جرش.. الشتاء يفضح معاناة 320 أسرة تنتظر قرار التفويض منذ عقود

جرش – تعيش مئات الأسر في محافظة جرش، خاصة في القرى والبلدات التابعة لبلدية النسيم، فصلا شتويا متجددا من المعاناة المضاعفة، حيث يواجهون صعوبة بالغة في الوصول إلى منازلهم ويُحرمون من أبسط الخدمات الأساسية، كالماء والكهرباء والطرق المعبدة، كونهم يقيمون في منازل مقامة على أراضٍ حرجية.
320 أسرة ما تزال تعاني من هذه المشكلة المزمنة التي تمتد جذورها لعشرات السنين رغم الوعود الحكومية المتكررة بحلها وتفويض الأراضي التي لم تتحقق بعد.
طرق موحلة ومنازل بلا خدمات
يؤكد المواطن محمد الرحيمي أن معاناتهم تتفاقم مع دخول فصل الشتاء، حيث يصبح الوصول إلى منازلهم أمرا شاقا بسبب غياب الطرق والأرصفة.
ويشير إلى أنهم يقطنون هذه المنازل المقامة على الأراضي الحرجية منذ عشرات السنين، ولكن كونها خارج التنظيم، فهم محرومون من الخدمات الرئيسة.
يقول الرحيمي: “نحن غير مشمولين بالخدمات الرئيسة، وهذا يزيد من معاناتنا في فصل الشتاء لصعوبة الوصول إلى منازلنا والتعطل المستمر في شبكة الكهرباء التي نشغلها بطرق بدائية”.
ويطالب السكان بتسريع قرار رئاسة الوزراء الخاص بتفويض الأراضي التي يعتدون عليها، وهو وعد ينتظرونه لأكثر من 15 عاما، فقرار التفويض، بحسبهم، هو الحل لتنظيم قطع الأراضي وتزويدهم بالخدمات الأساسية.
من جانبه، يقوم المواطن أمجد الزبون برصف الطريق الزراعي المؤدي إلى منزله بالحجارة والحصى في بداية كل شتاء، حيث إن الطريق الذي يخدمه ويخدم العشرات من السكان لم يُعبد منذ سنوات.
وقد قام السكان بفتح الطريق على نفقتهم الخاصة، لكنه يتحول إلى برك ومستنقعات مائية في الشتاء، مما يلحق أضرارا كبيرة بمركباتهم ويعيق وصول الطلاب والموظفين إلى أعمالهم.
ويبين عدد من السكان أنهم يتعرضون للاستغلال من أصحاب الصهاريج الخاصة التي تحدد أثمان المياه وفقا لأهوائهم، خاصة وأنهم يعرفون أن السكان يقطنون منازل خارج التنظيم وغير مشتركين بشبكة المياه منذ عشرات السنين، ولا يتوفر لديهم أي خيار آخر سوى شراء المياه من الصهاريج بتكلفة لا تقل عن 60 دينار شهريا، مضيفين أن غالبية الأسر غير قادرة على شراء المياه من الصهاريج الخاصة مما يضطرهم إلى ارتياد العيون والينابيع الخاصة غير الصالحة للشرب أصلا، ولا يستطيعون الحصول إلا على عدة جالونات للمستلزمات الضرورية للأسر.
وبين الحراحشة أن 60 أسرة من سكان المشيرفة يقطنون خارج التنظيم وهم محرومون من خدمة مياه الشرب مما يضطرهم إلى شراء الصهاريج أو ارتياد عيون المياه والينابيع لتغطية احتياجاتهم اليومية على الرغم من عدم صلاحيتها للشرب أصلا.
أخطار صحية وتكاليف
معيشية باهظة
تضيف الناشطة أنيسة الحراحشة أن صعوبة وصول كوادر البلدية لجمع النفايات بسبب الطرق غير المعبدة يزيد من متاعب المواطنين، مما يضطرهم إلى حمل ونقل النفايات بمركباتهم الخاصة إلى الحاويات لمنع تشكل مكاره صحية وانتشار الأمراض والأوبئة.
وتناشد الحراحشة بتسريع إجراءات تفويض الأراضي، مؤكدة أن السكان محرومون من أبسط الحقوق والخدمات، وأغلبهم من ذوي الدخل المحدود وغير قادرين على تحمل تكاليف البناء في مواقع منظمة أو خسارة بيوتهم التي يقطنونها منذ عقود.
ويؤكد الناشط شاكر الحراحشة أن سكان هذه المنازل يضطرون للاعتماد على أنفسهم في جمع النفايات وإيصالها إلى أقرب حاويات في المناطق الداخلة بالتنظيم، في حين يعمد آخرون لحرقها للتخلص منها بأقل الكلف.
ويضيف أن مئات السكان في مناطق مثل المشيرفة وكفرخل وقفقفا يعتمدون على شراء مياه الصهاريج أو جلبها من العيون والينابيع القريبة مدار العام، إذ لا تقل تكلفتها الشهرية عن 60 دينارا لكل أسرة، لافتا إلى أن كلف شراء المياه بحد ذاتها تشكل عبئا ماديا على الأسر التي تعاني أوضاعا اقتصادية ومعيشية صعبة.
ويقول الحراحشة: “يعتمد السكان على مولدات (مواتير) متنقلة أو إيصال التيار بطرق بدائية غير آمنة من المنازل المجاورة، ما يشكل خطرا جسيما على أرواح السكان وخصوصا الأطفال كاحتمالية تعرضهم للصعق،” منوّها إلى أن هذه الأساليب قد تلحق أضرارا جسيمة بالممتلكات، خصوصا الأجهزة الكهربائية التي تتعرض للعطب بين الحين والآخر، خصوصا خلال فصل الشتاء.
قضايا منظورة واستمرار
التوسع على أمل التفويض
الأوضاع المأساوية والسنوات الطويلة لم تشفع للأسر في مختلف قرى جرش وخاصة المناطق التابعة لبلدية النسيم بتسريع النظر في طلباتهم بتفويض الأراضي من رئاسة الوزراء.
ورغم وجود قضايا منظورة أمام القضاء بحقهم جراء هذه الاعتداءات التي يزيد عمر أغلبها على 50 عاما، إلا أن ذلك لم يمنع بعضهم من التوسع في البناء، على أمل أن يشمل التفويض هذه الإضافات وزيادة مساحة التمليكات، من خلال إضافة غرف وطوابق وحدائق ومواقف سيارات، رغم مخالفة تعليمات وزارة الزراعة.
يوضح عمر الحراحشة، رئيس مجلس محلي المشيرفة السابق، أن أكثر من 320 عائلة في بلدية النسيم، بالإضافة إلى اعتداءات أخرى في سوف وساكب وبرما، مصنّفون تحت بند “معتدين على الأراضي الحرجية وسكان خارج التنظيم” منذ أكثر من خمسين عاما، مما يحرمهم من شبكة مياه الشرب ويعرضهم للاستغلال من أصحاب الصهاريج الذين يحددون الأثمان وفق أهوائهم.
ويؤكد أن مشكلة غياب الخدمات كالمياه والكهرباء والطرق والنظافة ترتبط ارتباطا وثيقا بعدم حصولهم على إذن إشغال أو قواشين تثبت ملكيتهم للمنازل التي تقع خارج التنظيم، مما يمنع قانونيا الجهات المختصة من تزويدهم بالخدمات الضرورية ويجعلهم عرضة للاستغلال خصوصا من أصحاب صهاريج المياه الخاصة.
الأسباب القانونية وتأخير الإجراءات
ويؤكد رئيس قسم الحراج في زراعة جرش، المهندس إبراهيم قوقزة، أن مئات من الأسر القاطنين في قرى وبلدات تابعة لبلدية النسيم وغيرها من القرى ما زالوا يعتدون على الأراضي الحرجية، وقد تم حصر أعدادهم ومساحة الاعتداء وشكله لغاية تفويضهم بالأراضي التي يعتدون عليها مقابل دفع أثمان هذه الأراضي، وبعد تفويضهم يستطيعون الاستفادة من مختلف الخدمات الأساسية التي يحتاجونها كالكهرباء والماء، غير أن إجراءات التفويض متأخرة، ومن المتوقع أن يتم تفويضهم في العام المقبل لإنهاء معاناتهم في الحصول على الخدمات الأساسية، لاسيما وأن المعتدين لا يكتفون بالاعتداء القائم، فيقومون بزيادة مساحة الاعتداء ببطء والعمل ليلا وبشكل سري على إضافة غرف وحمامات وحدائق، موافقين على أن كوادر الحراج تضبط هذه الاعتداءات وتحيلهم إلى القضاء بشكل عاجل وتتخذ بحقهم إجراءات قانونية كون أن الأراضي تعد أراضي حرجية ولا يجوز الاعتداء عليها بأي شكل.
وفيما يخص خدمات المياه، يقول مصدر مطلع في مياه جرش إن السكان المعتدين على الأراضي الحرجية أو خارج التنظيم غير قادرين على الاستفادة من شبكات المياه المنزلية لوجوب حصولهم على إذن إشغال قبل الحصول على الاشتراك، وهم يقطنون أراضي حرجية وهي اعتداءات، ولا يمكن تزويدهم بالخدمات إلا بعد استكمال الإجراءات اللازمة وفق القانون.
بدوره يؤكد مصدر مطلع في بلدية النسيم أن مشكلة المعتدين من المشاكل العالقة في بلدية النسيم منذ عشرات السنين رغم مخاطبة الوزارات وكافة رؤساء الحكومات بخصوصهم ولكن دون جدوى، لافتا إلى أن البلدية تقوم بتقديم خدمة جمع النفايات فقط كخدمة إنسانية ولمنع تشكل أي مكاره بيئية وصحية في مناطقها.
ويطالب المصدر من رئاسة الوزراء ضرورة النظر في مشكلة المعتدين على الأراضي الحرجية وإيجاد حل عاجل ومناسب لهم خاصة وأنهم من ذوي الدخل المحدود أصلا وغير قادرين على شراء قطع أراضٍ أو بناء مساكن جديدة، ويتحملون مخالفات كبيرة جدا بدل الاعتداء وكلفا باهظة لشراء مياه الشرب أو الاشتراك بالكهرباء على النظام التجاري.

