حرائق الغابات.. هل غابت الحلول عن وضع حد لاندلاعها سنويا؟

 ما تزال عمليات الاعتداء على الثروة الحرجية مستمرة، برغم ما تضعه وزارة الزراعة من خطط باستمرار، لكن تنفيذها يفتقر لتطوير أدوات لضبط الاعتداءات على هذه الثروة، بخاصة في مجال استخدام أدوات مراقبة مثل طائرات “الدرون” والنقص في أعداد الطوافين، لوقف الاعتداءات عليها. ويكشف حريق غابات وديان الشام بمحافظة جرش الذي اندلع أخيرا وجرت السيطرة عليه وإطفاؤه، لكنه امتد على مساحة بلغت 250 دونماً، وطالت نيرانه مئات الأشجار المعمرة من السنديان واللزاب، إلى جانب أشجار أخرى.

غياب إدارة المخاطر الإستراتيجية
في هذا الإطار، تساءل معنيون وخبراء حول غياب إدارة المخاطر الإستراتيجية عن التنبؤ بخطر اعتيادي كحريق جرش، لكنه عالي التوقع في منطقة محدودة المداخل والمخارج، لافتين إلى قضايا احتراق غابات عديدة، ومن ثم تأخر إخمادها، بذريعة بعد موقع الحرائق فيها، أو وعورة الطرق المؤدية للحريق، أو الاثنين معا.
ودعوا لحماية الغابات والأحراج، وحل هذه المشكلة، بوضع حد لاندلاع الحرائق، وذلك عبر إنشاء شبكات طرق زراعية تخترق كل غابة، لتسهيل وصول آليات إخماد النيران لمواقع الحرائق، وتنفيذ فواصل وعوازل بين النيران لتيسير إخمادها حال اندلاعها.
وأشاروا إلى أهمية عمل مشاريع حصاد مائي صغيرة (برك) في الغابات، تسهم بتسهيل نقل المياه خلال وقوع حرائق، وكذلك إنشاء هيئات أو جمعيات إطفاء من المجتمع المحلي المحاذي للغابات، يجري تدريب أفرادها على عمليات الإطفاء، وأيضا تعيين نقاط مجهزة بأدوات إطفاء، لاختصار الوقت في انتظار آليات الدفاع المدني وسلاح الجو للمشاركة في الإطفاء.
إنشاء شبكة طرق زراعية
خبير الأمن الغذائي د. فاضل الزعبي، بين أن إنشاء شبكة طرق زراعية، تخترق الغابات وتسهل وصول الآليات لنقاط الحريق، وعمل فواصل وعوازل بين النيران، يسهم بحماية الغابات من وقوع الحرائق، أو الحد منها، ما يتطلب لتحقيق ذلك توفير أدوات وعدد ومواد مكافحة حرائق، مجهزة وقريبة من مواقع يتكرر فيها اندلاع الحرائق.
ودعا الزعبي، لإنشاء هيئات وجمعيات إطفاء في المجتمعات المحلية المجاورة لمواقع الحرائق، وتدريبهم وتزويدهم بأدوات، تمكنهم من وضع حد لتمدد الحرائق، وذلك لاختصار الوقت لحين وصل آليات الدفاع المدني أو طائرات سلاح الجو، ورفع أعداد الطوافين في تلك المناطق، للتقليل من العبث، أو محاولات إشعال معتدين النار في الغابات، والتبليغ عن أي حالات أو توقعات بإشعال حرائق متعمدة مبكرا.
وأشار إلى أهمية عمل مشاريع حصاد مائي صغيرة (برك) في الغابات، للتسهيل على الطائرات أو آليات الإطفاء نقل الماء، لإخماد النيران في مواقع الحرائق.
نشر ثقافة الحفاظ على الأشجار
وأكد المدير العام لاتحاد المزارعين الأردنيين محمود العوران، ضرورة إطلاق حملات توعية في المناطق التي تنتشر فيها الغابات والأحراج، لنشر ثقافة الحفاظ على الأشجار، والتوسع بها لتشمل المملكة كافة، عبر المدارس والجامعات، وخطباء وزاره الأوقاف، لافتا لضرورة الاستعانة بأبناء المجتمعات المحلية القريبة من الغابات، عن طريق تأمين فرص عمل لبعضهم في مراقبتها، ما سيساعد بوضع حد للمعتدين عليها وبالذات الحطابين والعابثين، إلى جانب زيادة عدد نقاط “الهايبرد” للدفاع المدني، وإنشاء البرك، وزيادة نقاط المراقبة والكاميرات والطوافين ودوريات الشرطة البيئية في تلك المناطق.
تشجيع التجدد الطبيعي
وزير الزراعة خالد الحنيفات، أكد أول من أمس، أن وزارة الزراعة، تمتلك خطة طوارئ محدثة، تعمم على الجهات الحكومية ومديريات الزراعة في المحافظات، مع بداية الصيف، للتعامل مع حرائق الغابات، لافتا إلى أنها بالتشارك مع البلديات، تعمل على إزالة الأعشاب الجافة من جوانب الطرق، وتقوم بتشذيب الأشجار في الغابات، كما رفعت جاهزية محطات الغابات وغرفة العمليات الرئيسة، لمتابعة أي حرائق محتملة على مدار الساعة.

وأشار حنيفات في تصريحاته، إلى أن الوزارة خاطبت المعنيين، لفتح الطرق المغلقة في الغابات ومحيطها، بخاصة في المواقع التي يرتادها المتنزهون، وشددت على المزارعين، بعدم التخلص من أعشاب مزارعهم بالحرق، واستخدام وسائل حراثة سليمة لمنع انتقال النيران للأراضي الحرجية.
وفي هذا النطاق، فإن أبرز نقاط الضعف التي رصدت خلال الاستجابة لحريق أحراج جرش، وفق الحنيفات، طبيعة تضاريس المنطقة الصعبة ونوعية الحريق المعقدة والمفتعلة.
وأشار لاندلاع حريق قبل سنتين في المحيط نفسه، ومعالجته بخطة لإدارة الموقع، شملت حماية المنطقة، وتشجيع التجدد الطبيعي، بالتعاون مع منظمة (الفاو)، مبينا أن جهود استعادة نشاط الغابة نجحت، لكنه لفت إلى أن تضاريس المنطقة تُستغل من مفتعلي الحرائق الذين يتسللون سيراً على الأقدام للوصول إلى أماكن يصعب الوصول إليها آلياً، لكن تجهيزات ما بعد الحريق السابق، أسهمت بسرعة الوصول وإطفاء الحريق الأخير.
وأشار إلى أن وزارة الزراعة مستمرة بتنفيذ خطة تأهيل الموقع في العامين الحالي والمقبل، لحماية الغابة، مبينا أن للوزارة خطة وطنية لإعادة تأهيل الغابات المحترقة، واستكمال العمل في غابات وديان الشام التي اندلع الحريق فيها، لتأهيل المنطقة، وتعود لتصبح غابة نموذجية متكاملة.
ولفت إلى انه لتعويض المتضررين، قال الحنيفات، إن الأراضي المتأثرة حكومية، لكن إذا ثبت وجود أضرار في أراضٍ مملوكة، فستحصر المخاطرات الزراعية الأيام المقبلة، مشيرا إلى التوجه لتوظيف تقنيات حديثة لمواجهة الحرائق، مبينا أن الوزارة وقعت بداية العام الحالي، اتفاقية مع شركات متخصصة بالذكاء الاصطناعي والاستشعار عن بُعد، لحماية الغابات عبر الأقمار الصناعية.
وبين أن هذه التقنية، ستمكن من جرد ومراقبة الغابات ذات الكثافة العالية، بالتعاون مع الدفاع المدني ومديرية الأمن العام، إلى جانب وجود تنسيق وثيق مع الدفاع المدني، والقوات المسلحة، وسلاح الجو الملكي، والبلديات، والحكام الإداريين، والشرطة البيئية والأجهزة الأمنية، لتتبع مفتعلي الحرائق.
وأكد أن هذا التعاون، أسهم بخفض عدد الحرائق لأكثر من 60 % في الأعوام الأخيرة، مضيفا أن الحرائق المفتعلة هي الأخطر، لأنها تحدث في مناطق ذات كثافة حرجية يصعب الوصول إليها، ما يؤدي لخسائر جسيمة في الثروة الحرجية، داعيًا لتكثيف جهود الوقاية والرصد لحماية الغابات من هذا الخطر الداهم.
يشار إلى أن غابات وديان الشام الواقعة فوق جبال الحسنيات، التي اندلع فيها حريق نهاية الأسبوع الماضي، تعرضت لحريق مفتعل بداية فصل الصيف في العام 2023، استمر مشتعلا لـ5 أيام متواصلة، وتمدد على أكثر من 450 دونما، تنتشر فيها الأشجار الحرجية المعمرة والتهم الآلاف من أشجار القيقب واللزاب والسنديان والصنوبر، وشارك بإطفائه، طائرات سلاح الجو، وكوادر الدفاع المدني وعدة جهات رسمية. كما خلف نحو 200 طن من الأحطاب المحترقة، ما استدعى تنفيذ مشروع تحريج فيها هذا العام، مدته 3 أشهر، لكن الأشجار الجديدة تحتاج لعشرات السنين حتى تحافظ على الغطاء النباتي في المنطقة.

عبد الله الربيحات/الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة