تاركا إرثا ثقافيا كبيرا.. رحيل مُفجع لجريس سماوي

غاب الجسد، وبقيت الروح حاضرة، والكلمات والمواقف النبيلة، وتلك الصورة التي يطغى عليها الحب والود والضحكة التي لا تغيب.. رحل وزير الثقافة الأسبق الشاعر جريس سماوي، نتيجة مضاعفات إصابته بفيروس كورونا وبقيت مواقفه الإنسانية وتجربته الثقافية إرثا كبيرا لا يُنسى.
محبو الراحل وأصدقائه استذكروه، معتبرين أن غيابه خسارة للثقافة العربية والمحلية، وهو الذي استطاع بأخلاقه العالية أن يرسخ احترامه وحبه في قلوب كل من عرفه وتعامل معه، وكان صاحب تجربة مؤثرة في القصيدة العربية، مبدعاً في أفكاره مرهفاً في أشعاره.
منصات التواصل الاجتماعي اتشحت ليلة أول من أمس بالسواد، إذ نشر محبوه صور الراحل سماوي واستذكروا محطاته الثقافية ومواقفه الإنسانية، ونشروا قصائد من شعره، وغلب على الكلمات الحزن وشعر الفقد لإنسان غادر الحياة وترك وراءه إرثا كبيرا.
وزير الثقافة علي العايد، نعى وزير الثقافة الأسبق الشاعر جريس سماوي، قائلا: “رحيل الشاعر سماوي يعد خسارة كبيرة للوطن، وخسارة للثقافة العربية التي كان أحد رموزها، لاسيما وأنه كان يعد علامة فارقة ليس في المشهد الشعري الأردني وحسب، إنما الثقافي والإعلامي العربي”.
وأشار العايد إلى إسهامات سماوي في بناء الوجدان الثقافي والوطني من خلال رؤيته الشعرية الوطنية والعروبية التي استقاها من ينابيع الأصالة والقيم الراسخة للإنسان الأردني المعطاء.
وقدم العايد، باسم وزارة الثقافة وكوادرها، العزاء لأسرة الفقيد، ولأسرة الثقافة الأردنية والعربية التي كان مخلصا لها ووفيا لرسالتها، سائلا المولى العلي القدير أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته، وأن يلهم أهله وذويه وأصدقاءه الصبر والسلوان.
مثقفون وكتاب ووزراء ثقافة سابقون عبروا عن حزنهم لفقدان قامة ثقافية ووطنية إنسانية رحلت قبل أوانها. وزير الثقافة الأسبق د.عادل الطويسي، قال لـ”الغد”: “بفقدان معالي المرحوم جريس سماوي، فقدت على المستوى الشخصي صديقاً عزيزاً ودوداً دمث الأخلاق، تشرفت بزمالته في وزارة الثقافة أميناً عاماً ومن ثم وزيراً، مبدعاً في أفكاره مرهفاً في أشعاره”.
وأضاف “أما على المستوى الوطني، ففقدنا مواطناً ومسؤولاً أخلص في كل المواقع التي تسلمها، وكان الأردن بالنسبة له نقطة ارتكاز العالم. وقد خسر الوطن العربي والعالم شاعراً مبدعاً خاض شعره في القيم والإنسانية، فبقدر ما كان فخوراً بديانته المسيحية، كان فخوراً كذلك بثقافته العربية الإسلامية؛ ولطالما تضمن شعره وخطاباته الاستشهاد بالآيات القرآنية في مناسبات عديدة”.
وتابع الطويسي “ستظل تذكرك يا صديقي مدرجات جرش وساحاتها، وسيظل صوتك الرخيم يتردد في جنبات قصور الأردن ومسارحه الثقافية، ونظل نذكرك يا صاحب الخلق الرفيع”.
وزير الثقافة الفلسطيني د.عاطف أبوسيف نعى سماوي، قائلا: “باسمي وباسم مثقفين وأدباء وكتاب فلسطين، أنعى الشاعر العزيز جريس سماوي، الذي آلمنا رحيله وفقده، وإذ نعزي أنفسنا بإرثه الإبداعي الذي أصله كنموذج للأجيال، وكذلك ما أصله من خلال سلوكه وأعماله كنموذج الإنسان العربي الأصيل سواء من خلال دوره وموقعه الرسمي الذي شغله من مهرجان جرش إلى وزارة الثقافة كأمين عام ومن ثم وزيرا للثقافة، إذ كان يحرص على تجسيد معالم الأخوة الفلسطينية الأردنية التي رسخها من خلال دوره الوطني والرسمي”.
وعبر الشاعر البحريني أحمد العجمي عن حزنه برحيل سماوي، قائلا “يا له من يوم مؤلم فتح بابه لريح معتمة سامة.. “زلة أخرى للحكمة”، عنوان الديوان للشاعر والمثقف والفنان جريس سماوي، الشاعر الذي حفر في السائد الذي يترصد للصوت المتحرر منه ويرمي به في الأخاديد والمنكسرات”.
وأضاف “في الفقد يمد كورونا أذرعه الخانقة ويغدر بالشاعر الجميل ليعمق قيعان القلق والحزن والحسرة في نفوس من عرف جريس عن قرب أو بعد.. السلام والطمأنينة لروحك أيها الشاعر والصبر الجميل لأهلك ومحبيك”.
رئيس رابطة الكتاب الأسبق أستاذ الفلسفة د.أحمد ماضي، كتب في تعليق له على صفحة “فيسبوك”، قائلا “لم أصدق نبأ رحيل الشاعر جريس سماوي، الذي تبع بوفاته، شقيقه الأصغر سليم، الذي توفي، قبل فترة زمنية وجيزة. إن فقده لمفاجأة مؤلمة لي، ذلك لأن صداقة حميمية جمعتنا معا”.
ويستذكر ماضي، قبل أن يدرس في أميركا، كان قد تخصص باللغة الإنجليزية وآدابها، والفلسفة أيضا، كان شاعرا مقلا في مجال النشر، إذ اكتفى بإصدار ديوان واحد بعنوان: “زلة أخرى للحكمة”، وقد كتب عنه الشاعر أحمد أبو ردن ما يلي: “قرأت هذا الديوان دفعة واحدة، ولم أستطع أن أنحيه جانبا حتى فرغت منه.. السلام على روحك، والسكينة لك، ولآل سماوي حسن العزاء، وطول البقاء. لن ننساك أيها الإنسان الرائع المحب للحياة”.
من لبنان، قال الشاعر والمترجم والكتاب إسكندر حبش في نص مهدى “إلى جريس سماوي”: بعنوان “مساءات بعيدة”:” هذه خطوتك الآن.. لتبحث بين الأسطر عن مساء يمكن لك أن تسكنه من جديد. أمامك وقت بعد، كي تبدد صوتك. لا شيء هنا سوى أيام تسائلك عن هذا الشعر الذي أضعته في ترحالك.. هذه خطواتك.. وقبل أن تجتاز هذه العبارة، ثمة أوراق متساقطة؛ لتعُد إلى مساءاتك البعيدة؛ حاول أن تنسى شكل المطر. شكل هذا الهواء الذي انحنيت لتتذكر صداقته. ثمة وقت طويل، كي تنسى أن “الحكمة” كانت صوتك”.
وأضاف حبش “حين غادرت، لم تسقط لغة، بل هي صور الزمن التي تراكمت في عينيك.. هذه خطواتك.. وهذا الوقت، جسدك غير المحدد، يبحث عن فضاء آخر، يعيد إليك ما تبدد.. قد يكون ظلك من يرحل الآن. وثمة مكان لفضاء كي يعيد هذا الوقت.. لا تتأخر إذًا، في العودة إلى هذا الفسيح الممتد. الكلمة أيضا، تنهض من مكانها، كي تصوغ احتمالات. وما كنا نعرفه أن القصيدة، ليست قياسا للظل، بل هي ليل ونهار.. هو صمت يحل.. هي وجوه جرّحها الانتظار. هم هؤلاء الذين كنا نحبهم”.
وعبر مدير عام الآداب والنشر بوزارة الثقافة الفلسطينية الشاعر السلام العطاري عن حزنه، قائلا “شكل حالة خاصة في المشهد الثقافي العربي والأردني من خلال حضوره الناعم الجميل في القصيدة العربية، وكان جريس سماوي الذي فاجأنا برحيله المبكر شاعرا صاحب تجربة مؤثرة في القصيدة العربية إذ لم يمنعه دوره الذي لعبه من خلال إدارته للعمل الثقافي الرسمي من بقاء دور الشاعر القريب من قاع البسطاء ومن بينهم وكان كثير الحضور إذا ما كتب ولم يكن يهتم بأرقام الإصدارات بقدر ما كان يعي أهمية الكتابة ومعنى أن تكون القصيدة لازمة الحضور وبوقتها، لذلك كانت قصيدته تحمل معاني الجمال الدنيوي وقدسية وطهارة السماء”.
وأضاف “جريس سماوي باختصار الشاعر الأنيق الذي عكس جمال خلقه وخلقته وابتسامته على قصيدته”.
وكتب الشاعر اللبناني عبر صفحته على “تويتر”؛ “فيروس “‫كورونا‬” يخطف الشاعر ووزير الثقافة الأسبق في الأردن‬ الصديق جريس سماوي‬، بعد أسابيع على رحيل شقيقه إثر إصابته بكورونا أيضاً.. وداعاً أيها العزيز الخلوق المُحِب المحبوب، وأحر العزاء لأسرتك ولأبناء ‫الفحيص‬ ولعموم الشعب الأردني”.
وعبر الفنان الأردني زهير النوباني عن حزنه وألمه بغياب سماوي وكتب صفحته على فيسبوك “أيها الإنسان الجميل المبدع الرهيف النبيل.. تعجز الكلمات ان تبوح بما يعتري النفس من ألم كبير ياصديقي.. رحلت باكرا.. هناك الكثير حلمنا به ولم ننجزه معا.. المسرحية التي تحدثنا بها بمناسبة مئوية الأردن لم تكتمل”. وتابع النوباني “لا نقول إلا رحمك الله وأسكنك فسيح جنانه وأصدق التعازي لأسرتك ومحبيك والأسرة الثقافية الأدبية الفنية الأردنية والعربية.. وأحسن عزاءهم وألهمهم جميل الصبر والسلوان.. تركت أثرا طيبا وجميلا في الحياة وفي قلوب الناس.. كنت محبا خلوقا دمثا وطنيا عاشقا للحياة والجمال والوطن.. أنتم السابقون ونحن اللاحقون.. وإنا لله وإنا اليه راجعون”.
والراحل جريس سماوي شغل منصب وزير الثقافة، وأمينا عاما لوزارة الثقافة ومديرا عاما لمهرجان جرش للثقافة والفنون، درس الأدب الإنجليزي والفلسفة وفن الاتصالات الإعلامية في أميركا، وكان عضوا في رابطة الكتاب الأردنيين والاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، وشغل عضوية عدد من اللجان والهيئات الثقافية والتطوعية الأردنية والعربية والعالمية، وعمل في التلفزيون الأردني وقدم مجموعة من البرامج.

عزيزة علي/ الغد

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة