تونس بين ثورة الياسمين، وأشواك المتآمرين// نايف المصاروه.

=

 

بعد مرور نحو عشرة سنوات تقريبا ، على انطلاقة ثورة الياسمين التونسية، ومن ينسى إذا الشعب اراد الحياة، فلا بد ان يستجيب القدر.
ومن ينسى ذلك القائل… لقد هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية!
وما لحق بها من ثورات الربيع العربي وما آلت اليه نتائجها السلبية، بعد أن حرفت البوصلة عن إتجاه التغيير الوطني والحقيقي ، بسبب جهل او قصد الأغلبية، التي تزعمت تلك الحراكات والثورات الشعبية، بخبث ومكائد المخططين ، وكثرة التدخلات من هنا وهناك، فتغيرت الافكار وتبدلت ، وتحول الربيع الى صيف لاهب، والتي لا زلنا نعاني من تبعاتها  إلى يومنا هذا؟
فالشعب أراد ولا يزال يريد التغيير في سوريا والعراق واليمن وليبيا، والنتيجة دمار وخراب،والواقع يكشف الاسباب والمسببين!
والشعب السوداني خرج للميادين أراد ولا يزال يريد  التغيير والإصلاح ، فكان العنوان الأبرز لتحقيق  تلك المطالبات تطبيع مع إسرائيل، وبعد  مضي نحو عامين على ثورة التغيير ، وتجددها  مرة أخرى.
أسال المنصفين من اهل السودان ، أيهما أفضل للحالة السودانية إقتصاديا وأمنيا وإجتماعيا،  قبل الثورة الأخيرة أم ما بعدها؟

على الساحة الجزائرية والتونسية، وبالرغم من إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في كل منهما مؤخرا  ، إلا أن الإحتجاجات عادت  الى الشوارع في الجزائر مجددا ، وتلوح في الأفق وتتكرر حالة إحتقان سياسي مع المغرب، وصل الى حد الحشد العسكري على الحدود!

وفي تونس أيضا تولدت حالة من الجدل وعدم الإستقرار  السياسي، والتي أعقبت فوز راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة، برئاسة البرلمان، بعد تحالفه مع  حزبي قلب تونس وائتلاف الكرامة .
بعد موجة حمى التطبيع العربي مع العدو الصهيوني، ومنذ نحو عامين  تقريبا، توافق الموقف السياسي والشعبي في الجزائر وتونس، على مقاطعة اسرائيل ورفض التطبيع معها، والدعوة الى قوننة ذلك ليكون تشريعا يصعب اختراقه.

وبإعتقادي ايضا أن موقفا أخر لم يعجب رعاة ودعاة التطبيع ، هو رفض كل من  الجزائر وتونس وتوافقهما ، على حد سواء، على عدم  السماح للطيران التجاري  الاسرائيلي، التحليق في مجاليهما الجوي.

وقد أعلنت اسرائيل رسميا بعد ذلك ، عن صعوبة تواجهها حركة النقل الجوي، من فلسطين الى المغرب، بسبب بعد المسافة، وما يترتب على ذلك من إرتفاع في إجور النقل والشحن.
برأيي أن زيادة الاحتقان الشعبي والسياسي في الجزائر وتونس، يقف خلفها ويدفع بها وربما لها، بعض الأيدي والجهات الخارجية، التي تدعم وتسعى للتوسيع دائرة التطبيع الصهيوني مع كل العالم العربي، كاللوبي الصهيوني الخبيث، وبعض الجاهلين من الأعراب، تلك الجهات التي تعد بالرضى والرضوان، وبالسمن والعسل لمن يوافق على التطبيع، والسودان مثالا!
وبالويل والثبور لمن يعارض ذلك، والحالة الجزائرية والتونسية مثالا على ذلك .

ومن يتابع  زيادة وتيرة  الاحداث في البلدين وفي  تونس بالذات ، يجد ان زيادة حدة المعارضة داخل البرلمان التونسي، على وجود  حزب النهضة بالذات في الحياة السياسة ، من قبل بعض النواب  وعلى راسهم   النائب عبير موسى، وإتهامها لحزب النهضة ووللغنوشي بمحاولات أخونة او اسلمة تونس بحسب قولها !
وقد فشلت عدة محاولات لإسقاط الغنوشي برلمانيا، الأمر الذي لم يعجب المعارضين له، ولم يسلموا بالعمل السياسي الوطني، فلجأوا الى المزيد من الإستفزازات والصدامات والملاسنات، التي وصلت إلى حد تكرار  الإعتداء بالضرب بين بعض النواب خارج وداخل  البرلمان.
ومناكفات حكومية وبرلمانية، أدت الى خلل إقتصادي، وضعف في مواجهة تداعيات جائحة كورونا، مما أوقع القطاع الطبي في خانة العجز والإستسلام،أمام شدة ووطأة جائحة كورونا، وقد أدى ذلك  الى وفاة  العشرات والمئات من القتلى يوميا، ومثلهم واكثر من المصابين، بعد ان كانت تونس من الدول التي صنفت على القائمة الخضراء، والاكثر أمنا وسلامة في بدايات مواجهة الجائحة.
إستمرار لعبة شد الحبل، وكثرة  التحشيدات الشعبية، والجدل السياسي على الساحة التونسية، والتي القت بضلالها على كل القطاعات.
كل ذلك أدى مؤخرا، إلى جملة القرارات التي إتخذها الرئيس التونسي  قيس بن سعيد وهو الفقيه القانوني والدستوري ، والتي تمثلت بإقالة رئيس الحكومة ووزراء الدفاع والداخلية والعدل ،وتجميد اعمال البرلمان، ورفع الحصانة عن النواب لمحاكمة بعضهم أمام القضاء، وإعلانه عن رئاسة النيابة العامة بذاته ، وزاد عليها بمنع التجمعات لأكثر من ثلاثة اشخاص في الأماكن العامة، وتمديد حالة الطوارئ.
تلك الإجراءات والقرارات ، بررها الرئيس سعيد، ” بأن “العديد من  المرافق العمومية تتهاوى ورصد عمليات حرق ونهب، وهناك من يستعد لدفع الأموال في بعض الأحياء للاقتتال الداخلي”، نافيا وجود أي نية لديه للانقلاب على الدستور والشرعية في البلاد.
هذه الخطوة اعتبرها كثيرون بضربة المعلم لإنقاذ البلاد من الإنزلاق نحو الهاوية.
وقال بعضهم ”إن الرئيس التونسي له حق تجميد البرلمان التونسي، وفقا لنص المادة 80 من الدستور التونسي، عندما يشعر بان الامن القومي، و مجريات الأمور بالبلاد تقع تحت تهديد او خطر داهم يهدد الكيان التونسي .

فيما يرى البعض اكثر من ذلك ” بأن الدستور التونسي يسمح للرئيس، ليس فقط بتجميد البرلمان التونسي لمدة زمنية محددة، بل يجوز له حل البرلمان و الدعوة الي انتخابات جديدة، علي غرار الدستور الفرنسي، الذي يعتبر مصدرا تشريعيا لجملة القوانين بتونس، باعتبارها كانت تقع تحت الاحتلال الفرنسي.

قرارات سعيد لم تجد قبولا لدى بعض أعضاء الطبقة السياسية التونسية ، إذ سرعان ما اعتبرها رئيس البرلمان راشد الغنوشي انقلابا على الدستور والثورة.
كما عبر الائتلاف الحاكم، النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة، عن تأييده لموقف الغنوشي، داعيا التونسيين إلى الخروج للشوارع للدفاع عن الثورة.

وكذلك عبرت بعض أحزاب المعارضة، والتي يؤيد أغلبها الرئيس قيس سعيد، كخزب التيار الوطني، الذي أعلن عن رفضه “للقراءة” التي اعتمدها الرئيس سعيد، للفصل 80 من الدستور ، وقال إنه “يختلف مع تأويل رئيس الجمهورية، ويرفض ما ترتب عليه، من قرارات وإجراءات خارج الدستور”.

وهو ما ذهب إليه أيضا حزب التكتل الديمقراطي،
فيما  قال الحزب الجمهوري  إن قرارات الرئيس  “تعد خروجا عن النص الدستوري وانقلابا صريحا عليه، وإعلانا عن العودة إلى الحكم الفردي المطلق وحنثا باليمين.

ولكن إتحاد الشغل التونسي، الذي حافظ على علاقة ودية مع الرئيس  سعيد، طالب الرئيس بتقديم ضمانات دستورية مقابل التدابير الاستثنائية التي أعلنها ، وعدم التوسع فيها.
الحالة الجزائرية والتونسية تزداد تعقيدا، وكان من الواجب تدخل الإتحاد الإفريقي، لوضع حلول وتقديم اقتراحات، تسهم في إيجاد مخرج لأزمتيهما ، وتقريب وجهات النظر بين اطراف الخلاف، بدلا من إعلانه ” اي الإتحاد الإفريقي ” عن تسمية إسرائيل كعضو مراقب في الإتحاد ” ، دون موافقة غالبية الدول الأعضاء والتي من بينهما تونس والجزائر.
سؤالي الى كل الدول  العربية والإسلامية الأعضاء في الإتحاد الإفريقي، والى شعوبها بشكل خاص، لماذا وفي هذا الوقت بالذات تمنح اسرائيل المحتلة صفة عضو مراقب؟
وهل ستراقب اسرائيل سلوكياتها الإجرامية والإستفزازية ، في فلسطين وفي آسيا وتضع حدا لها، قبل أن تكون عضو مراقب في الإتحاد الإفريقي؟

وهل لهذه الصفة علاقة، بالمد أو المزيد من التمدد الصهيوني في القارة الإفريقية، بعد دعوتها للفصل بين إثيوبيا ومصر والسودان في قضية سد النهضة، التي ساهمت إسرائيل ذاتها في تمويل إنشاءه منذ عدة سنوات ؟
في حقيقة الأمر أضع يدي على قلبي خوفا على الجزائر وتونس بالذات، آخر قلاع الصمود والمنعة في عالمنا العربي، وأدعو الله سبحانه، أن يلهم الشعب التونسي، في هذه المرحلة من التاريخ التونسي، الى الوعي واليقظة أكثر من أي وقت مضى، لتفويت الفرصة على العابثين بأمنه وإستقراره، والمتآمرين على سيادته واستقلاله.

وختاما.. نداء إلى جامعة الدول العربية، ما يجري في تونس بالذات، أمر يحتاج الى تدخل جراحي عاجل، لمعالجة بعض القروح والدمامل السياسية، التي إن بقيت على المسكنات والتحسيس والتمليس، حتما ستجر البلاد الى نكبة تلوح إشاراتها في الإفق، ومن يملك الحس الأمني وبعد النظر السياسي الوطني، يدرك ان التحزب مع المعارضة، ضد الرئيس الشرعي المنتخب، وما ظهر في الشوارع من صور وممارسات وتحشيد، والإعتداء على رجال الشرطة، هي إشارات تنذر بوضع خطير لا قدر الله .

وهنا أدعوا وأنادي كل الأحرار والغيورين من الشعب التونسي ،الى ضرورة التكاتف والتعاضد لحماية تونس من فتنة للتنازع والإقتتال، التي قد تجر البلاد الى الإنفلات الامني، وبالتالي تكرار المشهد العربي، في كثير من الأقطار التي كانت شعوبها تنادي بالتغيير والإصلاح، وأصبحت اليوم تعيش تحت وطأة الإحتراب والإقتتال ، وتبا لكل السياسة وساستها ومناصبها، إذا انتهك عرض الوطن، وتعرض أمنه للإضطراب والفوضى.
فاحذروا ثم احذروا ثم احذروا!
اللهم احفظ تونس أرضها وسماءها وشعبها من كل فتنة وبلاء.
اللهم إجمعهم على الحق والنور، واكتب لهم السلامة والأمن في كل حين.

 

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة