خلاصة تجربة حياتية مع المهمات الصعبة في المجتمع/ د. رياض خليف الشديفات

=

توصلت إلى خلاصة تجربة طويلة مع التدريس والخطابة والكتابة في الشأن العام حول مختلف ما يدور في المجتمع من قضايا واهتمامات، وهذه الخلاصة هي من مدرسة الحياة التي تعد المدرسة الحقيقية التي يظهر فيها واقع الناس بالصورة العملية بعيداً عن تنظير المدارس والجامعات وفنون الكلام في الكتب ، وفي الشعارات المرفوعة ، فقد تعلمت أن هناك مهمات صعبة لا يقدر عليها إلا الكبار ، وهذه المهمات أصعب من بناء المصانع الكبيرة ، وأصعب من بناء العمارات والأبراج الشاهقة ، فالأشياء المادية يمكن تحقيقها إذا توفرت الإمكانات المادية والإرادة والرغبة ، فأصعب المهمات على الإطلاق هي بناء الإنسان ، وهي رسالة الأنبياء والمصلحين والمفكرين التي تعنى ببناء الإنسان قبل بناء الجدران والحيطان ، ومن أصعب المهمات المهمات التالية :
• تغيير قناعات الناس : فغالب الناس يبني قناعاته على أسس معينة ، ومن الصعب تغييرها ولو كانت خاطئة ، واحياناً تصبح عملية التغيير مستحيلة أو شبه مستحيلة حول مختلف القضايا .
• تغيير أفكار الناس : في العادة غالب الناس لديهم أفكار يتمترسون حولها ولو كانت خاطئة ، ويصبح من العسير على المحاور زحزحتها .
• تغيير علاقات القائمة على المجاملات والنفاق الاجتماعي الزائف : فالعلاقات المبنية على المجاملات من الصعب محاولة تغييرها ، وينشأ عن عملية الرفض هذه أخطاء اجتماعية وسلوكيات لا تصب في الصالح المجتمعي ؛ لكونها تتنافى مع الصراحة والصدق .
• تغيير عادات الناس الخاطئة : درج أبناء المجتمع على عادات اجتماعية في المناسبات ، وعلى نمط استهلاكي معين في حياتهم ، ومن أشق المهمات على المصلحين ثني الناس عن هذه العادات على الرغم أن الكثير من هذه العادات تمارس من باب إرضاء الناس ، وليس من باب القناعة بها .
• تغيير اهتمامات الناس الخاطئة : لدى غالبية الناس اهتمامات معينة من الصعب تغييرها ، وغالب هذه الاهتمامات تبنى على شكليات ومصالح ، وبعض هذه الاهتمامات تشكل أولويات حياتية عند الناس ومن الصعب التحكم بها .
• تغيير نمط حياة الناس الاستهلاكي : من سلبيات مجتمعنا التركيز على النمط الحياتي الاستهلاكي في البناء والسيارات والأثاث وغيرها ، وتحتل أولوية في حياة الناس على الرغم من كلفتها العالية مادياً ونفسياً واجتماعياً ، وما تسببه من عسر حياتي إلا أن الناس يصرون عليها وبشدة مع كل الأسف .
• تغيير ثقافات الناس الاجتماعية الخاطئة : من الثقافات الاجتماعية الخاطئة ” ثقافة العيب ” ونوعية التخصص والدراسة للأبناء والبنات ، ومحاولة إرضاء الناس على حساب القيم والثوابت .
• تغيير قدوات الناس السلبية : سادت بين الناس في الوقت المعاصر قدوات كثيرة مبنية على الشهرة والسمعة من المطربين والفنانين والرياضيين والمشاهير من رجال المال والسياسة على حساب القدوات الاصيلة من العلماء والشهداء والنبلاء وغيرهم ، وصار من الصعب أن تتغير هذه القدوات على الرغم من أثرها السلبي على القيم والأخلاق وثقافة المجتمع .
• تغيير اتجاهات الناس المبنية على فهم خاطىء : تعددت اتجاهات الناس السياسية والفكرية والاجتماعية ، وتضاربت هذه الاتجاهات حول مختلف القضايا بحيث أصبح التحكم بهذه الاتجاهات من المهمات العسيرة بفعل مؤثرات الإعلام والثقافات الدخيلة وحسابات المصالح .
وهنا لا بد من كلمة تقال ” كان الله في عون من يسعى لبناء الإنسان بناء سليماً في ظل كل هذه المتناقضات العجيبة في زمن الانفلات الفكري والثقافي والسلوكي حتى غدت كل الأبواب مشرعة لكل من هب ودب ، ومن الواضح أن التغيير الطوعي صعب للغاية ، وقد يحدث التغيير عبر الهزات الاجتماعية العنيفة كما حدث في بعض المجتمعات التي تعرضت لحياتها للهزات، والله المستعان .

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة