تركيا تريد ترحيل مليون لاجئ سوري إلى شمال سورية

أعادت أجواء ما قبل الانتخابات والأزمة الاقتصادية الخطيرة التي عصفت بتركيا منذ أشهر خطاب الكراهية ضد الأجانب إلى الواجهة. هذا الخطاب يستهدف أربعة ملايين لاجئ سوري في البلاد. وقد اقترح الرئيس التركي “العودة الطوعية” لمليون لاجئ إلى مناطق شمال سورية التي تسيطر عليها أنقرة.

  • * *
    قبل بضعة أشهر، اقتحم نائب تركي محل مجوهرات على ساحل بحر إيجة ومعه كاميرا فيديو، وسأل صاحب المتجر عن أوراقه ورخصة عمله، وسجل المحادثة بأكملها من دون إذنه. وبعد فترة وجيزة، نشر النائب فيلم الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي وقدم فيه الصائغ بالطريقة الآتية: “قدِم إلى تركيا منذ سبع سنوات. لغته التركية محدودة. حصل على الجنسية، ولديه رخصة حمل سلاح. افتتح محلا للمجوهرات في إزمير بترخيص حصل عليه في أورفة. هناك 900 ألف سوري آخر مثله.. تركيا.. ألا تَعين الخطر؟
    اسم هذا النائب هو أوميت أوزداغ، وهو زعيم تشكيل قومي جديد يُدعى “حزب النصر”، الذي أطلق حملة واسعة النطاق على شبكات التواصل الاجتماعي تطالب بطرد حوالي أربعة ملايين لاجئ سوري كانت قد استقبلتهم تركيا. ومنذ أسابيع، ينشر حزبه مقاطع فيديو لم يتم التحقق منها، لمهاجرين يتحرشون بالنساء التركيات في الشوارع، وللاجئين يسخرون من العلم التركي. بل وقام حتى بنشر فيلم خيالي من نوع “الدستوبيا” ينذر بمستقبل بائس لتركيا، ويُظهر دولة منقسمة لغتها الرسمية هي العربية.
    رفض كبير للاجئين
    أعاد هذا الخطاب المعادي للأجانب والمنتشر على شبكات التواصل الاجتماعي الخوف إلى قلوب اللاجئين، الذين باتوا يخشون وقوع أحداث مماثلة لما حدث في الصيف الماضي في أنقرة، عندما قام حشد من القوميين الغاضبين بتخريب متاجر لسوريين، وحاولوا مهاجمة منازلهم بعد شجار قُتل خلاله شاب تركي.
    في الحقيقة، ليست هجمات “حزب النصر” فورة منعزلة لحزب شعبوي لا يحظى بتمثيل برلماني؛ إذ يستخدم حزب المعارضة الرئيسي -حزب الشعب الجمهوري الاشتراكي الديمقراطي- بدوره الرفض الشعبي للاجئين، كسلاح يستخدمه ضد الحكومة. وقد اقترح هذا الحزب مؤخرًا إجراء استفتاء شعبي لتقرير مصير اللاجئين، وأعلن أنه سيقوم بترحيل السوريين إلى بلادهم بمجرد فوزه في انتخابات 2023.
    يرى أيهان كايا، وهو باحث متخصص في موضوع الهجرة بجامعة بيلجي في إسطنبول، أن رفض اللاجئين يرجع جزئيا إلى الطريقة التي تواصلت بها الحكومة -بقيادة حزب العدالة والتنمية- حول موضوع استقبالهم: “منذ بداية وصول السوريين الهائل في العام 2015، أنتج حزب العدالة والتنمية خطابًا دينيًا لتبرير استقبال اللاجئين السوريين. ما دفع المجتمع التركي إلى قبول السوريين كإخوة مسلمين، ولكن على أساس أن حضورهم مؤقت، وليس على أساس حقهم في اللجوء. وقد بدأت المشاكل عندما تجاوزت هذه الفترة الزمنية قدرة السكان على التحمّل. واليوم، لم يعد الخطاب الذي يقدم السوريين كضيوف يعني شيئًا”.
    وتؤكد الإحصائيات ذلك. فحسب معهد “ميتروبول”، وهو معهد استطلاعات الرأي الأكثر شهرة في البلاد، فإن 82 في المائة من الأتراك يرغبون في عودة اللاجئين والمهاجرين إلى بلدانهم الأصلية. وترتفع هذه النسبة إلى 85 في المائة في صفوف ناخبي حزب العدالة والتنمية.
    عودة “طوعية” أم إعادة توطين؟
    في هذا السياق، أكد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في بادئ الأمر، أن بإمكان السوريين “العودة إلى وطنهم متى شاؤوا”، لكن تركيا “لن تجبرهم أبدا على مغادرة أراضيها”. وبعد فترة وجيزة، راجع الرئيس التركي تصريحاته، وأعلن عن خطة “عودة طوعية” إلى شمال سورية ستشمل مليون سوري. ويشمل هذا المشروع بناء مساكن وخدمات في المناطق التي تسيطر عليها تركيا. وقد أوضح أردوغان بعض تفاصيل هذه الخطة، مثل عدد المنازل المخطط لها، وأن 500 ألف سوري قد عادوا بالفعل إلى بلادهم في السنوات الأخيرة، إلا أنه ترك تفاصيل أخرى من دون جواب شافٍ. ولا يُعرف إلى الآن كيف سيتم تنفيذ هذه المبادرة، ومن سيدير صيانة هذه المواقع أو ما إذا كانت ستحصل على دعم السلطات الأوروبية.
    حسب أيهان كايا، فإننا لا نتحدث هنا عن “عودة طوعية” بل عن إعادة توطين، إذ “لم تتم استشارة الجهات الفاعلة في الدولة السورية. وما تقترحه تركيا هو في الواقع نوع من إعادة توطين في مكان آخر، في هذه الحالة سورية، تحت سيطرة قوات الأمن التركية”. ومن ناحية أخرى، لم يتم توضيح نوع سوق العمل الذي سيكون متوفرا في هذه الأماكن.
    ألقى عقد من الحرب بثقله على الاقتصاد السوري، ويخشى العديد من الشباب العودة إلى ديارهم خوفا من اعتراضهم من قبل قوات بشار الأسد. ولا يعتقد كايا بأن فكرة الانتقال إلى شمال سورية تستهوي عددًا كبيرًا من اللاجئين في تركيا. “وحدهم أفقر الناس في تركيا مستعدون لذلك. وبهذا تقدم الدولة التركية خيارًا لأولئك الذين يعيشون في وضع أكثر هشاشة. ولكن لكي تكون هذه العودة آمنة ومستدامة، يُفترض استخدام القنوات الدبلوماسية بالتعاون مع المؤسسات الدولية”.
    تتساءل ديدم دانيس هي الأخرى، وهي عالمة اجتماع ومؤسسة لجمعية الأبحاث حول الهجرة، عما إذا كان اللاجئون السوريون يرغبون حقا في الاستقرار في مناطق بشمال سورية مثل عزاز أو الباب أو تل الأبيض، خاصة وأنها ليست مسقط رأسهم: “ستتم إعادة توطين السكان السابقين لحلب أو حمص في شمال البلاد. وستفتح القوانين الجديدة سؤالاً آخر حول اندماجهم في هذه الأماكن”. ومن ناحية أخرى، فإن العديد من هؤلاء اللاجئين يعيشون في تركيا منذ ست أو سبع سنوات، وحوالي 40 في المائة منهم قاصرون وحوالي 500 ألف وُلدوا في تركيا. وتتساءل ديدم: “لقد أمضى هؤلاء جزءًا كبيرًا من حياتهم في تركيا، فكيف لهم أن يستقروا في بلد لا يعرفونه على الأرجح؟ الكثير من هؤلاء الأطفال يعرفون تركيا أفضل من معرفتهم سورية”.
    أزمات عديدة تقوض الاندماج
    يأتي الجدل حول إدارة الهجرة وخطاب كراهية الأجانب على خلفية تضخم حاد في تركيا بنسبة 70 في المائة، والذي أثر على القدرة الشرائية للأسر التركية، حتى بات من الشائع أن تسمع في الشارع شكاوى حول استقبال اللاجئين في علاقة بالأزمة الاقتصادية الحالية. ويُزعم أن هؤلاء اللاجئين تلقّوا مساعدات حكومية، وأنهم أخذوا وظائف على حساب السكان المحليين، وأن المستشفيات والمدارس اكتظت بسببهم. ولكن في الحقيقة، من أصل حوالي مليوني سوري في سن العمل، بالكاد يحمل 200 ألف منهم تصريح عمل. أما الباقون، فهم مُجبرون على العمل في القطاع غير الرسمي، حيث يتعرضون للاستغلال ويتلقون أجوراً تقل عن الحد الأدنى للأجر التركي، والذي يبلغ حاليا 4.250 ليرة تركية.
    في العام 2016، تبنت الحكومة التركية قوانين جديدة تسمح للسوريين بالحصول على تصاريح عمل، شريطة أن يتقدم أرباب العمل بطلب للحصول عليها، ودفع رسوم ترفض العديد من الشركات تقديمها. ووفق ديدم دانيس، فقد خلقت هذه القوانين الجديدة حالة توتر مع السكان المحليين، إذ يتهم هؤلاء السوريين بالمنافسة غير العادلة في سوق العمل: “إن أداتنا التنافسية في السوق العالمية هي العمالة الرخيصة. وبسبب التضخم، لم يعد بوسع العديد من الأتراك العيش على الأجور الحالية، بينما تُضطر القوى العاملة السورية إلى قبول ظروف عمل سيئة”. وتضيف: “إن إمكانية استبدال عامل تركي محمي بموجب قانون العمل بعمالة رخيصة يشكل فرصة عظيمة بالنسبة لأرباب العمل”.
    كما تم انتقاد إجراء حكومي آخر بسبب غموضه، وهو منح الجنسية التركية لبعض اللاجئين السوريين. إذ أعلنت السلطات عن منح الجنسية التركية لنحو 200 ألف سوري، لكنها لم تحدد معايير اختيار هؤلاء، ما تسبب في إضفاء نوع من الغموض على هذه المبادرة.
    الاتحاد الأوروبي يتبرأ
    تتجاهل الحكومة الانتقادات، بل وتُوجه أصابع الاتهام إلى المؤسسات الأوروبية، حيث طالبت في مناسبات عدة بتجديد شروط الاتفاقية الموقعة في العام 2016 التي تم تعليقها بسبب بالوباء، والتي يُفترض بموجبها إعادة جميع المهاجرين غير الشرعيين القادمين إلى الجزر اليونانية من تركيا إلى الأراضي التركية. كما يتعين على الاتحاد الأوروبي بمقتضى الاتفاقية نفسها إعادة توطين عدد مماثل من اللاجئين السوريين المتواجدين في تركيا. لم يتم احترام الاتفاقية، ولم يقم الاتحاد الأوروبي إلا بإعادة توطين 28 ألف سوري فقط. يشك الخبراء في الوقت الحالي في كون بروكسل مهتمة بمناقشة هذا الاتفاق مع أنقرة. يقول كايا: “هذه الاتفاقية تتجاوز اللاجئين السوريين، فهي تتضمن فقرات حول تسهيل التأشيرات للأتراك، وتحديث الاتحاد الجمركي، وتطبيع العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي. لكني لا أعتقد أن الاتحاد الأوروبي مهتم بهذه الأمور في السياق الحالي”.

*مراسلة صحفية في إسطنبول. ترجمت المقال من الفرنسية سارة قريرة.

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة