رغم كل مواقف التواطئ والخذلان..غزة…تنتصر وتكشف العورات.// نايف المصاروة

=

غزة ليست اجمل المدن العربية وليست أغناها ، وليست شواطئها أشد زرقة وأكثر جمالا من بعض الشواطئ العربية الاخرى،كما يقول محمود درويش.وليس في غزة نفط ولا غاز ،ولا مناجم ذهب أو نحاس، ولكن في غزة تولد فكر التمرد على الساده وصناع القرار ،فأصبحت تعادل تاريخ أمة ،وأعادت المجد التليد لها ،وقد تحررت من كل صفات الذل والخنوع والإستسلام والإنكسار.فأصبحت الأكثر قدوة والاشد قدرة على تعكير مزاج العدو الصهيوني المحتل وأعوانه وأذنابه ،والكابوس الاشد لإقلاق راحته ،وقد تمدد في كل الاتجاهات ،سعيا لتحقيق حلم اسرائيل الكبرى ، تارة في التطبيع وكثرة توقيع الإتفاقيات والمعاهدات ، وتارات في الإذلال وخلق الفتن والمؤامرات، يقصف تارة هنا وينتهك السيادة هناك بلا حسيب ولا رقيب.ودول أو دويلات ليس لها من الرد على ذلك إلا الشجب والإدانة ،او التقدم بالشكوى لمجلس الأمن…!وفي عرف العدو المحتل وأعوانه..من يخالف سير القطيع يعذب أو يحاصر أو يقتل ويسلخ جلده ،حتى لا ينتشر فكره …؛ولا عجب ..أن تعرضت غزة للعديد من المؤامرات الدولية والإقليمية لتصفيتها، فقام العدو الصهيوني المحتل والحاقد وبدعم دولي ، وبحجة الدفاع عن النفس ، بتنفيذ عدة هجمات عدوانية على غزة ، منها ما كان في آخر عام 2008، ثم تكرر عام 2012،ثم بشكل اعنف وأقوى في تموز عام 2014، ثم تجدد مرة رابعة في رمضان عام 2021 .وفي كل مرة منها قتل العدو الصهيوني ، المئات وجرح آلاف من الغزيين ،ودمر آلاف المنازل والمؤسسات، والمجتمع الدولي كله لا يملك إلا الشجب والتنديد ،ورغم الإدانة سابقا من مجلس الأمن يفلت الجاني والمجرم من العقاب جزاء ما اقترف من جرائم ، ويجتمع العالم ويتنادى في عدة مؤتمرات لإعادة الإعمار ،ونفس الجاني هو الذي يتحكم كيف يكون الإعمار.

واستمر العدو الصهيوني بأعماله الاستفزازية، التي ارتكبها ويرتكبها ،في كل فلسطين والتي منها الكثير من عمليات القتل والجرح والاعتقال ،والاستمرار في الاستيطان ،وكثرة المحاولات لتدنيس المسجد الأقصى وغيرها .وكرد طبيعي على الظلم والقهر ، وفي 7 /اكتوبر نفذت المقاومة الفلسطينية ، عملية طوفان الأقصى التي استهدفت قوات الاحتلال الإسرائيلي وما نتج عنها من قتل وجرح وأسر للمئات من الجنود الصهاينة ، الأمر الذي أوغل صدور الصهاينة ، فاستعان بشركاءه وأذنابه في العالم فآزروه ،ليقوم بأكبر عملية إبادة إنسانية جماعية في القرن الحديث.

فقد تجدد العدوان الإسرائيلي على غزة للمرة الخامسة وبشكل اعنف وأبشع ،وما تتعرض له فلسطين كلها بشكل عام وغزة بشكل خاص منذ نحو أربعة أسابيع،من تدمير وقتل وجرح وتشريد واعتقال أمر يشيب له الولدان.فقد وصل عدد الشهداء إلى أكثر من 9 الآف شهيدا وأكثر من 30 الف جريح ،ومئات آلاف من المشردين والنازحين ، بعد إن تم تدمير عشرات الآلاف من المنازل على رؤوس ساكنيها.وما ترتكبه عصابة الاحتلال الصهيوني من مجازر وحشية وما رافقها من جرائم أخرى كقطع الكهرباء ومياه الشرب واستهداف المدنيين، وقصف المساكن والمباني المدنية والمستشفيات ودور العباده والمدارس وغيرها ، واستخدامه للأسلحة المحرمة دوليا ،هي جرائم إبادة جماعية بكل ما يعني ذلك .ويتم العدوان الصهيوني على غزة ، تحت غطاء دولي أوروبي تتولى أمريكا قيادته والمشاركة به تخطيطا وتمويلا وتنفيذا ،وقد أعلنت وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي صراحة، أنها تقف إلى جانب اسرائيل وتمدها بكل ما تحتاجه من سلاح ومال ومنه ما تم إقراره مؤخرا ،وبمبلغ 14 مليار دولار ، وتبرر لها جرائمها سياسيا وقانونيا بحجة الدفاع عن النفس.في عرف أمريكا… أن تقديم العون بكل مسمياته لاوكرانيا حلال ومباح، وواجب يرتقي لأن يكون مقدس ووطني !ولكن في عرفها وسياستها،ان تقديم العون لأهل فلسطين يعتبر إرهابا؛وفي عرف أمريكا السياسي.. يحرم على أهل فلسطين مقاومة المحتل الصهيوني، وأن ذلك يعتبر ويعد إرهابا، فيما يسمى قتل الفلسطينيين العزل وهدم منازلهم والتنكيل بهم.. دفاعا مشروعا عن النفس؛أي عجب هذا…. مسموح هناك لأوكرانيا ،كل ما هو محرم هناااا على أهل فلسطين!عجيييييب… ومن التعجب ان اسأل… أين هي العدالة والقانون الدولي، وعصبة الأمم وكل مواثيقها ؟

ويجري كل ما جرى ويجري اليوم على أرض غزة العزة ،والنظام العربي الرسمي لا يملك إلا الدعوة إلى المؤتمرات والقمم ،وكما هو عهده من موشحات الشجب والإدانة والتحذير والاستنكار ومبررات التخدير !وشعوب مقهورة تخرج إلى الشوارع والميادين تنادي وتئن،وكل (المم) المتحدة ومعها كل المنظمات التي تدعي رعايتها لحقوق الإنسان وحمايتها للطفولة ،تقف موقف المتفرج ، لا تملك من أمرها شيئا إلا إقامة الحجة على المستضعفين ،لترسخ في الأذهان واقع وحقيقة قانون شريعة الغاب .وأسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي.

وبالرغم من كل الدمار في غزة، وتكرار القتل والجرح المؤلم والمفزع ،الذي وصل إلى العهر والطغيان من قبل الصهاينة واستهداف المدنيين ،الذين جلهم من الأطفال والنساء .وبعد نحو شهر من العدوان الصهيوأمريكي المستمر على غزة ، وما نتج عنها من مجازر ارتكبت وترتكب وتتكرر يوميا.

إلا أن كل ذلك لم يكسر إرادة الصمود والتحدي، التي اظهرها الشعب الفلسطيني في غزة، والتي تجلت بالبقاء ورفض واقع التهجير،الذي تمت الدعوة إليه بكل الطرق ،ومنها القصف المتعمد لإحياء بأكملها ،وقطع المياه والكهرباء والوقود ،حتى وصل الأمر إلى قطع شبكات الاتصالات كلها .كما لم تستطيع اسرائيل وكل حلفاءها وأذنابها من أعراب وعجم، أن تعزل عامة أو أغلب الشعب الفلسطيني في غزة وفلسطين كلها عن المقاومة .إن إرادة التحدي والصمود الشعبي الفلسطيني في غزة ،قد أثبت للعالم كله أن الحق أبلج ولو تعالى الباطل ولجلج .ولهذا اقول..رغم كل التواطئ الدولي الرسمي بكل هيئاته ومنظماته ،ورغم كل الخذلان من الأقربين من عرب ومسلمين ،إلا إن غزة انتصرت على الصهاينة المحتلين وأعوانهم ومن معهم من الأذناب من عرب وعجم.

انتصرت غزة..لأنها اثبتت للعالم كله بشكل عام والعربي والإسلامي بشكل خاص،أن غزة وحدها هي الحرة والمستقلة ،وما سواها أسير ومحتل ولو تعددت ايام الإحتفال بالإستقلال المزعوم.انتصرت غزة …عندما أثبتت أن بعض الأنظمة العربية الرسمية أو جلها هي أنظمة تسير وفق إرادة ورغبة الرعاة في البيت الأبيض إياه لا سواه .انتصرت غزة في حربها مع الصهاينة المحتلين ،عندما كشفت عورات الأنظمة العربية وحكوماتها ،وكذبهم وتدليسهم على الشعوب، إذ تجلت حقيقة أن السلام والتطبيع مع العدو الصهيوني المحتل ، ما هو إلا لخدمة العدو الصهيوني وحده ، وليس من أجل خدمة القضية الفلسطينية كما يدعون وكانوا يزعمون ،إذ لم تستطع كل الأنظمة وإتفاقياتها ومعاهداتها ،إدخال الغذاء والدواء والماء إلى غزة ،رغم أن لغزة حدود برية مع بعض الدول العربية،وقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن القرار الأول ومن يعطي الضوء الأخضر للمنع أو القبول، هو كيان إلاحتلال الصهيوني المحتل أو مرضعته أمريكا، وقد أعلن النتن ياهو..بأنه لن تدخل قطرة واحدة من الوقود إلى غزة،وقد أثبتوا ذلك ،ففتح معبر رفح الحدودي،بعد أعلن بايدن عن هدنة مؤقتة فقط لإخراج الرهائن ومنهم الأمريكيين بشكل خاص،وتأكيده ..بأنه لا يعني ذلك إيقاف الحرب بشكل كامل !فإن كان السادة والساسة في عالمنا العربي رجالا ، فليثبتوا لنا أنهم قادرون على فتح المعبر أو غيره وإدخال الوقود فقط.. لتشغيل المولدات في المستشفيات التي توقف بعضها عن العمل،مهددا بموت حياة الآف من المرضى،وقد توفي بعضهم بسبب ذلك .

انتصرت غزة ..عندما أعادت قضية إحتلال فلسطين إلى الواجهة ،فانتصرت لها الشعوب الحرة في كل دول العالم ، تأييدا واحتجاجا على الجرائم التي يرتكبها الصهاينة بحق أهل غزة .

وسيكتب التاريخ أن غزة المعزولة والمحاصرة ، قاتلت لوحدها جيش الاحتلال الصهيوأمريكي ، وحولها كل العرب بجيوشهم وأسلحتهم ولم يحركوا ساكنا.

وسيكتب التاريخ أن غزة رسمت طريق العزة والكرامة للأمة كلها ،وثبتت على مواقفها ولم ترضخ للإحتلال وأعوانه ،في الوقت الذي كان فيه بعض قادة الأمة أو جلهم لا يملكون إلا الشجب والإدانة والتحذير ومبررات التخدير ،وبعضهم يوقع اتفاقيات للتعاون الاقتصادي، وآخر يفتتح بطولات للألعاب الإلكترونية ، وبعضهم ينفي أي خوف على اتفاقيات التعاون مع الكيان الصهيوني المحتل، وبعضهم في سبات شتوي لم يجرأ على القول ولو كلمة واحدة.

وفي ظل كل ما يجري … هل من صحوة ضمير عربية وإسلامية وعالمية، لإحقاق الحق، ونصرة شعب فلسطين، والوقوف معه بالحق والعدل لإستعادة حقوقه وتحرير أرضه ونيل إستقلاله؟وهل من صحوة ضمير لدى هيئة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن وكل المنظمات الحقوقية ، لمحاسبة العدو الصهيوني المحتل على كل جرائمه التي ارتكبها بحق أهل فلسطين بشكل عام واهل غزة بشكل خاص؟

ختاما ..اولا اقول لأهل فلسطين كلها واهل غزة خصوصا…اثبتوا واصبروا وصابروا…واستعينوا بالله ..فما النصر إلا صبر ساعة ،وانظروا إلى عظيم فضل الله تعالى وقوته ومدده ونصره ،فما النصر إلا من عند الله.وتذكروا…حال المؤمنين يوم بدر ،ويوم الخندق ،وفي يوم فتح مكة..!وانظروا إلى حجم التأييد والتعاطف الشعبي معكم وعلى مستوى العالم .وإن في ذلك بشائر خير ، وتذكروا أن لكل ظالم نهاية، وتذكروا أن فرعون الذي طغى وتجبر وقال للناس أنا ربكم الاعلى ،فإن اول من كفر به هم السحرة الذين قربهم إليه ،ثم زوجته ٱسيا التي قص عنها القرآن العظيم قولها (ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين) .وتذكروا…أن موعدهم الصبح،وتذكروا..أن النصر صبر ساعة.

ثانيا …اقول لسادتنا وساستنا..وصناع القرار في عالمنا العربي وإسلامي ،لقد أظهرت الحرب الصهيونية على غزة واقعا مريرا ، فأسقطت ورقة التوت وكشفت عوراتكم وبانت حقائقكم ،وسيأتي يوم قريب ،سيفضحكم العدو الصهيوني كما فضح من كان قبلكم.كيف لكم أن تناموا أو تأكلوا …، وانتم ترون اطفال غزة ونساءها وشيوخها وهم يقتلون ؟بل كيف لكم أن تناموا وانتم ترون النساء والحرائر في غزة وهن يستنجدن… واعرباااه واسلاماااه ، أو تنادي على بعضكم بأسماءكم وانتم لا تجيبون؟أما سمعتم تلك الحرة التي تحمل جثة طفلها وتبكي، وتقول ..لست ابكي من جور وظلم الصهاينة المحتلين ، فهذا طبعهم ودينهم وديدنهم ، ولكني ابكي من خذلان الأقربين…!فبادروا…إلى لملمة ما تبقى من بقية الحياء ،وماء الوجه ،واغيثوا أهل غزة ،وانتصروا لدينكم وعروبتكم ، أو على الأقل انتصروا للقانون الدولي الغائب أو المغيب ،كتلك الدول التي سارعت إلى قطع كل علاقاتها مع الكيان الصهيوني المحتل ،احتجاجا على جرائمه التي خالفت كل التوصيفات القانونية والإنسانية.أما سمعتم ذلك الطفل الغزي الجريح الذي كتب…(إلي جهزتوه لغزة ابعثوه للمحتل، وإلي عملتوه مع المحتل اعملوه معنا وقتها بنكون اخوة عنجد).يا حيف والله …!هل من الكرامة ..والأخلاق والدين..أن نرسل الاكفان إلى أهل غزة ،وتكون اول ما يصل إليهم !اليس ذلك عيب وعار ؟

وإلى من يتمسكون بخيار السلام وينادون به أقول..

إن عدم محاسبة إسرائيل على جرائمها، سابقا ولاحقا سيجعلها تستمر في غيها وبغيها وتكرر إجرامها.ومن منطلق القانون الدولي الذي لا أومن به ولا أصدقه ، ولكن…إن أرادوا أن يجربوا جدية الاحتلال الصهيوني ومسعاه للسلام ،فعليهم أولا إجباره على تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 242، وانسحابه إلى حدود عام 1948،وتركه لكل الأراضي العربية التي احتلها عام 1967، ثم بعد ذلك يكون مقام ومقال السلام، إن كان هناك من بقي يصدق او يثق بالصهاينة.لكن لا ولن يكون السلام وإسرائيل تقتل وتجرح وتعتقل وتدمر المساكن وتحتل الأرض وتتوسع يوميا وتبني المستوطنات والمستعمرات.والسؤاال الذي يطرح دائما…الى متى ستبقى إسرائيل تقتل وتشرد ، وتعتدي وتدمر، بلا حسيب أو رقيب ؟

وثالثا..أقول ..للشعب الفلسطيني في الداخل الفلسطيني ..اين انتم يا اهل الخليل وبئر السبع والنقب ..واللد والرملة وحيفا وعكا والقدس وجنين ونابلس وطولكرم واريحا وغيرها…!

نعم إن ما تقومون به أو بعضكم جميل ومقدر واسال الله ان يثبتكم ويتقبل منكم، ولكنه ليس بكاف ، أشعلوا فلسطين كلها نارا .اين هي تلك البنادق التي نراها عند تشييع الجنائز ؟كونوا مع إخوانكم في غزة..آزروهم بكل بما تستطيعون ،اشعلوا ثورات بكل مسمياتها ،اضرابات ومظاهرات ، لا تخبوا ولا تهدأ ،ضاعفوا الضغط على العدو وخففوا عن إخوانكم فأنتم الأقرب مكانا،والأقدر على المواجهة والمنازلة.احذروا ثم احذروا…من التولي يوم الزحف فأنتم تقاتلون عدوا طامع وجبان ،ولا تغرنكم عدده وعتاده،فإن كل ذلك أوهن من بيت العنكبوت.ورابعا…أقول لكل الشعوب العربية والإسلامية..إياكم أن تألفوا مناظر ومشاهد القتل والتدمير فتعجزوا أو تقنطوا أو تفتروا ،كل منكم يقدم ما يستطيع، جاهدوا بأموالكم وايديكم والسنتكم وأقلامكم ،افضحوا جرائم العدو وانتصروا لإخوانكم.أيها العرب..تذكروا ..اكلت يوم أكل الثور الابيض ،وتذكروا..أذا تركت أخاك تأكله الذئابفاعلم بأنك يا أخاه ستستطاب .ويجيء دورك بعده في لحظةأن لم يجئك الذئب تنهشك الكلاب .أن تأكل النيران غرفة في منزل .فالغرفة الاخرى سيدركها الخراب.

جميل وواجب إنساني أن نسارع للإغاثة، وان نرسل المساعدات الإغاثية والطبية، والمستشفيات الميدانية، لكن الأجمل والواجب الأكبر هو القدرة على إيصال تلك المساعدات إلى من يستحقونها في غزة على وجه الخصوص .والاجمل والاولى هو كف يد الصهاينة المعتدين المحتلين ، عن العبث والتدمير والقتل المتكرر إما بقوة القانون ..أو بالوحدة وقوة السلاح!والله غالب…

كاتب وباحث أردني.

 

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة