تكاليف العزاء والأفراح وارتفاع الطلاق…// الدكتور متري شبلي الزريقات

في قلب المجتمع الأردني تتكشف اليوم ضغوط اجتماعية واقتصادية متراكمة، لم تعد مجرد أرقام أو ظواهر عابرة، بل أصبحت تهدد استقرار الأسرة وتشكل تحديًا مباشرًا أمام تماسك المجتمع. لقد كانت مناسبات العزاء والأفراح في الماضي رموزًا للتضامن و التكافل والفرح المشترك، تعكس عمق الروابط الإنسانية ، إلا أن الواقع اليوم يظهر صورة مغايرة، حيث تحولت هذه المناسبات في كثير من الحالات إلى عبء نفسي ومالي يثقل كاهل الأسر.

العزاء، الذي لطالما جسد روح المواساة والتضامن بين الناس، أصبح في السنوات الأخيرة مقياسًا اجتماعيًا لمكانة الأسرة، وهو ما يفرض عليها التزامات مالية كبيرة، من الولائم الطويلة و إقامة الخيام المتعددة والخدمات المكلفة، وصولًا إلى الاستدانة أحيانًا لتلبية توقعات المجتمع. وما كان يقصد به التعبير عن التعاطف أصبح اختبارًا للقدرة المالية، مضيفًا عبئًا مزدوجًا على من فقد أحبته.

الأفراح لم تختلف كثيرًا، فقد ارتفعت تكاليف حفلات الزفاف وتجهيز المنزل والمهور إلى مستويات تتجاوز قدرة الشباب على التحمل. وغدت ليلة العمر مناسبة للعرض الاجتماعي أكثر من كونها بداية حياة مستقرة، فتتحول البهجة إلى ضغط نفسي ومالي يرافق الزوجين منذ البداية، ويترك أثره المباشر على متانة الحياة الزوجية و لاحقا لخلق المشاكل الأسرية و قد تؤدي في حالات إلى الطلاق .

إن هذه الضغوط الاقتصادية والاجتماعية تتقاطع بوضوح مع ارتفاع نسب الطلاق، خصوصًا في السنوات الأولى من الزواج، إذ تضعف قدرة الزوجين على التفاهم والتكيف مع متطلبات الحياة المشتركة. ويؤكد الخبراء أن الضغوط المالية والتوقعات غير الواقعية والتدخلات الاجتماعية الزائدة، بالإضافة إلى ضعف الحوار الأسري، كلها عوامل ساهمت في ارتفاع معدلات الطلاق، ما يعكس هشاشة النسيج الاجتماعي وضرورة العمل على معالجة هذه الظواهر بشكل شامل.

الحد من هذه الأعباء لا يقتصر على القوانين أو الإجراءات الرسمية، بل يبدأ بالوعي المجتمعي، وضرورة إعادة النظر في الممارسات الاجتماعية بحيث تستعيد البساطة قيمتها الحقيقية. فالمعنى الأساسي للعزاء والفرح يجب أن يرتكز على التضامن والمواساة والفرح الصادق، لا على التباهي بالمظاهر أو القدرة المالية. كما أن التوعية الزوجية قبل الزواج، وتثقيف الشباب نفسيًا وماديًا، يمثلان حجر الزاوية في بناء أسر مستقرة، إلى جانب دور الإعلام والمؤسسات الدينية والثقافية والمجتمع المدني في تعزيز قيم الحوار والتفاهم والتكافل.

إن تكاليف العزاء والأفراح وارتفاع نسب الطلاق ليست مجرد انعكاس لضغوط عابرة، بل مؤشرات حقيقية على تحديات اجتماعية و اقتصاديه مستمرة تهدد استقرار الأسرة الأردنية. والتغيير يبدأ من وعي المجتمع، ويكتمل بتكاتف الأسرة والمؤسسات الرسمية والمجتمع المدني لتخفيف هذه الضغوط، واستعادة التوازن الاجتماعي، وضمان حياة أسرية مستقرة للأجيال القادمة، تعكس الروح الإنسانية الحقيقية وراء كل مناسبة، وتحافظ على النسيج الاجتماعي الذي يميز المجتمع الأردني.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة