ريم سعادة: الفنان الأردني لا يلقى إلا وعودا و”مغيب” عن الدعم

ترى الفنانة الدكتورة ريم سعادة أن الدراما الأردنية بدأت تسير في الطريق السليم، وذلك مع بدء إزالة الآثار السلبية التي أسهمت في انعكاسها على نوعية الدراما وتقدمها الى الأمام وإعادة ألقها كما كانت في عقود السابقة، وذلك بتقديم النصوص الدرامية الجيدة.
النص الدرامي الجيد، وفق سعادة، هو الذي يسهم بصناعة عمل درامي يستهوي الجمهور، ويبرز مكانة أداء الممثلين وتصدرهم المشهد الدرامي الأردني، سواء في المسرح أو الدراما التلفزيونية والأفلام السينمائية.
وأكدت سعادة “أن هناك غيابا واضحا للدراما الإذاعية التي كنا نتصدرها ونحصد الجوائز في المهرجانات الإعلامية، وبعدما كنا من أوائل المدبلجين للأعمال والمسلسلات المدبلجة البشرية والكرتونية تراجعنا في هذا المجال، لأن المهنة أصبحت ارتزاقاً، وليس فناً وتم إقصاء الفنانين عنها، مما أدى إلى هجرة طاقات فنية إبداعية إلى خارج الوطن بحثا عن الفرص الفنية، وبحثاً عن فضاءات أكثر اتساعاً وعلواً، أما الرواد الفنانون فوضعوا على الرف، ولكنا دائما متفائلون بأنه لا يصح إلا الصحيح والقادم أفضل.
وتشارك سعادة الحاصلة على درجة الدكتوراه في الفلسفة والإرشاد النفسي، في المسلسل الدرامي البدوي الريفي الأردني الذي يحمل عنوان “المشراف” من إنتاج التلفزيون الأردني وإخراج شعلان الدباس، وتأليف محمود الزيودي، والذي يشارك به عدد كبير من النجوم الأردنيين، وهناك أعمال فنية قيد الدراسة، وفق ما ذكرته في حديثها لـ “الغد”.
كما عزمت سعادة التي عملت في المجال الفني لأكثر من ثلاثة عقود، خوض غمار الانتخابات لعضوية مجلس بلدي مدينة الفحيص، والمزمع إجراؤها في الثاني والعشرين من آذار (مارس) المقبل، وذلك لإيمانها المطلق بأن الفنان هو مواطن قبل كل شيء، ويمتلك الخبرة الواسعة لمعالجة القضايا التي تهم المجتمع، مؤكدة أن للفنانين الحق في الوصول إلى الهيئات التمثيلية باعتبارها مؤسسات تمثل جميع فئات ومكونات المجتمع الأردني، إذ يتسنى لهم المشاركة في صنع القرار، بإثارة قضايا تهم المواطنين.
وتقول سعادة، إن الدراما هي محاكاة لفعل الإنسان ولها أشكال متعددة مثل التراجيديا التي تعكس معاناة البشر، والكوميديا التي تستهدف إسعادهم، والميلودراما التي تبالغ في تصوير المشاعر والأحاسيس، وهذا صلب أطروحتها لرسالة الدكتوراه التي نالتها عام 2009، والتي تتحدث عن استخدام الدراما في تعديل سلوك الأحداث الجانحين المحكوم عليهم، ورفع مستوى تقدير الذات، ورفع مستوى التكيف الاجتماعي من خلال الدراما الارتجالية، ومن خلال السيكودراما يمكن تطوير الشخصية، ومعالجة الاضطرابات النفسية، مؤكدة أن الدراما “سلاح ناعم” لتربية الأجيال وحمايتهم من الانفلات والمعاناة من الاضطرابات النفسية والسلوكية.
وتتمنى سعادة الاستفادة من رسالة الماجستير والدكتوراة، بأن تعمم على الطلبة وعلى المهتمين بالشأن الفني والثقافي، لأن دور الفن ليس ترفيهياً أو للتسلية فقط ، بقدر ما هو إرشادي تثقيفي وثورجي على الوضع السلبي وتغييره وتعديله، إلى جانب تطوير الإنسان والمجتمع وعلم النفس، فالدراما تهتم بالإنسان والمجتمع.
وأكدت عضو مجلس نقابة الفنانين الأردنية وصاحبة المسيرة الفنية الطويلة، أنها مع الفنان المثقف لأن الفنان قائد وثائر، وإذا كان القائد جاهلاً بالتأكيد سينشر الجهل، وإذا لم يكن الفنان ثائرا فهو غير مؤثر؛ فالفنان بالضرورة يجب أن يمتلك الثقافة العامة، وراصدا جيدا لما يدور من حوله من أحداث سياسية واقتصادية واجتماعية، لأنه على اتصال مباشر مع المجتمع، فإذا كان بدون ثقافة وغير مبالٍ، فأعتقد بأنه فنان من كرتون، وليس له دور ولا أهمية في عالم الفن.
وتشير إلى أنه لا يوجد اهتمام بالدراما التاريخية، كما كانت في عقود السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات من القرن المنصرم، عندما كانت حاضرة بقوة على الشاشات المتلفزة العربية، معتقدة أن ثمة سياسة مخفية وراء إخفاء تاريخنا، ووراء تغييب ما هو أجمل في تاريخنا وحاضرنا، مؤكدة أن الدراما أضحت تبرز الظواهر السلبية الدخيلة على مجتمعاتنا.
واشارت إلى أن الفنان لا يلاقي الدعم، وإنما يلاقي الوعود والمحبة، ولكن القرارات العملية في دعم الفنان من ناحية إنتاج الدراما في وضع استراتيجية للثقافة والفنون غائبة، والسبب أن “الفنون بشكل عام ليس من أولويات الدولة ولا الحكومات بتاريخها، مكتفين بإعطاء الوعود”، لكن لا يوجد تطبيق في الواقع، مجددة القول بأن “الفنان في الأردن يتيم الأب والأم”.
وأكدت سعادة التي شاركت مؤخرا في مسلسل “مدرسة الروابي” الذي عرض على منصة “نتفليكس”؛ بأن دور نقابة الفنانين مهني صرف، والطموح بأن تكون مظلة قانونية تعمل على حماية المهنة وحماية الفنان؛ لكن للأسف عدم دعم الدولة بكافة مستوياتها للفنان والدراما والفنون بشكل عام، وقف عائقا اتجاه ذلك.
ووصفت سعادة بعض الأعمال الكوميدية الاجتماعية بأنها لا تعكس الطريق التي نطمح إليها، معللة السبب وفق رأيها لعدم وجود كتاب لكتابة الكوميديا بالطموح الذي نرمي إليه.
وحول المسرح، فتؤكد أنه يوجد فرق مسرحية، وهناك طاقات شبابية نفتخر بهم ويحصدون جوائز وعندهم طموح كبير في المسرح، لكن هل أخذ المسرح مساره الصحيح؟، تعتقد أن مسار المهرجانات المسرحية أصبح قائما على علاقات “أعطني وخذ”، وعلاقات اجتماعية ليست لصالح المسرح، معتقدة أن مسار المسرح من خلال المهرجانات فقد الهدف منه، داعية الرجوع إلى مسار المسارح اليومية ذات الرسائل الهادفة.
والمسرح، وفق سعادة، هو فكرة راسخة عند الشعوب، وشكل من أشكال وعيها وشعورها، يتداخل فيه الواقع بالأسطورة، والمعقول بالمتخيل، والوعي باللاوعي، وأن التعبير الدرامي هاجس إنساني مشترك، ومتنفس للاحتياطي الوجداني والفكري عند الشعوب، مشيرة إلى أن المسرح منذ الأزل يبحث عن الحرية، وعندما يتواجد المسرح في مكان فيه هامش كبير للحرية، يستمر في رحلة البحث، ولا يتوقف عند نقطة معينة، فالمسرح، بحسبها “فن جامع من الصعب لجمه”.
وحول اختيارها الشخصيات التي تقدمها بالأعمال الدرامية، تلفت الى أنها في كل عمل تقوم بتمثيله، “تقرأه بتأن وتعيش أدق تفاصيله، وهذا بحد ذاته يعطيها إصرارا على تقمص شخصية الدور الموكل لها”.
ويذكر أن سعادة منذ نشأتها التي أنهت مرحلتها الابتدائية في الأراضي المحتلة عام 1967، في موطن والدتها، ولظروف عمل والدها وعودتها لموطنها الفحيص إثر ظروف الحرب الوحشية لتكمل مرحلتها الأساسية والثانوية هناك.
وعاشت سعادة في تنوع من الثقافات المختلفة التي رسخت في داخل نفسيتها روح الشجاعة والأعمال الخيرية والتطوعية، فهي من أوائل الشابات اللواتي كن يرتدين زي البابانويل في الأعياد، ويقمن بإرسال الهدايا والتعبير التمثيلي عن فرحة العيد والمشاركة بالفعاليات الثقافية والانخراط في الجمعيات الخيرية التطوعية في المنطقة، وحتى دخولها الجامعة الأردنية، لتلتحق بتخصص علم النفس وإدارة الأعمال.
وبدأت حكايتها مع الفن، من خلال وجودها على مقاعد الدراسة في أواخر السبعينيات من القرن المنصرم، وشاركت بأحد الأدوار في مسرحية على خشبة مسرح الجامعة الأردنية؛ رغم أنه في ذلك الزمان كانت هناك مشكلة في وجود عناصر نسائية تمتهن هذه المهنة، ولكن موهبتها طغت على كل الظروف لتقدم لنا وانطلاقا من مسرح الجامعة الى منتصف التسعينيات ما يفوق 13 عملا مسرحيا نذكر منها: “عريس لبنت السلطان، السعادة الزوجية، الخطوبة، الناس اللي في الكوكب العاشر، حفلة على الخازوق، المفتاح، الجاروشة، الخادمة، غابة الأرانب، العربة، وقربة مخروقة”.
وما لبثت أن تخرجت من مرحلة البكالوريوس في العام 1980، حتى توظفت كباحثة اجتماعية ورئيسة قسم لدى أمانة عمان لمدة عامين؛ لكن لانشغالها الفني لم تجد نفسها إلا كممثلة تحوم فوق سحابات وفضاءات الشهرة والنجومية، والتي طغت على عملها المكتبي، فتركت العمل الوظيفي وأكملت مسيرتها الناجحة، والتي لاقت صدى واسعا في بدايتها، مما أدى إلى تنقلها بين استوديوهات التصوير ما بين أثينا وعمان ودبي وأبوظبي والعراق، وغيرها من البلدان العربية التي حظيت بتكريس أجمل الأعمال الدرامية الأردنية على أراضيها.
وانفردت سعادة كأول فنانة تدخل مجالس رابطة الفنانين من ثم مجالس نقابة الفنانين، ولعدة دورات متعددة.
وتخللت مسيرتها الفنية حصولها على درجة الماجستير من الجامعة الأردنية في العام 1995، واستأنفت دراسة الدكتوراه لتحصل على درجة الدكتوراه في الإرشاد النفسي والتربوي في العام 2009 من جامعة عمان العربية.

أحمد الشوابكة/ الغد

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة