جرش تشهد تحولا في الأنماط الزراعية أملا في مردود أكثر جدوى

جرش- للموسم الثالث على التوالي، تُلحق تداعيات التغير المناخي أضرارا جسيمة بمعظم الزراعات الصيفية في مختلف قرى وبلدات جرش، مما أدى إلى انخفاض الإنتاجية وتدني الجودة، الأمر الذي انعكس سلبا على عمليات التسويق والأسعار.
ذلك الأمر اضطر عدد من المزارعين إلى محاولة التكيف مع الظروف الجديدة من خلال تغيير أنواع المحاصيل وأساليب الزراعة وأوقاتها، بالإضافة إلى الإدارة الفعالة للموارد المائية، حيث لجأ مزارعون إلى تبني إستراتيجيات جديدة لمواجهة التحديات التي تواجههم، كالتحول لزراعة اللوزيات والعنب وغيرها من المحاصيل ذات العائد الأفضل.
يؤكد هؤلاء المزارعون، أن كمية وجودة المنتجات الصيفية باتت متدنية وغير مجدية، وذلك بسبب قلة الأمطار وتفشي الحشرات والأمراض التي تؤثر سلبا على جودة الثمار، مشيرين إلى أن هذا الأمر فرض عليهم خيارين إما تغيير الأنماط الزراعية وزراعة أنواع أكثر مقاومة للتغيرات المناخية، أو اللجوء إلى وسائل زراعية حديثة ومتطورة تشمل استخدام بذور وأسمدة محسنة، واعتماد أنظمة ري متطورة تدعم نمو الأشجار بما يتناسب مع الظروف الجديدة.
بالإضافة إلى ذلك، يعاني المزارعون من ضعف التسويق واعتمادهم بشكل كبير على الأسواق المركزية، مما يؤدي إلى انخفاض الأسعار، ذلك أن ضعف تسويق المنتجات الصيفية مثل الفواكه، الأعشاب الطبية، الورقيات، ورق العنب، واللوزيات بأنواعها، بالإضافة إلى غياب المصانع التي يمكنها تصنيع هذه المنتجات وتسويقها للحفاظ عليها لفترة أطول، يزيد من معاناتهم.
تغطية نفقات العمل الزراعي
ويؤكد عدد من المزارعين أنهم بدأوا بالفعل في تغيير الأنماط الزراعية القديمة وتجديد أنواع زراعاتهم لضمان تغطية نفقات العمل الزراعي، لافتين في الوقت ذاته، إلى أن آلاف الأشجار، مثل الزيتون والتين والعنب، شهدت تراجعا في إنتاجها بسبب التغيرات المناخية وقلة الأمطار، فضلا عن تراجع القوة الشرائية.
ووفق المزارع أمجد المرازيق، فإن الحفاظ على الزراعات القديمة أصبح مكلفا وغير مجد، فعلى سبيل المثال، تُباع صفيحة زيت الزيتون بأقل من خمسين دينارا، وهو سعر غير مجد مقارنة بتكاليف الإنتاج وكميته.
كما يقوم المزارع ناجي العياصرة بإزالة ما لا يقل عن خمسين شجرة زيتون من أرضه التي تبلغ مساحتها خمسة دونمات، بعد حصوله على موافقة وزارة الزراعة.
وأوضح أن إنتاج هذه الأشجار لم يتجاوز أربع صفائح من الزيت في أفضل الظروف، وأن العمل فيها لم يعد مجديا بعد تراجع إنتاجها لسنوات.
ويرى العياصرة أن زراعة أصناف بديلة قد تحتاج إلى بضع سنوات لتبدأ في الإنتاج، لكنها ستكون أكثر جدوى اقتصاديا، ويشمل ذلك زراعة العنب، اللوزيات، التفاحيات، الإجاص، الكرز، المشمش، الخوخ، والدراق، والتي تعد ذات جدوى اقتصادية أكبر وتغطي تكاليف الإنتاج والعمل.
وأكد أن تغيير الأنماط الزراعية مكلف ماديا على المزارعين، لكنه على المدى البعيد سيساهم في تغطية هذه التكاليف واستبدال الأنماط الزراعية غير الناجحة بما هو مضمون اقتصاديا ويتناسب مع التغيرات المناخية، كما أن هذا التغيير يتطلب خبراء ومهندسين لضمان نجاح المشروع ومدى تناسبه مع الأجواء المناخية والجغرافية في المنطقة، فضلا عن الجدوى الاقتصادية للمشروع.
منتجات أكثر وفرة بأسعار مناسبة
من جانبه، يؤكد المزارع محمد البرماوي أنه قام قبل بضع سنوات بتغيير الأنماط الزراعية في أراضيه وتمكن من الحصول على مزروعات ومنتجات أكثر وفرة تُباع بأسعار مناسبة تتلاءم مع الأوضاع الاقتصادية الحالية والظروف المناخية.
وشدد على أن إنتاج الأشجار المعمرة الكبيرة، مثل الزيتون والتين والعنب، يتراجع باستمرار بسبب قلة الأمطار والتغيرات الجوية والجغرافية، مما شجع المزارعين على تغيير الأنماط الزراعية.
وأشار البرماوي إلى أن الأنماط الجديدة أقل تكلفة وأكثر إنتاجا وأفضل من الناحية الاقتصادية، والأهم أنها لا تُرهق المزارعين بتكاليف مادية كبيرة أو تُثقل كاهلهم بالديون والخسائر المتكررة.
ويطالب مزارعون بدعم وزارة الزراعة لتحفيزهم على تطوير عملهم وتنظيمه وإدخال أنظمة جديدة تضمن نجاح هذه الأنماط الزراعية وتحديثها، كما يحتاج المزارعون إلى تدريب وتأهيل على هذه الأعمال والزراعات، وتوسيع العمل بالمشاتل التي تنتج هذه الشتلات المحسّنة.
يأتي ذلك في ظل اعتماد نسبة كبيرة من مزارعي جرش على الزراعات المروية من عيون وينابيع المياه، وموقع أراضيهم بالنسبة لسد الملك طلال وسيل الزرقاء ومصادر المياه الجوفية الأخرى.
ويؤكد المزارعون حاجتهم إلى دورات وورش عمل تدريبية على العمل الزراعي والزراعات المحسّنة الحديثة والأكثر طلبا في الأسواق، والتي تكون أسعارها مناسبة وتتناسب مع التغيرات المناخية والجغرافية.
اتصال مباشر ومستمر مع المزارعين
بدورها، أكدت مديرية زراعة جرش أنها على اتصال مباشر ومستمر مع المزارعين، وتقوم بعقد لقاءات وورش تدريبية تؤهل المزارعين لتحديث وتطوير أنظمتهم الزراعية بما يتناسب مع الأوضاع الحالية في المنطقة.
وأوضحت المديرية أن المزارعين يملكون خيار تغيير الأنماط الزراعية في أراضيهم الخاصة بعد الحصول على موافقة وزارة الزراعة لإزالة الأشجار المزروعة وتجديد الزراعات بما يضمن الحفاظ على المساحات الخضراء.
كما أكدت أن وزارة الزراعة تقدم كافة مشاريع الدعم المعنوي والمادي، بما في ذلك بناء خزانات المياه، وتقديم دراسات واستشارات هندسية مناسبة، وبناء أنماط زراعية حديثة، وتقديم شتلات محسّنة.
يُذكر أن التأثيرات المباشرة للتغيرات المناخية على الزراعة تتلخص في التغير في درجات الحرارة وهطول الأمطار، والذي يؤثر بدوره على إنتاج المحاصيل ويجعل بعض المناطق غير صالحة للزراعة، ما يضطر المزارعين إلى تعديل مواعيد زراعة المحاصيل لتناسب الظروف المناخية الجديدة وزراعة أصناف أكثر مقاومة للجفاف أو درجات الحرارة المرتفعة.
صابرين الطعيمات/ الغد