سبيل الحوريات.. شاهد روماني يئن تحت وطأة الإهمال

في قلب عمّان القديمة، حيث يلتقي عبق التاريخ بنبض الحاضر، يقف سبيل الحوريات شامخاً رغم غبار السنين، شاهداً على حضارةٍ يناهز عمرها ألفي عام. وعند المرور قرب المدرج الروماني في “وسط البلد”، يلفت هذا المعلم الأثري الزائر بجدرانه الحجرية العالية وأعمدته الصامتة التي تروي قصة مدينة عُرفت يوماً باسم فيلادلفيا.
بُني سبيل الحوريات، المعروف بالـ”نيمفيوم”، في القرن الثاني الميلادي في عهد الإمبراطور أنطونيوس بيوس، وكان آنذاك مركزاً حيوياً لتزويد السكان بالمياه.
وقد صُمم بأسلوب هندسي فريد يعتمد على نظام “الفاكيوم” لتدفق المياه من النوافير العليا نحو البرك السفلية، وهو مشهد هندسي متقن يعكس عبقرية الرومان في إدارة الموارد.
ورغم مكانته التاريخية والفنية، يعاني هذا الموقع الذي يمتد على مساحة تقارب ستة دونمات اليوم من غياب التنظيم والرعاية. فالمشهد عند بوابته لا يليق بعراقة المكان؛ فالنفايات المتناثرة والحاويات المهملة ومظاهر الفوضى تُسيء لصورة السياحة الأردنية أمام الزوار المحليين والأجانب على حد سواء.
ويقول المواطن محمد الخياط، وهو من مرتادي الموقع، إن سبيل الحوريات “يستحق أن يكون محطة رئيسة على خريطة السياحة في عمّان، لكن قلة من الناس حتى داخل العاصمة تعرف بوجوده”.
ويضيف أن “المكان بحاجة إلى دمجه في البرامج السياحية الرسمية، إلى جانب العناية بنظافته وصيانته الدورية، لأن ما يراه الزائر عند مدخله اليوم يبعث على الأسف”.
في جولة قصيرة داخل الموقع، يمكن للزائر مشاهدة بقايا الأعمدة الرخامية التي كانت تزين جدران السبيل، ونقوش رومانية وزخارف دقيقة تروي فصولاً من تاريخٍ تليد. وقد كانت تحيط بالمكان مجموعة من التماثيل الأثرية التي نُقلت لاحقاً إلى موقع عين غزال للحفاظ عليها.
ويؤكد مختصون في الآثار أن سبيل الحوريات ليس مجرد مبنى روماني قديم، بل هو قطعة حية من ذاكرة المدينة، تستحق أن تُعامل باعتبارها جزءاً من الهوية التاريخية للعاصمة، تماماً كما يُعامل المدرج الروماني أو قلعة عمّان.
وقال مصدر حكومي لـ”الغد” إن موقع سبيل الحوريات ليس من ضمن المواقع الرسمية المدرجة لاستقبال الزوار.
وأكد المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، عدم وجود تذاكر دخول لهذا الموقع، مبيناً أن سبيل الحوريات لا يحظى باهتمام السياح لعدم تمتعه بثقل سياحي.

 

 

وبدوره، يرى الخبير بالقطاع السياحي د. نضال ملو العين ضرورة العمل على تسويق جميع المواقع الأثرية مهما كان حجمها أو درجة أهميتها.
وأكد ملو العين أن سبيل الحوريات موقع أثري مهم يدل على قدم وجود الحضارات في المملكة، مشيراً إلى أهمية التسويق والترويج لهذا الموقع وشموله ضمن تذكرة المدرج الروماني لقربه منه.
ويُذكر أن الأردن يضم أكثر من 15 ألف موقع أثري مسجل لدى دائرة الآثار العامة، إضافة إلى نحو 100 ألف موقع غير مسجل بعد، ما يعزز الحاجة إلى جهود تسويقية وتنظيمية متكاملة، كي لا تبقى هذه الكنوز التاريخية رهينة الإهمال.

محمد أبو الغنم/ الغد

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة