جمعيات خيرية بالأغوار تواجه تحدي “الدعم” بمشاريع إنتاجية خاصة

الغور الشمالي- في وقت وصلت فيه جمعيات خيرية بالأغوار الشمالية إلى مرحلة العجز عن مساعدة الأسر المعوزة نتيجة توقف أو محدودية الدعم والتبرعات، لجأ بعضها إلى إنشاء مشاريع خاصة مدرة للدخل، للخروج من أزمة التعطل والعودة قدر المستطاع للقيام بدورها التطوعي في مساعدة الفقراء.

ومع دخول فصل الشتاء، تتفاقم أوضاع الأسر الفقيرة وسط تزايد ملحوظ في عدد طالبي المساعدات من المعوزين في مناطق لواء الغور الشمالي، في وقت تراجعت تبرعات المحسنين للجهات القائمة على الأعمال الخيري المؤسسية، ما حرم آلاف العائلات المحتاجة من المساعدات التي توفر لها مستلزمات الدفء والملابس والطرود الغذائية لمواجهة البرد القارس.

ويشير العديد من المواطنين، إلى أن المبادرات التطوعية المجتمعية من قبل جهات مختلفة تراجعت خلال السنوات الماضية بشكل لافت ومنها ما توقف بشكل نهائي، ومن أهم هذه المبادرات تلك التي كانت تنفذها جمعيات خيرية ولجان زكاة ومؤسسات مجتمع مدني. وقالوا، “إن جهودا تطوعية كبيرة، كانت تبذل من أجل تأمين العديد من الأسر المعوزة بمستلزمات فصل الشتاء، الفصل الأشد قساوة على المواطنين بالأغوار”.
وتابعوا: منذ سنوات بدأنا نشهد غيابا شبه كامل لهذه الجهود، وهو ما ترك أسرا عديدة وحيدة في مواجهة عوزها وقلة حيلتها.
وأكدوا نقلا عن ما تخبرهم به جهات كانت تقدم الدعم، أن تراجع مستويات الدعم أفقد الجهات التطوعية قدرتها على مساعدة الفئات المستهدفة بتأمين متطلبات الحياة القاسية، ودفع ذلك بعدد من شبان اللواء إلى عمل مبادرات ولكنها تبقى بسيطة ولا تحقق المرجو مقابل حجم الطلب المتزايد على المساعدات بعد اتساع رقعة الفقر باللواء.
ففي لواء الغور الشمالي، وما إن حط الشتاء رحاله والرياح التي تحمل الهواء البارد، تظهر تفاصيل المعاناة الحقيقية في منازل الفقراء، التي تروي حكايات الفقر والصقيع لمواطنين محرومين من الدفء سحقتهم قسوة الحياة، وناءت بهم الظروف المعيشية الصعبة، وخسائر العمل الزراعي، جراء التراكمات والمشاكل الزراعية في ظل ارتفاع بأسعار الكهرباء والوقود وتزداد متطلبات الحياة وتلقي أعباء إضافية على الواقع المعيشي لتلك الفئات التي يعيش معظم سكانها في بيوت متصدعة طينية أسقفها مهترئة وجدرانها متشققة، وأخرى آيلة للسقوط.
تقول رئيسة جمعية تلال المنشية تهاني الشحيمات، إن الجمعية لجأت إلى التفكير بطرق أخرى بعيدا عن انتظار تلقي المساعدات من المحسنين.
ولفتت إلى أن العديد من الجمعيات تتجه إلى إنشاء مشاريع أو مساعدة شبان على إنشاء مشاريع، لتحقيق مردود مالي يمكنهم من تغطية مصاريف الحياة  اليومية.
وأكدت الشحيمات، أنها تمكنت من إنشاء مبادرة “قديمك جديدي” والتي تهدف إلى الاستفادة من الملابس غير المرغوب بها لصالح سكان فقراء في لواء الغور الشمالي والعمل على توزيعها عليهم بعد إعادة تدويرها واستصلاح ما أمكن منها.
وتقول شحيمات إنها تلقت دعما من جهات داعمة وتمكنت من شراء ماكنات خياطة وقامت باستقطاب قرابة 10 فتيات و 5 شباب، للعمل ضمن هذه المبادرة، لنكون بذلك قد ساعدنا الأسر الفقيرة ووفرنا فرص عمل لأبناء أسر معوزة أيضا.
وبينت أن الشباب يوكل إليهم مهمة جمع الملابس وإحضارها إلى الجمعية فيما تقوم الفتيات إعادة تشكيلها بحيث تكون صالحة للاستخدام مرة أخرى.
وأضافت أن أغلب الملابس يتم إعادة تدويرها إلى قطع أخرى مناسبة بأحجام مختلفة، ويتم ذلك بالاستعانة بمصمم أزياء كي تخرج قطعة الملابس بأحسن صورة.
وأشارت إلى أن القطعة يتم توزيعها على مواطنين مسجلين في كشوفات الجمعية، مؤكدة أن هناك عشرات الأسر المعوزة المسجلة في سجلات وكشوفات الجمعية تنتظر المساعدات العينية والنقدية في ظل الظروف الراهنة.
وأضافت الشحيمات أن هناك العديد من قطع الملابس يمكن إعادتها الى أشكال مختلفة وبأشكال جميلة، وملابس يتم إعادة تدويرها لتغطي الاحتياجات المدرسية والعمل على تسويقها من خلال البازارات والمعارض ومواقع التواصل الاجتماعي، ولاستفادة من مردودها لدعم الأسر.
ويقول الناشط الاجتماعي خالد العربي إن ارتفاع حجم الفقر أسهم في ازدياد أعداد المعوزين في ظل تراجع قدرة المؤسسات المعنية بالعمل الخيري على تقديم المساعدات التي تراجعت بنسبة زادت على 80 %، ما حال من قدرة الجمعيات على توفير وتأمين أبسط احتياجات المسجلين لديها.
وبين أن هذا الأمر دفع أصحاب جمعيات خيرية إلى إنشاء مشاريع استثمارية تعود بالفائدة على المشاركين وعلى المواطنين.
ويقول الشطي، “لا شك أن مثل هذه المشروعات ستمكن أسرا فقيرة ومعوزة من سد تأمين احتياجاتها ولو بشكل جزئي، وهو أفضل من أن لا يكون هناك أي دعم أو مساعدة”.
ولفت فيما يخص مشروع إعادة تدوير الملابس أن جزءا من هذه الملابس يتم عرضه للبيع بكلفتها التشغيلية، في حين سيتم دعم العديد من الأسر الفقيرة أو الأشخاص الذين لا يستطيعون شراء ملابس جديدة.
وتقول رئيسة جمعية عكرمة الخيرية لرعاية الأيتام حورية الصمادي، “إن الجمعية بالإضافة إلى عملها الرئيس وهو كفالة الأيتام، تسعى إلى استقطاب مشاريع من خلال التعاون مع الجهات المعنية، إذ تم إنشاء قاعة متعددة الأغراض لكي يتمكن الأطفال من ممارسة نشاطاتهم المختلفة من الألعاب وتحفيظ القرآن وممارسة النشاطات الرياضية والهدف من ذلك تفريغ الطاقة لدى الأطفال والحصول على حقهم في اللعب”.
وتقول العشرينية المتطوعة بالأعمال الخيرية رهام البشتاوي، “إن من فوائد مشروع تدوير الألبسة الذي تنفذه إحدى الجمعيات، دعم الأسر الفقيرة والمحتاجة، وتوفير قرابة 15 فرصة عمل لأبناء اللواء، فضلا عن دعم الجهود التي تبذلها الجمعية بالتعاون مع البلدية للمحافظة على البيئة بالحد من عمليات إحراق الملابس القديمة التي تقوم بها بعض الأسر أو حتى إلقائها في حاويات النفايات كونها تأخذ وقتا طويلا لكي تتحلل”.
في توجه مماثل لجمعية تلال المنشية، نفذت الجمعية مؤخرا مشروع مخبز لإعداد الخبز والمعجنات والحلويات وبيع المنتجات للمدارس أو في المعارض والبازارات أو حتى تسويقه عن طريق طلبات التطبيقات.
وتقول علياء الدبيس إحدى المتطوعات بالجمعية إن هذا المشروع وفر دخلا للعديد من الفتيات، كما ساهم بعائد مادي للجمعية لدعم الأسر الفقيرة باللواء.
وأكدت أن استمرار أعمال ونشاط الجمعيات الخيرية باللواء مهم جدا، إذ إن هناك العديد من الأسر التي قد لا تجد قوت يومها من شدة العوز وهي بحاجة ماسة ودائمة للدعم والمساعدة.
ومن الجدير ذكره، أن لواء الغور الشمالي من المناطق الأشد فقرا، ويعتمد سكان اللواء على مصدر رزقهم بالعمل في القطاع الزراعي، إلا أن القطاع وخلال السنوات الأخيرة شهد تراجعا واضحا، ما قلص من فرص العمل التي يوفرها، وبات العديد من أرباب الأسر متعطلين عن العمل.
ويبلغ عدد سكان اللواء 130 ألف نسمة، موزعين على ثلاث مناطق تابعة لبلديات شرحبيل بن حسنة، ومعاذ بن جبل، وطبقة فحل، ويقدر عدد المستفيدين من صندوق المعونة الوطنية بحوالي 4421 أسرة وفق كشوفات الصندوق.

علا عبد اللطيف/ الغد

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة