هدفه الأساسي “تعبئة الملف”، وليس كفرصة لبناء الذات المهنية. هذا الفهم القاصر يفرغ التدريب من مضمونه، ويحوّله إلى نشاط بيروقراطي لا أكثر.

ولا يقف الأمر عند الطالب، بل يمتد إلى الأدوات المستخدمة في التدريب؛ فغالباً ما يُطالب الطلبة بإعداد ملفات تدريب ميداني تحتوي على سجلات قديمة لا تتوافق مع النماذج الحديثة المعتمدة في وزارة التربية والتعليم، مما يخلق فجوة إجرائية ومضمونية بين مؤسستي التعليم الجامعي والتعليم العام.

أما الإشكالية الأبرز، فتتعلق بالدور المحدود للمشرف الأكاديمي من الجامعة. في كثير من الحالات، تقتصر زياراته على التوقيع والتوثيق، دون تواصل فعّال مع المرشد الميداني في المدرسة أو تقييم حقيقي لأداء الطالب، وكأن حضوره لا يتجاوز كونه إجراءً شكلياً. والأسوأ من ذلك، أن هذا الأسلوب يُشعر المرشد الميداني أحياناً بعدم الثقة بقدراته، ما يخلق فجوة أخرى لا تقل خطورة عن سابقتها.

إننا بحاجة ماسة إلى إعادة النظر في أسس التدريب الميداني، من خلال تعزيز الشراكة بين الجامعات ووزارة التربية والتعليم على أساس الثقة والتكامل والتقييم الموضوعي. كما يجب تحديث النماذج التدريبية وتوحيدها، وتفعيل دور المشرف الأكاديمي بحيث يصبح شريكاً حقيقياً في عملية التقييم والتطوير، وليس مراقباً عابراً.

ختاماً، لا يمكننا أن نلوم مخرجات المدارس دون مراجعة جذرية لمخرجات الجامعات. فالإعداد الجيد في مؤسسات التعليم العالي هو الخطوة الأولى نحو نظام تعليمي أكثر كفاءة، وأكثر قدرة على مواجهة تحديات المستقبل.

المرشد التربوي :د.باسم محمد القضاة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة