حوّاء… وقرار الحكومة // الشاعر عماد عبد الوهاب الزغول

–
تعلّمْ… وتعلّمْ…
فالمخفيُّ عنكَ أعظمْ.
تعلّمْ ما يدورُ في فكرك
وما يلجلجُ في صدرك
وتسمعْ ما به لسانُكَ تمتمْ.
تعلّمْ…
فحوّاءُ مخلوقةٌ فضيعةْ،
تعلّمْ بالمخبّى… بالمخفيِّ… بالمودرْ،
ومعَ كلِّ الذي نعرفُ عنها…
يبقى الخافي
وما نجهله عنها
أعظمْ…
حوّاءُ داهيةٌ… تتفنّنْ،
تدري… تحسّ بما فيكَ،
وبما يدورُ بعقلكَ دونَ تشعُرْ.
لا تَخَفِ من شيء من بعده تندم
٠
تعلّمْ خفايا سرك
تعلّمْ بما توسوسُ نفسُكَ،
وبما يرسم ذهنك
تعلّم بكل فجوه ثغره عندك
تعلّمْ بكلِّ نقاط ضعفك
تعرفْ متى٠٠ تهزُّكَ… كيفَ تطيحْك.
وآخرُ ليلِكَ… ما تحسّها،
تقعد تدزك على اهلك
من تشوفك
وتشوفُ عيونَكَ تسهى للنومِ…
ومن بدت تذبلْ… بدت تنعسْ…
تبلّش توزّكَ… تشحنك…
تزنّ… تزنّ…
تنقّ علمكْ!
حوّاءُ — اللهُ بها أعلمْ،
حوّاءُ تعرفُ ما لا نعرفْ.
أمامها بني آدمْ يتمسح يطلسمْ،
تبكي عليه… يقطعْ القلبْ…
مسكينٌ معها يحزنْ.
بمائة رجل ورجل برا
ويا معاها امره بسلم
خط أحمر عندها بستسلم بوقف
حوّاءُ تعلمُ ما لا نعلمْ،
تقدّرُ ما عليه نحنُ نقدرْ،
تراوغْ… تماطلْ… تتحايلْ…
تقدرُ على ما هوه اكبر واكبر
اذا بجهنم العدد الاكثر
الله الي خلقها فيها ادبر
قدير عليها بما تعمل
جدّتي… جدّةٌ كبيرةْ،
أمّها لأمّي…
وأنا منها…
من نفس العلبةْ،
من نفس الطينةْ،
مارْ ماكلْ عليها الزمانْ.
سألتها مرّاتْ ومرّاتْ
عن عمرها… وأيامها الطويلةْ،
فقالت: “قوم عادْ… هاي منك وغادْ!”
ولم تُعطِ جوابًا…
لفّت… دارتْ… راوغتْ…
ثم رمتْ مسائلَ دينيةً… وقالتْ:
“عمري ما لك به علمْ…
لا تاخدك العزّةُ بالإثمْ،
وتسألوا عن أشياءٍ إن تُبدَ لكم تسؤكمْ…
منهيٌّ عنه… منهيٌّ الخوضُ فيه…
والتفكيرُ فيه أحرَمْ…
وصاحبُ السؤالِ يُؤثَمْ.”
ثم تحلمْ…
وتفكّرْ حالَها شبابْ…
قلبها أخضرْ…
كل هذا تخفي… تتحفّظْ…
على قدّ ما تقدرْ…
ما تعلنْ… ما تصرّحْ…
تكتمْ… تتكتّمْ.
وآخرُ شيءٍ فاقتْ…
وبجرأةٍ وصوتٍ عالٍ قالتْ:
“ستّة عشرَ عامًا عمري!”
ما سمعتْ…
كان ردي عليها…
ما صدر منها…
وبكل صوتٍ عالي… وبعصبيةْ…
صرختْ: “سطعش عمري!”
حطيت ايدي على خدي
فيها صفنت
من حديثها استغربت
قلتُ: معقولْ هذا يا جدّةْ؟
فقالتْ:
“تخرصْ… تقطمْ…
حطّ لسانك بفمّكَ… اقعدْ… واسكتْ…
لا تطيرْ عقلي من راسيْ…
ولا أقعدْ الطمْ…
لا أنا… ولا إنتْ قدّ الحكومةْ!
ولا في سلطةٍ بالدنيا تعلى على سلطة الحكومةْ!”
ستركْ يا ربْ…
ما وراء الشمس دربْ…
دخيلكْ يا جدّتي… اكتمْ!
عرفتْ عمري؟ استرْ!
قلتْ: إنتِ صاحيّةْ يا جدّةْ؟
فاجأتني بجوابها:
“تراكْ يا جدّيتي هسترتْ وضّيعتْ!
إنتْ قدّ ولاءْ… أهمّ من الحكومة!
اسكتْ… ولا بدي أسمع صوتك…
قومْ غاد… كائني ما سمعتْ…
ولا تعيدها عادْ!”
قرارٌ صدرْ — هذا عمري!
هذا تقديرُ حكومةٍ…
من زمانْ زمان صدرْ… واتنفّذْ…
أكل الدهرْ عليه وشربْ.
اسكتْ… وضلّك ساكتْ…
شئتْ… ولا أبيتْ…
زعلتْ… ولا رضيتْ…
تطلع فوقْ… تطيحْ تحتْ…
هذا قرارُ دولةْ… حكومةْ…
صدرْ واتنفّذْ…
وراحتْ فيه صبّة خضراءْ…
صبّة بلاطةْ…
إلى ما شاء اللهْ.
ما ظل ما بقى فات راح الطعن فيه
اهدئ ريض
وفي أشياءْ…
السؤال عنها محرّمْ…
ومن يسأل يخوض فيها يأثمْ.
ووصّى اللهُ بالوالدينْ…
فلا تقلْ لهما أُفًّا… ولا تنهرهما…
فرِضا اللهْ من رضا الوالدينْ.
وأنّ حكمَ اللهْ فوق كل حكومةٍ…
فما بالُ حوّاءْ بحكمِ اللهِ الأحكمْ؟
فافصحي عن عمركْ…
كوني الأشجعْ…
واعترفي بكِبَرْ السنْ…
كوني مع اللهِ الأعظمْ…
الذي علّمَ الإنسانَ ما لم يعلمْ.

