رئاسة البرلمان.. المعركة تبدأ مبكرا بين أنصار الاستقرار والتغيير

في أروقة مجلس النواب، وفي الجلسات المغلقة التي تُعقد في عمّان وخارجها، لا صوت يعلو هذه الأيام فوق الحديث عن الدورة المقبلة ورئاسة المجلس، فيما يحتدم النقاش بين رأيين؛ أحدهما يراهن على استمرار الرئيس الحالي للمجلس أحمد الصفدي في موقعه، وآخر يرى أن التغيير أصبح ضرورة، بل “سنة حياة”، مستحضرًا ملاحظات وأداء الدورة الماضية كحجج داعمة لموقفه.

الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة العشرين ستبدأ دستوريًا في الأول من تشرين الأول/أكتوبر المقبل، ويرجّح أن تُفتتح في النصف الأول من الشهر ذاته، وهذا يعني أن الحراك النيابي بدأ مبكرًا، قبل نحو 60 يومًا من موعد الافتتاح، في مشهد تتداخل فيه الحسابات الحزبية والكتلوية والشخصية على نحو غير مسبوق.
ورغم أن الوقت ما يزال مبكرًا، فإن سباق الرئاسة يشهد تكثيفًا للقاءات والاتصالات، وسط إدراك جميع الطامحين أن هذه المعركة لها حسابات معقدة، وأن القرار النهائي يتشكل في غرف متعددة، وتجارب الماضي تؤكد أن الاسم الحاسم لا يظهر بوضوح إلا قبل 24 إلى 48 ساعة من افتتاح الدورة.
أسماء على خط التنافس
أولى الإشارات الجدية في السباق جاءت من كتلة (تقدم) التي أعلنت مبكرًا دعمها للنائب مصطفى الخصاونة مرشحا رسميا لها، وهذه الخطوة تحمل في طياتها رسالة مزدوجة: أولًا، أن الكتلة تسعى لفرض حضور قوي في المشهد البرلماني وعدم ترك زمام المبادرة للكتل المنافسة، وثانيًا، أنها تراهن على شخصية الخصاونة التي تجمع بين الخبرة القانونية والحضور البرلماني، فإعلان الترشيح المبكر يمنح الخصاونة وقتًا أطول لبناء تحالفات، لكنه في الوقت نفسه يضعه تحت ضغط مبكر، حيث يصبح هدفًا للمناورات المضادة ومحاولات تفتيت الأصوات داخل الكتل الأخرى.
ويكثف الخصاونة لقاءاته مع نواب من كتل مختلفة، في محاولة لتوسيع قاعدة دعمه، موجهًا رسائل سياسية تدعو لتجديد قيادة المجلس وتعزيز الدور الرقابي والتشريعي، مع انتقادات ضمنية لوتيرة العمل البرلماني في الدورة الماضية.
وبذلك، فإن كتلة (تقدم) فتحت مواجهة مباشرة مع الرئيس الحالي أحمد الصفدي الذي لم يعلن حتى الآن ترشحه رسميًا، مكتفيًا بقرار صادر عن كتلته بأن الحسم سيكون بيدها، بعد أن أعلن ثلاثة من أعضائها نيتهم الترشح، بينهم مجحم الصقور وعلي الخلايلة.
ورغم عدم الإعلان الرسمي، فإن الصفدي يبقى من بين الأوفر حظًا، مستندًا إلى شبكة تحالفاته وقدرته على التشبيك، ورغم تباين المواقف داخل كتلته (الميثاق الوطني) ووجود منافسين من صفوفها إلا أنه يحظى بقاعدة دعم معتبرة، ويراهن على أن الاستقرار في رئاسة المجلس ضرورة لمواجهة أجندة تشريعية مزدحمة، تشمل الموازنة العامة ومشاريع قوانين اقتصادية حساسة.
ولذلك؛ فإن الصفدي يتحرك بهدوء محسوب، مدعومًا برصيد خبرة في نسج علاقات مع أطياف نيابية، ويراهن على معادلة (الاستقرار) في مواجهة الرغبة في التغيير، وتشير مصادر إلى أن الرجل بدأ بالفعل جولات اتصال غير معلنة مع رؤساء كتل وأعضاء مؤثرين لضمان تجديد الثقة.
أما خارج أجواء (الميثاق)، فيبرز اسم النائب خميس عطية، رئيس كتلة (إرادة والوطني الإسلامي)، كخيار توافقي محتمل يحظى باحترام واسع، ويمكن أن يكون بديلا محتملا، كما يراقب المشهد النائب مصطفى العماوي، أمين عام الحزب الوطني الإسلامي، الذي تردّد خبر ترشيحه لفترة قصيرة قبل أن يتلاشى، ما جعله يبدو أشبه بـ”بالون اختبار” لقياس ردود الفعل.
لعبة الأرقام والمواقع
بعيدا عما يتسرب، لكن في الكواليس تدور مفاوضات دقيقة تتداخل فيها المصالح الكتلوية والحزبية والمناطقية، فيما تمثل المناصب في المكتب الدائم (نائبا الرئيس والمساعدان) ورئاسة اللجان الدائمة “العملة السياسية” الأهم في هذه المرحلة، وفي تلك المفاوضات.
فبعض النواب يربطون دعمهم لمرشح بعينه بالحصول على رئاسة لجنة خدمات أو مالية أو قانونية، فيما تعقد تفاهمات غير مكتوبة لكنها مضمونة بكلمة شرف.
وكما جرت العادة، فإن الحسم النهائي غالبًا ما يتم قبل ساعات من انعقاد الجلسة الأولى، عبر اتصالات مكثفة واجتماعات سريعة خارج أسوار البرلمان.
ما بعد الفوز.. معركة أخرى
الفوز برئاسة المجلس هذه المرة لن يكون نهاية المعركة بل بدايتها، فالدورة المقبلة تحمل ملفات سياسية واقتصادية ضاغطة، وستضع الرئيس الجديد أمام اختبار فوري لإثبات قدرة المجلس على العودة إلى قلب المشهد الوطني، وممارسة دوره التشريعي والرقابي بفاعلية، والرأي العام، الذي لاحظ غياب المجلس عن قضايا مهمة خلال العطلة، سيكون أكثر تشددًا في الحكم على الأداء وأقل تسامحًا مع المبررات.
ويعكس المشهد الحالي معركة غير تقليدية على المقعد الأهم في البرلمان، حيث تتصارع رغبة الاستمرارية التي يمثلها الصفدي، مع دعوات التجديد التي يرفعها آخرون، والنتيجة هذه المرة لن تحدد فقط من يدير جلسات المجلس، بل ستؤثر على شكل العلاقة بين البرلمان والحكومة، وطبيعة التشريعات التي سترى النور خلال العام المقبل.
وفي المجمل، فإن المشهد الانتخابي لرئاسة مجلس النواب يتشكل بوتيرة متسارعة وغير مسبوقة، وتتحول الكواليس إلى خلية نحل، حيث تتداخل وعود المناصب مع مفاوضات التحالفات، ويُطرح سؤال واحد على الطاولة، من سيجلس على الكرسي الأول تحت القبة؟
فالمجلس، الذي غاب خلال عطلة طويلة عن قضايا ملحّة مثل ارتفاع الأسعار، وتطورات الملف الإقليمي، وتحديات القطاع الصحي والتعليمي، يواجه الآن انتقادات علنية حول فاعليته. وهذا الغياب، وفق مراقبين، جعل الشارع أقل حماسة وأكثر تشككًا في قدرة النواب على تأدية دور رقابي وتشريعي متقدم، وهو ما ينعكس على أجواء سباق الرئاسة.
ورغم أن كل الطامحين يعرفون أن معركة الرئاسة لها حسابات معقدة، وأن الاسم الأوفر حظا لا يمكن التبنؤ به الآن، فإنهم يتحركون تحت يافطة (نحن هنا)، إذ إن تلك التحالفات يمكن أن تفيد في صياغة القرار النهائي لاسم الرئيس المقبل لمجلس النواب.

جهاد المنسي/ الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة