حصيدة وصيف ومونة// احمد القضاه

الصيف، أحد أجمل فصول السنة وأروعها، وهو فصل الدفء والعطاء وتجدّد الحياة في عروق الأرض، وهو الفصل الذي تتجلى فيه الشمس بإرسال أشعتها الذهبية بكامل طاقتها، ففيه تُشرق ألوان الحياة، ويُصبح الورد أكبر وأجمل، وتكبر فيه أوراق الأشجار..

الفصول الأربعة كأثواب ترتديها الأرض فتتزين بها وتجعلها أكثر جمالًا وبهاءً ونضرةً، يتألق الوجود بها وهي التي تُعطي للحياة لونها الجميل، وهي التي بها يتجدد كل قديم، فدورة الفصول الأربعة تعني بداية حياة جديدة، ولكن على أعتاب حزيران نستقبل أجمل فصول السنة وأحرّها هو فصل الصيف صاحب الظلال والجمال، يُلون لنا الكون بأقلامه السحرية فتطرب لألحانه الأشجار، وتتراقص مع نسيمه العليل الأزهار.
” حزيران شهر البسط والكيف أوله ربيع وآخره صيف” . (أوله معتدل الحرارة وآخره حار)
فهو فصل تكاثر وتزاوج للكثير من الأنواع الحية، وفيه تكتسي الأشجار بلون الطبيعة، حيث الثمار الطيبة في كل مكان تتفتح الأزهار، هو فصل تشكّل الندى ذاك المنظر الخلاّب الذي يسحر الألباب في حلته تلك في كل صباح.
كتب بسحره الشعراء قصائد عشقٍ لا تنتهي فهو بالنسبة لهم فصل العشّاق، حيث الورود ورياح الصبا التي تنعش القلب السقيم في وقت الأصيل، ومنظر الغروب الخلاّب؛ كعروس في حنائها تزف إلى عريسها البحر في موكبٍ مهيبٍ من الروعة والدهشة، يلقي سحره على النفوس التي طالما انتظرته لتُصفق لهما بما يختلج الصدر من الشعور بالنقاء والصفاء والراحة، قال الشاعر إيليا أبو ماضي:
” _عادَ لِلأَرضِ مَعَ الصَيفِ صِباها..فَهيَ كَالخَودِ الَّتي تَمَّت حُلاها
_صُوَرٌ مِن خُضرَةٍ في نَضرَةٍ ..ما رَآها أَحَدٌ إِلّا اِشتَهاها
_ ذَهَبُ الشَمسِ عَلى آفاقِها ..وسَوادُ اللَيلِ مِسكٌ في ثَراها.
ما إن تغيب الشمس حتى تطل لنا نجوم المساء كنجوم تتلألأ وسط جو من العتمة التي لا تكاد ترى بين تلك الأنوار، هي الطبيعة بكل ما فيها تُسلم عرشها لهذا الفصل الرقيق ليُبهجنا بكل ما فيه، ولكن على الجانب الآخر تمر أيام في هذه الفصل تكون حارةً جدًا، وتظهر مشكلات عديدة، مثل: الجفاف، والحشرات، وضربات الشمس.
الصيف فصل العمل والجد عند بعض الحيوانات والحشرات؛ كالنمل والنحل استعدادًا لفصل الشتاء، وترتفع فيه درجة حرارة الأرض من أجل دورة ماء أخرى جديدة والتي هي أساس الوجود على سطح البسيطة فمن دورة الماء هذه تتكون الغيوم نتيجة لتبخر الماء في الصيف والتي تسقط في فصل الشتاء على هيئة غيث يسقي عطش الأرض وجدبها. في الصيف أيضًا تكثر الرحلات إلى البحار والمنتجعات والسهرات والحفلات، ويُعتبر عند الناس فصل الأفراح، إذ يجدون فيه فرصةً للسفر والتزاور وقضاء الإجازات الصيفية، فهو كما يراه البعض فصل الرفاهية والراحة والمتعة، حيث يطول النهار ويقصر الليل.

الصيف في عجلون واسع حسب قول المثل «بساط الصيف واسع».

لعل أبرز مظاهر الصيف في عجلون اواخر التسعينات هو نفض بقايا الشتاء وذلك بما يسمى بالتصيف حيث تغسل السجاد والموكيت وتنشر ومن ثم تخبأ لموسم قادم، وكذلك الملابس الصيفية تًخرج من مكانها وهو ما يسمى بالتعزيل بالبيت عامة. فالصيف يعني عطلة لطلاب المدارس مع انتهاء السنة الدراسية، وظهور طائر ابو زريق في سماء عجلون،
والذهاب للحصيدة في قريتي لجلب محصول السنة بواسطة ترك يقوده العم ((مصطفى العبدالله ابو العبد)) وبعد الحصيدة بالحصادات يتم جمع شولات القمح أبو خط أحمر لأهلي وأبناء العمومة اللذين يسكنون عجلون لغايات المونة،(للمواشي والبقر)
فقد كان الكثيرون من أبناء عجلون لم تأخذهم المدنية وبقوا فلاحين.
وفي أثناء الحصيدة وحسب قول الاجداد أن الصيف والحصاد يبدأ مع ضو الحصادين تلك الحشرة الطائرة التي تظهر بعد الغروب مباشرة، ويكون القسم الخلفي منها مضيئاَ، وكذلك ظهور القمر بدراً ما يسمى بقمر الحصادين وصوت صرصور الليل والذي كنا نسمعه بالحصيدة وفي عجلون خاصة خلال الليل الشديد الحرارة.
ومع بدايات الصيف تلك المدينة الصغيرة بحجمها وعدد سكانها القليل أنذاك فالكل كان يعرف بعضه بعضا يتغير كل شيء ويدخل بائعو البوظة أو الأيمة في الجو وتدخل تلك العربات المزركشة ببسكوت البوظة الملونة والموضوعة بشكل قوس حول العربة وصياح البائع أيمة بوظة .
أما مواسم الخضار والفاكهة فتكون حاضرة بقوة فالحمص والذي يكون أول نتاجات الموسم الزراعي وما يكاد ينضج حتى يصبح للأكل إما نيئاً أو مشويا بالفرن بعد الفرط ولكن الأغلب كان يشتري الحاملة من البائعين المتجولين يضعون بضعاتهم على سدور والحاملة ملمومة بضمم ومشوية مع صياح للبائع حاملة يا ملانة.
فخيرات الصيف متلاحقة من الكرز الأخضر والعنب وكذلك اللوز الأخضر والخوخ والكرز الأحمر والمشمش بأنواعة والدراق، أما البطيخ فهو الأكثر استهلاكاَ خاصة مع الجبنة البيضاء والعنب مع اللبنة المدحبرة.
فالصيف لغة المواسم وطريق المونة من ملوخية وفول وباميا وبندورة تجفف أو تعصر وكذلك كميات الليمون التي عصرت في موسم الشتاء تتحول لشراب منعش بيتي لأيام الصيف الحارة.

ومن الاغاني التي كانت تردد في ايام الحصيدة :

“- مِنْجَلي يا مِنْ جَلاهْ

راحْ لَلحَدادْ جَلاهْ

– ما جَلاهْ إلا بْعِلْبِة
ريتْ هالعِلْبة عَزاهْ

-مِنْجَلي يا أبو رَزِّة

يَلِّي شَريتَكْ مِنْ غَزَّة”

ارتبط حَزِيرَان بالتراث والحكايا الشعبية والأمثال في المشرق العربي.  من الأمثال الشهيرة المتداولة حول حزِيران:

– بحزيران الجو نيران.

– حزيران الهاوي وتمّوز الشاوي وآب الكاوي.

– البرد ما بيموت ليستوي التوت …..(يتم ذلك في حزيران).
– حزيران أبو الحلايش (حيش يتم حلش –أي حصاد- البقوليات).

– شوب حزيران بيعمل اللبن عيران. (يحمض اللبن بسرعة بسبب شدة الحرارة).
* نصائح للتعامل مع ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف
– عدم التعرض المباشر لأشعة الشمس وخصوصاً أوقات الذروة.
– شرب كميات كبيرة من السوائل وعدم الاعتماد على الإحساس بالظمأ من أجل الشرب.
– عدم تناول المشروبات التي تحتوي الكافيين أو السكر لأنها تؤدي إلى فقدان السوائل من الجسم.
– يفضل ارتداء الملابس الخفيفة والفضفاضة.
ارتداء القبعات والنظارات الشمسية وخصوصاً الأشخاص العاملين في القطاع الإنشائي أو الزراعة والذين تقتضي طبيعة عملهم البقاء تحت أشعة الشمس المباشرة لفترات طويلة.

4 تعليقات

  1. سامر محمد العقله يقول

    احسنت النشر ،،، كتبت فأبدعت ،،، هذه هي الكتابات التي تريح النظر وتذكرنا بالاباء والأجداد

  2. غير معروف يقول

    سلمت يمناك من اجمل ما قرأت

  3. عامر محمد القضاه يقول

    ما شاء الله مقال رائع ذكرنا بايام الحصيده والشقا والاعتماد على الذات

  4. علي راكان يقول

    ابداع استاذ

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة