تعدد المترشحين لـ”رئاسة النواب”.. تنافس حيوي أم افتراق؟

لا يختلف اثنان على أن الحراك الدائر حاليا في أروقة وغرف مجلس النواب وبيوت النواب حول انتخاب رئيس للمجلس المقبل، هو مشهد غني ومفتوح على احتمالات متنوعة.
فمن جهة، قد يقرأ تعدد المترشحين المتنافسين على الرئاسة، كدليل على الحيوية واتساع دائرة الطموح السياسي لمن يحلمون بالرئاسة تحت القبة، ومن جهة أخرى، قد ينظر إليه باعتباره مصدر قلق، يؤرق الشارع الذي اعتاد على لمس حيوية المنافسة مع بداية مثل هذا الماراثون، والتي سرعان ما تتحول لتشظٍ وفقدان للبوصلة.
وفي النهاية، سنحصل على رئيس بـ”التزكية”، أو منافس لا يمتلك كثيرا من المؤيدين، فيكون القرار بعيدا عن كل ما كان يقال في الحراك، يطبخ في مطارح بعيدة عن غرف المجلس، وذاك بطبيعة الحال ينعكس على صورة المجلس، ما يضعف رصيده الشعبي- الضعيف أصلا- ويعيدنا لمربع الثقة واستعادتها.
القصة ليست بتعدد المترشحين، بل بطريقة إدارة الأمور في نهاية المطاف. فهل سينتهي كل ما يجري بانتخاب مؤسسي واضح المعالم، يعزز ثقة الناس بمن انتخبوهم؟ أم أننا سنشهد مجددا انسحابات مفاجئة و”دخانًا أبيض” يخرج من مداخن الكواليس المغلقة، ليغذي قناعة راسخة لدى الناخبين، بأن المجلس غارق في صراعاته على مواقع ومناصب، بعيدا عن حسبة الملفات الملحّة، كالفقر والبطالة والصحة والتعليم والمخدرات، والتهديدات الصهيونية وغيرها.
حيوية أم إعاقة للحركة؟
حتى الآن، تتردد أسماء 6، بعضهم أعلن عن ترشحه رسميا، وآخرون ينوون الترشح، ويعملون على ذلك دون إعلان، لا سيما وأنه لا يوجد في النظام الداخلي للمجلس، ما يلزم أحدا بالإعلان رسميا عن ترشحه للموقع، ويجري الترشح أثناء سير الجلسة الافتتاحية للمجلس، وليس قبل ذلك.
ومن بين من تتردد أسماؤهم في هذا الحراك: رئيس المجلس الحالي أحمد الصفدي، الذي لم يصرح رسميا بنيته للترشح، ولكنه يعمل على ذلك بشكل كثيف، ويؤكد لمقربين منه ولنواب أيضا، نيته الترشح والمنافسة، والأمر ينطبق على رئيس كتلة إرادة والوطني الإسلامي النائب خميس عطية، الذي أعلن حزب إرادة الذي ينتمي إليه، تشكيل لجنة للحوار مع الكتل حول المكتب، إذ يرغب الحزب بترشيح أحد أعضائه للرئاسة، وعندما سئل النائب حسين العموش أحد أعضاء اللجنة المشكلة عن مترشح الحزب للموقع، قال إنه النائب عطية، والذي كان طوال الدورة الماضية وحتى اليوم، رئيسا لكتلة إرادة والوطني الإسلامي، كما أن عطية نفسه يعقد لقاءات ويجتمع بنواب بهذا الخصوص.
أما من أعلنوا نيتهم للترشح، فهم: النائب الأول لرئيس المجلس مصطفى الخصاونة، إذ أعلن حزب تقدم الذي ينتمي إليه، ترشحه، ومذاك وهو يعمل على الأمر، ويعقد لقاءات واجتماعات للحصول على الدعم، كما أعلن النائب علي الخلايلة الذي ينتمي لنفس الكتلة والحزب الذي ينتمي إليه الرئيس الصفدي، ترشحه، بينما لا يترك مناسبة إلا ويعلن فيها عن ذلك، ومن الكتلة والحزب ذاته، أعلن النائب مجحم الصقور نيته الترشح وفق نص بيان أصدره، ما يضع “الميثاق” تحت المجهر، لاسيما وأن الصفدي والصقور والخلايلة ينتمون للحزب ذاته، وليس هذا حسب بل يوجد أيضا في الحزب من يرغب بالموقع مثل النواب: مازن القاضي ونصار القيسي وإبراهيم الطراونة.
بعيدا عن “الميثاق” أعلن رئيس اللجنة القانونية الحالي النائب مصطفى العماوي، نيته للترشح للرئاسة، معتمدا بذلك على قدرته بحشد مؤيديه وداعميه.
وفي هذا النطاق، فلكل نائب ممن ذكروا رصيد وتجربة، لكن اجتماعهم في مضمار واحد دون اصطفافات واضحة، يحوّل المشهد من تنافس طبيعي إلى إعاقة فعلية لحركة المجلس، فالكتل النيابية تجد نفسها ممزقة بين التزامات متعددة، والنواب موزعون على أكثر من طاولة، فلا يُنتَج موقف واضح ولا يُقدّم برنامج سياسي، وكأن المشهد أقرب لـ”مزاد” متداخل، بدل أن يكون انتخابات محسومة على أسس مؤسسية.
متى يخرج الدخان الأبيض؟
وهنا، كلما ارتفعت وتيرة التنافس، زاد خطر انتهاء الأمر بـ”انسحابات مفاجئة” قبيل لحظة الحسم بأيام عن موعد افتتاح الدورة العادية الثانية في مستهل تشرين الأول (أكتوبر)، والذي يتوقع إرجاء افتتاحها لأيام محدودة فقط، ويعرف الحسم بخروج الدخان الأبيض ليحمل اسم المترشح المفضل للرئاسة في المرحلة المقبلة.
هذه اللحظة التي يُطلق عليها في الكواليس “الدخان الأبيض”، لا تُقرأ شعبيًا كـ”توافق نيابي”، بل كدليل على أن ما جرى لم يكن منافسة نزيهة على أساس برامجي، بل هي نوع من تسويات شخصية وصفقات لحظية، والنتيجة تآكل الثقة الشعبية، فالناس يرون في المشهد لعبة مغلقة لا يشاركون فيها، بل يتفرجون عليها من بعيد، وليس للنواب دور فيها.
كتل وأحزاب تحت الامتحان
الكتل النيابية أمام اختبار مصيري، فإما أن تُظهر انضباطًا سياسيًا وتصوتا ككتلة موحدة، أو أن تنهار في أول امتحان حقيقي، لتؤكد مجددًا أنها مجرد تجمعات فضفاضة، فإذا التزمت الكتل ببرامجها ومواقفها، سيُسجل للمجلس أنه خطا خطوة نحو العمل المؤسسي الحزبي. أما إذا بقيت متشرذمة، فسترسخ قناعة الشارع بأننا أمام مجلس “أشخاص” لا مجلس “برامج”، وأن فكرة الكتل ما هي إلا قشرة شكلية بلا مضمون.
فالمشهد الحالي بهذا الشكل، سيوجه ضربة موجعة لأحد أبرز أهداف مشروع التحديث السياسي، إذ إن هدف المشروع كان هدفه تحويل البرلمان لمنصة حزبية برامجيّة، فبدل أن تكون معركة الرئاسة مواجهة بين كتل حزبية بأجندات واضحة، نجد أنفسنا أمام منافسة فردية، يغيب عنها الوزن الحزبي كليًا.
خلط أوراق
أما ما يزيد من إمكانية تعقيد المشهد الحالي، هو احتمالية ظهور أسماء جديدة أو أوراق بديلة في اللحظات الأخيرة، فهذا الأمر تجعل عملية انتخاب الرئيس غير متوقعة، وقد تضيف عنصر إثارة داخل المجلس، لكنها تزيد ارتباك الشارع، فظهور أسماء جديدة يشير إلى غياب التخطيط المسبق والانسجام المؤسسي بين الكتل، فالمواطن لا ينشغل بالتفاصيل التقنية للانتخابات، لكنه يلتقط الجوهر: هل مجلسه قادر على إدارة شؤونه بجدية ومسؤولية؟ أم أنه يعتمد على تدخلات خارجية لفعل ذلك.
في المجمل؛ فإن رفع الثقة بالمجلس يحصل عبر تنظيم التنافس بشفافية وحضارية، وأن يشعر الناس بأن البرلمان يحترم ذاته ويحترم ناخبيه، لا أن يكرر مشهدًا مملًا يفضي لاسم محسوم بتفاهمات سرية، والمطلوب ليس إضعاف الثقة، بل إعادة بنائها، وإثبات أن المجلس قادر على أن يكون بيت الشعب حقًا، لا مجرد ساحة تنافس شخصي.
جهاد المنسي/ الغد