حمى ليلة السبت // سعيد ذياب سليم

لا أقصد الفيلم الموسيقي الذي رقص فيه “جون ترافولتا” في نهاية سبعينات القرن العشرين وإنما ليلة السبت 13 إبريل الليلة التي رقصت فيها الطائرات في سماء الشرق الأوسط حتى الفجر وكتم العالم أنفاسه في انتظار وصول الأجسام الطائرة أهدافها ،والتي بدت كأنها سرب من الطيور المهاجرة تطير بتؤدة وهدوء وكأنها تقول وما علينا لو انتظر العالم قيام الساعة !
لماذا أكتب عن الحدث؟ وقد انتهى العرض وخلت الصالة وعاد المتفرجون إلى بيوتهم وقد جففوا دموع انفعالاتهم وألقوا محارمهم الورقية الناعمة المستخدمة إلى الحاوية وخلدوا للنوم محتفظين ببعض الصور السعيدة لأحلامهم.
حتى كلاب الحي نبحت تلك الشهب! أعتقد أن البعض لاحظ في مناطق عدة وسمع نباح كلاب البرية وقد أثارتها تلك الأجرام السماوية التي بدت كالألعاب النارية في السماء، ما الذي أثار نباحها ؟الخوف والمحافظة على البقاء أم إثارة يختص بها عالم الحيوان فحسب أم أنها طريقتها في إبداء الرأي وتفاعلها مع الحركة حولها؟
ولماذا نكتب؟ ربما لأن الكتابة كالرقص فأنت ترقص في حالات كثيرة حزنا و ألما وتشارك على هامش الفرح وفي مناسبات عدة أمام الأحداث التي لا تفهمها.
تعالوا نرقص معا لعل ذلك يغير فينا شيئا.
انتظر العالم ذلك الحدث الذي تسربت أنباؤه للعدو و الصديق عبر القنوات الدبلوماسية و المحطات الإخبارية وتحدثت الأخبار عن توقيت و حجم الرد الإيراني ونوعية الأسلحة المستخدمة وكم ستستغرق الأجسام الطائرة من الوقت حتى تصل لأهدافها والمسار المتوقع لهذه الأجسام في سماء الشرق الأوسط والأماكن المرشحة لسقوطها وربما شارك مهندسو السياسة الأمريكية في صناعة الحدث وخطة الدفاع الإسرائيلية.
حدث ذلك في ظل تكهنات شارك فيها المحللون العسكريون والناس العاديون بين أفراد الأسرة الواحدة و الأصدقاء وكان الناس بين مصدق و مكذب و متفكّه في انتظار ما سيحدث.
كنا تلك الليلة في إحدى الزيارات الأسرية في وداع إجازة العيد نتبادل التعليقات حول الحياة و السياسة والناس ، وكان حفيدي يركض بيننا سعيدا مشهرا بندقيته البلاستيكية موجها طلقاتها الصوتية هنا و هناك صارخا في وجوهنا “طاخ طاخ طاخ” فالحرب لعبتنا في الشرق الأوسط ، أثناء ذلك بدأت منصات اجتماعية مختلفة على الشبكة العالمية في الإعلان عن بدء الرد الإيراني و أُغلِقت الأجواء أمام الطيران المدني في دول عدة ثم تصاعد إيقاع الحدث بين القنوات الإخبارية وانتشرت بعض مقاطع الفيديو من تصوير الهواة، ثم تم الإعلان عن نهاية الرد الإيراني من قبل البعثة الإيرانية في الأمم المتحدة ولما تصل بعد المسيرات أهدافها.
• تتابعت المشاهد وتعالت حدتها ثم خبت كأنها لم تكن ، لا أخفي عليكم أننا تعجبنا من طبيعة الرد الاستعراضية والطريقة التي نزل فيها الممثلون عن المسرح وانتشارهم بين الجمهور بطريقة “بريحت” التي يشارك بها المتفرجون في العرض واختلافها عن ضربات إسرائيل المباغتة والمدمرة، ثم انتهاؤها عبر القنوات الدبلوماسية بهذه الحركة الفنية.
في طريق عودتنا إلى البيت بعد الواحدة بقليل كانت مدينة عمان تشهد شوارعها نشاطا ملحوظا وسماؤها أيضا، وتساءل ولدي عن تلك الشهب التي في السماء، لنكتشف أنها جزء من السرب الإيراني الذي غطى سماء المدن الأردنية من إربد شمالا حتى العقبة جنوبا وكأن الأهداف موزعة على أرضنا! لم يقف سلاح الجو الملكي مكتوف الأيدي بل بادر بملاحقة الأجرام وصدها بعد أن تصور البعض أن لا حارس لأجوائنا.
كانت أضواؤها نختفي الواحدة تلو الأخرى بعد تلقيها الضربات من سلاح الجو الملكي في دفاعه عن أجواء المملكة وسيادتها.
ماذا فهمنا من الضربة؟
من جديد برزت أهمية الموقع الجغرافي للأردن في المنطقة في الحرب والسلام.
فإن وقوعه في شمال الجزيرة العربية وجواره لإسرائيل يعرّضه لأن يكون ممرا لما قد يترتب من علاقات سلام وما ينتج عنها من اتفاقيات اقتصادية و سياحية وتبادل ثقافي بين دول الخليج و إسرائيل.
ويجعل منه عقبة أمام مهربي السموم البيضاء وغيرها من الممنوعات التي يحاولون العبور بها من خلاله ليصلون إلى الدول العربية حوله والتي نسمع عنها باستمرار وعن محاولات عبور حدوده الشمالية التي يقف أمامها جيشنا الباسل بالمرصاد.
وهل سينجو من أطماع إيران؟ لاستكمال مشروعها والذي بدا في هلالها الشيعي الممتد في شمال الشرق الأوسط وتموضعها فيه ككائن القنطور الخرافي بأذرعه العديدة وتستبيح أرضه و سماءه، فمن وقت لآخر تحاول المليشيات المتعاونة معها الاعتداء على الحدود الشمالية و الشمالية الشرقية فيتصدى لها جيشنا على الأرض وفي السماء.
وقبل كل هذا بدت أطماع إسرائيل جلية، تارة ينادون بالوطن البديل وتارة يعرضون طرد فلسطينيي الضفة الغربية و أبناء غزة إلى الأردن وتارة يحاولون إشعال الفتنة بين أطياف شعبه.
فإذا بادر الأردن ودافع عن أرضه وسمائه بادر بعض المغرضين بإلقاء التهم عليه جزافا.
فالأردن يفرض نفسه على الأحداث لطبيعة موقعه الاستراتيجي ويجد نفسه في قلب الحدث دائما.
جاء الرد الإيراني بعد حوادث عدة قامت بها إسرائيل مستخدمة آلتها العسكرية و عملياتها الاستخباراتية وألحقت القتل والتدمير بالمصالح الإيرانية في الداخل والخارج فكان عليها الرد للانتقام لكرامتها بعد ضرب قنصليتها على الأرض السورية و إزالة الحرج الذي أصابها أمام حلفائها كقوة إقليمية لها نفوذها في الشرق الأوسط. قامت بهذه الخطوة وهي التي اكتفت بمراقبة ما يحدث في غزة دون أن يرف لها جفن بعدما تمادت إسرائيل في اعتدائها على المصالح الإيرانية وليس تعاطفا مع القضية الفلسطينية.
لا شك أن خلف الرد الذي بدا استعراضيا تهديد أخاف إسرائيل ودفعتها لتستعين بحلفائها الأمريكان و البريطانيين و الفرنسيين فانطلقت طائراتهم فوق مياه البحر الأبيض المتوسط لتدافع عن ربيبتهم إسرائيل ليؤكدوا بذلك ضعف الكيان الصهيوني وعدم قدرته على البقاء لولا دعمهم المستمر، فهل اختفت أسلحة فتاكة بين هذا الكم الهائل من الطائرات المسيرة والفوضى التي أثارتها؟ وهل من المعقول أنه لم يتضرر شيئا من مصالح إسرائيلية على الأرض؟ وهل انتهت تداعيات الرد الإيراني للضربة الإسرائيلية ؟ ألن يكون هناك رد على الرد الإيراني؟
كل الاحتمالات قائمة وإسرائيل ترسل الرسائل وتعمل بالخفاء ترصد وتجمع المعلومات ثم تنتقي وتضرب في كل الجبهات دون أن تلقي بالا لقوانين دولية أو حسن جوار وهي المتظلمة دائما.
أرجو أن لا تتسع دائرة الحرب لكننا في الأردن على أهبة الاستعداد قيادة و شعبا وجندا فنار بنادقنا فتاكة.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة