بين الحانا والمانا…. ضاعت لحانا / نايف المصاروه

=

القول.. بين حانا ومانا.. أي بين بليّة وأخرى، والقول جزء من مثل شعبي قديم اورده، الأبشيهي وهو بهاء الدين (أو شهاب الدين) أبو الفتح محمد بن أحمد بن منصور الأبشيهي المحلي، نسبة إلى قرية أبْشيه (أبْشَواي) من قرى الفيّوم في مصر.
أقام في المحلة، ورحل إلى القاهرة غير مرة، واستمع إلى دروس جلال الدين البُلقيني.
درس الفقه والنحو وولي خطابة في بلدته بعد أبيه.
توفي سنة ٨٥٢ هـ، وقيل سنة ٨٥٠ هـ.، وهو أديب مصري، وصاحب المستطرف في كل فن مستظرف» في الأدب والأخبار، وقد ذكر في ص ٣٤/١) برواية (بين حانة ومانة ضاعت لحانا».
وأصل المثل أن رجلاً بلغ الخمسين من العمر، وكان له زوجتين ، فالأولى واسمها حانا بلغت الأربعين، والثانية اسمها مانا دون العشرين، فكان إذا بات ليلة عند حانا مدحت له مزايا الشيخوخة والوقار ، وكانت تمد يدها الى لحيته، وتنزع منها  تلك الشعرات السوداء، مدّعية أن في بقاء  الشعرات البيضاء جمال الكبر ومهابة الشيخوخة.
وإذا بات عند مانا تمدح له الشباب، وتمد يدها الى لحيته لتنزع منها تلك الشعرات  البيضاء، مدّعية أن في الشعرات السوداء مظاهر الشباب والفتوّة .

ودامت الحال على هذا المنوال مدة، ظلت فيها أصابع الزوجتين تمتد إلى لحية الرجل نتفاً  للشعر الابيض والاسود، حتى وقف ذات يوم أمام المرآة، فأخذ ما تبقى من لحيته، ثم رفعها وقال: بين حانا ومانا ضاعت لحانا.

وذهب قوله مثلا يضرب، حين يضع المرء نفسه  بين شخصين او جهتين.. متضادتين، ربما قريتين او حكومتين، حكومة ظل، وحكومة هي الى الصورة او الديكور أقرب ،  لا يقدران حالته، فلا ينال رضا أي منهما، وفي النهاية  يخسر نفسه  ، كما خسر صاحبنا.. زوج الاثنتين لحيته .

وفي المثل او  القصة إشارة الى  ان الزوج  هو من وضع نفسه في هذا الصراع، بالسكوت والرضى على نتف لحيته، تحت مداعبة الايدي الناعمة ومجاملات الشباب والوقورة، و لم يستطع ان يروض  اي من  زوجتيه ، و يمنع الصراع بينهما على الظفر به،فكان مصيره النتف والتعب.
المواطن العربي  بشكل عام والاردني بشكل خاص، يعيش حالة نتف الريش واللحية، نتف سياسي واقتصادي وأمني، نتف يجري على قدم وساق، ولكنه مختلف لما جرى لصاحبنا زوج الإثنين.

في شأن السياسة الخارجية والعلاقات العربية والدولية، إملاءات امريكا وتنازعها مع روسيا وعداوتها مع الصين، وتكرار دفاعها عن أمن اسرائيل  ، ورغم الاعتداءات المتكررة على الاقصى، ومحاولات التهجير للعرب من  القدس بالذات، واعلان سلطات الاحتلال عن توسعة الاستيطان وزيادته، يلوح في الافق إنفتاح وتقارب   مجددا  وعلى استحياء مع اليهود الصهاينة،ومثله  ربما مع ايران او ما يسمى بمحور المقاومة.

وثورة على السلطة في رام الله، ومطالبات بالتنحي لعباس، وفتور في بعض العلاقات مع بعض الاشقاء ، والذي اعقب تجاذبات في العلاقات بين بعض الاشقاء من اصدقاء الامس،ولا يخفى الدور الخبيث لبعض الأعراب في الفتن والوقيعة.
وقريبا شهدنا ولادة تجمع الشام الجديد، مع غياب واضح  لأمين الجامعة العربية، وتغييب لسوريا وتركها في حضن الفرس تصارع الإرهاب، وفقر وجوع في لبنان،ولا إغاثة من مكونات السلطة في الداخل، ولا غوث عربي من الخارج، ونقل لبعض  القواعد الامريكية الى الاردن!
جميل جدا.. أن يعود الاردن الى دوره الذي عرف به، ولكن على قاعدة القوة والوفاق والاتفاق، فالشقيق الأعرج خير من صديق خائن وماكر.
واشارة على عجل.. لا نقبل بالتآمر علينا من قبل أي كائن، ونرد ” الصاع بصاعين” وعلى الملأ، ” ولا نضرب ” تحت الحزام ”، ولا نختبئ عن المواجهة والرد بالمثل ،ونقول للاعوج أعوج بعينه ولا نستحي من عوجه، إذا كان صاحب العوج نفسه لا يستحي من عوجه!

لكننا….نرفض الدخول في ذات  المسمى على أي كائن!
ونحذر مجددا… من رفقة كل فتان  خبيث، او من يداني الصهاينة ويقويهم على حساب كل الأشقاء.
وقولي وقول كل عربي ومسلم حر وشريف، نفتدي الحرمين والاقصى  بالذات  بمهج قلوبنا ونسيجها برموش عيوننا…،ومن دونها  يرخص كل غالي، ونفتديها  بالمال والدم والروح!
اما واقع مسمى الإصلاح ، واللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، وواقع الأحزاب وكثرتها ، وما سبقها من حل لحزب الشراكة والإنقاذ ونقابة المعلمين، والدوريات الالكترونية، ومفهوم الحرية وحقوق الإنسان، والعنف المجتمعي ،وجرائم القتل، وتغييب القيادات المجتمعية!

وفي المجال الاقتصادي، تكرار املاءات صندوق النقد والبنك الدولي، والدعوة الى الغاء التقاعد المبكر، وغياب دور الحكومة  في ضبط ورقابة  الأسواق ، وواقع التسعير الحكومي مما سبب إرتفاع الأسعار المتكرر، ومنها ارتفاع اسعار المواد الغذائية وغيرها وتأثيراتها، وقروض البنوك وفوائدها، وواقع التخلف والعجز عن السداد وتبعات ذلك وتأثيراتها  الاقتصادية والقانونية والاجتماعية والامنية .

ومنها ارتفاع اسعار مواد البناء بشكل جنوني، وتأثيراته الكارثية على قطاع البناء والإسكان، وبالتالي إرتفاع اسعار الشقق ،وتأثيرات  ذلك على واقع التشغيل، والنذر بالمزيد من ارتفاع نسبة البطالة.

والسؤال هل كل  ذلك يصب في مصلحة الاقتصاد الوطني والامن المجتمعي  أم يقوضه؟
وما هي الإجراءات التي ستتخذها الحكومة لمواجهة ذلك؟

في مجال السياحة وتسويقها محليا واقليميا وعالميا ، واقع ارتفاع كلف المعيشة وجنون  الاسعار، وواقع السياحة الخارجية، ومواءمتها للسائح الأردني والعربي ، ودور هيئة تنشيط السياحة وإنفاقها.. ولو يتم توجيه تلك النفقات، للإنفاق الحقيقي على التحديث والتطوير وبناء الحديث من صناعة السياحة والرفاهية لكان خيرا وأجدى  ،وجدلية  ما يسمى بالسياحة الدينية !

أما الوعظ والارشاد والتوجيه، ودور المسجد الذي أصبح مغيب ، وخطبة الجمعة الموحدة وقصر وقتها وتفريغ المحتوى ، وقلة الكفاءات بين الخطباء، والدعوة الى زيارة الاضرحة والمقامات!

وسوء  العلاقة بين وزارة التربية ونقابة المعلمين التي حلت قضائيا ، والتلويح بمقاطعة التدريس، وتأثرات ذلك على واقع التعليم، وحال ومصير الطلبة، وفشل  التعليم الإلكتروني، وتأثيراته  على واقع الإمتحانات ونتائجها .

الامن المائي، ما بين الاعلان عن الواقع الحرج، ثم الى  المطمئن، وتكرار شراء المياه من اليهود، وواقع تعمد تلويث بعض مصادر المياه، وكثرة الشكاوى من التأخر بالتزويد!

وفي الشأن الصحي،الواقع المتردي في إدارة  ملف فيروس  كورونا وتحوراته، ومخاطر المتحور الهندي والدلتا ، وواقع لجنة الاوبئة، والتصريح بالعودة الى الحد من اجراءات التخفيف، وكثرة التصريحات من غير المعنيين بالشأن وتأثيراتها.

الواقع البيئي ،تكرار اشتعال الحرائق ، وأثرها وتهديدها للثروة الحرجية، وتكرار حرق النفايات من قبل بعض العاملين في البلديات، ومزاج اشعال الحرائق عند البعض، والدور شبه الغائب لبعض  المعنيين بالحفاظ على البيئة.

اكتفي بذلك.. لأقول واكرر، احب الإيجابية ولست سلبيا ولا ولن أكون، لكن تشخيص العلل وسرعة المعالجة، خير من ابر التخدير ولقيمات التصبير؛
وأشير الى كل ذلك، ليس من باب اشاعة الروح السلبية، او النظر الى النصف الفارغ من الكأس، بل لأنني احب وطني، وأحب أن يكون دائما، كسابق عهده كالشامة بين الأمم.
أعود الى العنوان، وأذكر ان الزوج  هو من وضع نفسه في صراع زوجتيه ، بالسكوت والرضى على نتف لحيته، تحت مداعبة الايدي الناعمة ومجاملات الشباب والوقورة.

واشير ايضا إلى المثل الشعبي القائل  ” اللي يستحي من بنت عمه ما يجيه عيال”.

وفي التاريخ قصة  أخرى مشابهة، لحانا ومانا، إذ تزوج
إعرابي  بإثنتين ، طلبا للراحة ورغد العيش والسعادة، فلما ذاق وبال الامر أنشد يقول..

تَزَوَّجْتُ اثنتينِ لِفَرْطِ جَهْلِي… بِمَا يَشْقَى به زَوجُ اثْنتينِ
فقلتُ أصيرُ بينهما خروفًا…. أُنَعَّمُ بين أَكْرَمِ نَعْجَتَيْنِ
فصِرْتُ كَنَعْجَةٍ تُضْحِي وتُمْسِي…تُدَاوَلُ بينَ أَخْبَثِ ذِئْبَتَيْنِ

وسؤالي… في ظل الصمت المطبق للشعوب وقادة الرأي والفكر، والرضى بدور المغلوب ‘:على قاعدة موت جبان، ولا يقولوا الله يرحمه ”، هل تتحقق لنا السلامة ولأوطاننا السيادة بكل مفهومها؟

والسؤال الآخر .. لكل صاحب فكر وقرار، بما اننا نقع مع الصهاينة في منطقة جغرافية واحدة، ما هو سر التفوق الصهيوني سياسيا  واقتصاديا ومائيا وصناعيا وطبيا؟

وما هي اسباب تراجعنا وتأخرنا؟
وهل أسباب ذلك التراجع، تعود الى تكرار نفس النهج بتشكيل الحكومات والتعديل عليها، واعادة التدوير للتوزير والتوريث في بعض المناصب  ، واستمرار  الضعف في الإدارة ،الذي انتج ضعفا في كل المحافل والنواحي، وضعف الإرادة للتوجه إلى الإعتماد على الذات؟
أم أن الخوف من مواجهة الحقائق لتشريحها وتصحيحها، والبقاء في دائرة التدوير والتأجيل، هو السبب لكل تراجعنا؟

 

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة