دراسة لتحويل وادي الأردن لإقليم تنموي مستدام.. هل تشق طريقها إلى الواقع؟

وادي الأردن- تطالب فاعليات شعبية ورسمية، بضرورة تحويل منطقة وادي الأردن إلى إقليم تنموي مستدام ومتكامل، بهدف الاستفادة القصوى من إمكاناتها الاقتصادية الكامنة في قطاعات الزراعة والسياحة والطاقة، والمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة وخلق فرص العمل لأبنائها.
وترى أن وادي الأردن بأهميته الإستراتيجية وموارده الطبيعية يستحق رؤية متكاملة تتجاوز المشاريع المنفصلة، مشيرين إلى أن وادي الأردن بموقعه وأراضيه الخصبة وموارده المائية وأهميته التاريخية والسياحية والدينية العالمية يجعل من هذه الرؤية ضرورة ملحة.
ومؤخرا، أعد ناشطون دراسة تضمنت رؤية شاملة لتحويل وادي الأردن إلى إقليم تنموي مستدام ومتكامل، حيث تقوم على أربعة محاور تنموية رئيسية هي الزراعة الذكية والابتكار الزراعي، السياحة البيئية والعلاجية، الطاقة المتجددة، والصناعات التحويلية والخدمات اللوجستية.
ويعرب مواطنون عن أملهم بأن تترجم هذه الرؤية لتصبح واقعا، موضحين أن تحول وادي الأردن إلى منطقة تنموية سيعزز تحسين نوعية الحياة للمواطنين وتحسين المرافق العامة وزيادة مساهمة المنطقة في الاقتصاد الوطني، وبالتالي استيعاب الشباب والشابات في سوق العمل، منوهين إلى أن نجاح مشروع تحويل وادي الأردن إلى إقليم تنموي يتطلب إطلاق حوار وطني جاد لاعتماد رؤية إستراتيجية متكاملة تبدأ بإنشاء هيئة ذات صلاحيات خاصة وإصدار قانون حوافز استثمارية، مع التركيز على استدامة الموارد المائية والبيئية في هذه المنطقة الحيوية.
بهذا الخصوص، يؤكد النائب خليفة الديات أن تحويل وادي الأردن إلى “إقليم تنموي مستدام ومتكامل” يعد مشروعا وطنيا إستراتيجيا يسعى إلى تحقيق نقلة نوعية في الاقتصاد الأردني، عبر تنويع قاعدة المنطقة الاقتصادية بعيدا عن الاعتماد شبه الكلي على الزراعة التقليدية، مشيرا إلى أن هذه الرؤية تنطلق من الإمكانات الهائلة للمنطقة التي تعد سلة الغذاء الأردنية، فضلا عن أهميته التاريخية والدينية والسياحية.
ويلفت إلى أن الهدف الإستراتيجي لهذه الرؤية هو خلق آلاف فرص العمل وتحقيق نمو اقتصادي واجتماعي متوازن وزيادة مساهمة المنطقة في الناتج المحلي الإجمالي وتعزيز الأمن الغذائي والطاقة للمملكة، مبينا أن الرؤية تتلخص في نموذج تنموي متكامل يرتكز على أربعة محاور أساسية وهي الزراعة المتطورة الذكية باستخدام التقنيات الحديثة لتعزيز الأمن الغذائي ومواجهة التحديات المائية وتطوير السياحة البيئية والعلاجية في منطقة البحر الميت والحمة والزارة، والسياحة الدينية بوجود العديد من المواقع كالمغطس والمقامات والأضرحة والعمل على استغلال الطاقة الشمسية من خلال إقامة محطات توليد على امتداد الوادي، إضافة إلى محور الصناعات التحويلية والخدمات اللوجستية المرتبطة بإنشاء مناطق صناعية غذائية متخصصة (تعليب، تجميد، تجفيف).
“هيئة تنمية وادي الأردن”
ويشدد النائب الديات على ضرورة إنشاء هيئة تنمية وادي الأردن ذات صلاحيات خاصة، على غرار هيئة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة وإصدار التشريعات اللازمة لتسهيل الإجراءات وتقديم الحوافز الاستثمارية الجاذبة، مضيفا: “يجب تشكيل لجنة وطنية رفيعة المستوى لتبني وتطوير هذه الرؤية، والبدء بمشاريع ريادية ناجحة كنواة للتطوير الشامل، ووضع خطة تسويقية دولية قوية لجذب الشركاء العالميين”.
ويؤكد أن “فكرة الأقاليم التنموية وردت ضمن خيارات مسودة مشاريع الأقاليم، وقد أكد أحد أعضاء اللجنة الملكية لصياغتها على أنها تهدف إلى تطبيق مبدأ اللامركزية لتسهيل تقديم الخدمات وتحقيق التنمية”، موضحا أن تحويل وادي الأردن هو مشروع وطني ذو أولوية ونجاحه مرهون بتبني رؤية متكاملة لا مجرد مشاريع منفصلة.
ويتفق عدد من الناشطين والمواطنين في الوادي على أن التحول إلى إقليم تنموي هو ضرورة وليست ترفا، معتبرين أن الإمكانات الزراعية والسياحية الهائلة للمنطقة لم تستغل بالكامل حتى الآن.
ويقول رئيس اتحاد المزارعين عدنان الخدام إن التحول التنموي يجب أن يركز على تطوير مراكز التعبئة والتغليف والتبريد لتقليل الفاقد وضمان وصول منتجاتهم بجودة عالية للأسواق العالمية والمحلية، مشددا على ضرورة تعزيز جهود مواجهة آثار التغير المناخي على القطاع الزراعي.
ويلفت إلى أن القطاع الزراعي في الوادي هو قاطرة التنمية الحقيقية ويحتاج إلى منظومة دعم مختلفة كليا عن مثيلاتها، قائلا “اليوم يعاني المزارع من تدني أسعار بيع المنتجات في ظل غياب الأسواق التصديرية والاستهلاكية الكافية للحفاظ على الأسعار ضمن مستويات مقبولة لجميع الأطراف”.
ويلفت إلى أن جملة من التحديات ما تزال تشكل عقبة حقيقية أمام المزارع كالتسويق وتكاليف الإنتاج المرتفعة خاصة في مجال الطاقة والأسمدة، قائلا “إن تحويل الوادي إلى إقليم تنموي يجب أن يبدأ من البنية التحتية الزراعية، فنحن بحاجة ماسة إلى تطوير وتحديث منظومة مياه الري في ظل تحديات المياه المتصاعدة، وإلى إنشاء أسواق مركزية متخصصة ومناطق لوجستية حديثة قرب مناطق الإنتاج مباشرة، وإيجاد حوافز حقيقية لتركيب أنظمة الطاقة الشمسية في المزارع ودعم مدخلات الإنتاج الزراعية وضمان عدالة في تسويق المنتج محليا وخارجيا بما يضمن استدامة أعمال المزارعين ويعزز الأمن الغذائي للمملكة”.
أما الناشط الاجتماعي الدكتور عمر السعد العدوان، فيؤكد أن الاستثمار في السياحة، لا سيما في منطقة البحر الميت، سيعزز من تنمية المجتمع المحلي بشكل مباشر عبر خلق فرص عمل وتنويع مصادر الدخل، ويجعل المنطقة وجهة سياحية متكاملة تجمع بين الزراعة والسياحة العلاجية والبيئية.
مزيج فريد من المقومات
ويلفت إلى أن الاستثمار في قطاع السياحة يعد الرافعة الأقوى لتنمية المجتمعات المحلية بشكل مباشر، خاصة وأن الوادي يمتلك مزيجا فريدا من المقومات التي تجعل منه وجهة سياحية متكاملة، بدءا من المناظر الطبيعية الخلابة على ضفاف نهر الأردن والبحر الميت، وصولا إلى المواقع الأثرية والتاريخية، مشددا على أن تطوير هذا القطاع يعني خلق آلاف فرص العمل المستدامة لأبناء المنطقة، لا سيما النساء والشباب في مجالات الإيواء والخدمات الفندقية والمطاعم وخدمات الإرشاد السياحي المحلي.
ويشاركه الرأي الناشط الدكتور سامي العايدي قائلا “إن تنشيط السياحة يدعم الصناعات الحرفية والمنتجات الريفية التي تنتجها المجتمعات المحلية، مما يساهم في تنويع مصادر دخل الأسر ويقلل الاعتماد الكلي على الزراعة”، مضيفا “يشكل الاستثمار في السياحة العلاجية والدينية ميزة تنافسية فريدة لوادي الأردن، إذ تتركز السياحة العلاجية حول مياه البحر الميت الطينية والمعدنية، التي تعد وجهة عالمية لعلاج الأمراض الجلدية والمفاصل، بالإضافة إلى ينابيع الحمة الساخنة شمالا، وتطوير منتجعات متخصصة وفق أعلى المعايير العالمية سيجذب سياحا ذوي إنفاق عالٍ مما يرفع من جودة الخدمات في الوادي ويدعم قطاع الخدمات الصحية.”
ويقول “أما السياحة الدينية فتشمل موقع المغطس (موقع عماد السيد المسيح)، الذي يعد أهم موقع مسيحي للحج في العالم وعدد من مقامات الصحابة والمواقع الأثرية القديمة، والاستثمار في البنية التحتية والخدمات المحيطة بهذه المواقع لا يخدم فقط الجانب الروحي بل يعزز من الحركة الاقتصادية للمدن والبلدات القريبة ويضع الوادي على الخريطة السياحية العالمية كوجهة ذات أهمية تاريخية وإيمانية عميقة.”
وبحسب الدراسة التي أعدها الناشطون، فإن الرؤية الشاملة لتحويل وادي الأردن إلى إقليم تنموي مستدام متكامل تقوم على أربعة محاور تنموية رئيسية، أولها الزراعة الذكية والابتكار الزراعي، إذ تقترح الدراسة الانتقال الجذري من أنماط الزراعة التقليدية ذات الاستهلاك المائي المرتفع إلى ممارسات الزراعة الذكية التي تركز على الجودة والقيمة المضافة وتقليل كلفة الطاقة والمياه عبر دعم أنظمة الري بالتنقيط بمحطات طاقة شمسية، وإنشاء مجمعات متطورة للبيوت المحمية التي تتحكم بالمناخ وتضمن أقل استهلاك للمياه مع إنتاجية عالية ومواصفات تصديرية ممتازة.
التنوع الطبيعي والمناخي
المحور الثاني هو السياحة البيئية والعلاجية، والذي يهدف إلى الاستفادة من التنوع الطبيعي والمناخي والمواقع التاريخية والدينية للوادي، وتطويره كوجهة سياحية متكاملة، كتطوير منتجعات السياحة العلاجية وتطوير الينابيع الطبيعية لإنشاء منتجعات صحية وعلاجية عالمية، وتعزيز سياحة المغامرات والطبيعة كمسارات الهايكنغ وركوب الدراجات، واستثمار موقع الوادي كمسار عالمي لهجرة الطيور، إضافة إلى السياحة الدينية والتراثية كتطوير البنية التحتية المحيطة بالمواقع الدينية مثل موقع عماد السيد المسيح (المغطس) والمواقع الأثرية والمقامات.
أما المحور الثالث، فهو الطاقة المتجددة، والذي يهدف إلى اعتماد وادي الأردن كمركز للطاقة النظيفة وتحويله إلى مركز إقليمي لإنتاج الطاقة النظيفة وخاصة الطاقة الشمسية، من خلال استغلال الأراضي غير الصالحة للزراعة لإقامة محطات للطاقة الشمسية.
والمحور الرابع هو محور الصناعات التحويلية والخدمات اللوجستية، والذي يهدف إلى تقليل الهدر وزيادة التنافسية لإضافة قيمة للمنتجات الزراعية وضمان وصولها للأسواق العالمية بأعلى جودة، من خلال إنشاء مناطق صناعية غذائية متخصصة في التصنيع الغذائي (تعليب، تجميد، تجفيف، عصائر) لتقليل الهدر، وإقامة مراكز التعبئة والتغليف والتبريد لضمان الجودة والتخزين الفعال، وتطوير صناعات مرتبطة بالزراعة مثل تصنيع أنظمة الري المتقدمة والأسمدة العضوية.
وأبرزت الدراسة عدد من التحديات التي تواجه تنفيذ الرؤية، أبرزها التحدي المائي وهو التحدي الأكبر، ما يتطلب حلولا مبتكرة لإدارة الطلب وزيادة العرض، مع التركيز على الاستخدام الآمن والكفء للمياه المعالجة.
كما أشارت إلى التحدي التمويلي، والذي يتطلب استثمارات ضخمة وشراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص، وجذب ممولين دوليين كالبنك الدولي والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، والتحدي البيئي والحاجة إلى دراسات تقييم أثر بيئي شاملة لضمان استدامة التنمية وعدم المساس بالتوازن البيئي الهش في المنطقة.
وتطرقت الدراسة كذلك إلى تحدي إيجاد إطار قانوني مؤسسي كإنشاء هيئة تنمية وادي الأردن بصلاحيات خاصة وإصدار التشريعات اللازمة لتوفير بيئة جاذبة، إضافة إلى النهوض بالبنية التحتية كتطوير شامل للطرق وشبكات الاتصال وشبكات المياه والصرف الصحي، وإنشاء محطات معالجة مياه متطورة مخصصة للزراعة، إضافة إلى بناء القدرات وتأهيل وتدريب الكوادر المحلية في المجالات الجديدة كالزراعة الذكية وإدارة السياحة والطاقة المتجددة.

