بين ثقة الشعب وأمانة المسؤولية: أين نقف من معادلة الخدمة العامة؟ // الدكتور متري شبلي الزريقات

في لحظة دقيقة تمرّ بها المنطقة والعالم، تتزايد حاجة المواطن الأردني إلى مؤسسات قوية، شفافة، وقادرة على حمل همومه بصدق ونزاهة. ومع كل حديث يتردد في الشارع حول تعيينات أو مصالح شخصية داخل بعض مواقع المسؤولية، تبرز الحاجة إلى مراجعة أعمق لآليات العمل العام، لا بهدف الانتقاد المجاني، بل بهدف إعادة بناء الثقة بين المواطن ومؤسساته.
لقد أثارت الزيارات الميدانية المتكررة التي يقوم بها جلالة الملك عبدالله الثاني سمو ولي العهد الامير الحسين بن عبدالله الثاني للمرافق والخدمات العامة جملة من الرسائل المهمة. فالمشهد الذي يراه المواطن — ملكٌ يتفقد مستشفى أو دائرة حكومية أو منشأة خدمية — يجسد معيارًا واضحًا للأداء المطلوب: خدمة وطنية نظيفة، مسؤولية مباشرة، ومتابعة لا تعرف المجاملة كما نرى سمو ولي العهد يقوم ايضا بزيارات و مبادرات و نشاطات و التشجيع على الاستثمار في كل المجالات و دعم الشباب. إنها زيارات تحمل معنى، وتضع سقفًا من التوقعات لا يستطيع أي مسؤول أن يتجاهله.
وبينما تُعلي القيادة من شأن المتابعة الميدانية، يتطلع الأردنيون إلى أن تنعكس هذه الروح على المؤسسات المنتخبة والإدارية على حد سواء. فالناس يريدون مجلس نواب فاعلاً، يمارس دوره الرقابي والتشريعي بمهنية، ويتجنب أي مظهر قد يُفهم على أنه تضارب مصالح. وهذا ليس انتقادًا لشخص أو جهة، بل مطالبة مشروعة بحق طبيعي للمواطن في رؤية أداء يتناسب مع حجم التحديات.
إن الدول القوية لا تُبنى بالمجاملات ولا بتكميم النقد، إنما تُبنى عبر الاعتراف بالملاحظات، وتطوير إجراءات الحوكمة، وتحسين العدالة في التعيينات، وإعلاء مبدأ تكافؤ الفرص. وهذا ما يحتاجه الشارع اليوم: أن يرى أن المصلحة العامة تتقدم ” بلا تردد “على أي اعتبار آخر.
ولعل الرسالة الأبرز التي يمكن استخلاصها من المزاج الشعبي اليوم هي:
أن الأردني يريد مؤسسات تعمل بروح واحدة، وتلتقي تحت مظلة نزاهة حقيقية، تحفظ كرامة المواطن وتعيد الاعتبار للعمل العام.
إننا أمام فرصة تاريخية لتصويب المسار وتعزيز الثقة، خاصة مع تزايد المتطلبات الاجتماعية والاقتصادية. والجهات الحكومية تملك القدرة ” إن أرادت ” أن تجعل من هذه المرحلة نقطة تحول، عبر تفعيل الشفافية، وضبط التعيينات، وتقوية أدوات الرقابة، وتكريس نموذج الخدمة الذي تعكسه الزيارات الملكية الميدانية.
في النهاية، ليست القضية قضية أشخاص، بل قضية نهج.
والمواطن اليوم يطالب بنهج أكثر وضوحًا، أكثر صرامة، وأكثر قربًا منه.
نهج يجعل من العمل العام شرفًا فعليًا، لا بابًا للاجتهادات الفردية كما يرغب المواطن الاردني بأن تكون هذه الجهات فاعلة في خدمته بكافة المجالات الاقتصاديه و الصحية و الاجتماعية

