سوريا بعد عام من تولي الشرع للرئاسة // كريستين حنا نصر

بدأت الثورة السورية في عام 2011م ، عندما طالب المتظاهرون آنذاك بالحرية والعدالة ، وللأسف تعسكرت الثورة دون الحصول على أي من المطالب التي رفعت الثورة شعارها ، ودخلت سوريا حينها حرباً وفوضى داخلية ، كما تواجد على الساحة السورية عدة دول خارجية ، تعمل على تأجيج الحرب فيها ، لا سيما الحرب بين النظام السوري وايران وحزب الله من جهة ضد مكونات المعارضة السورية ممثلة بالجيش الحر ، ثم الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا من جهة أخرى ، وقد قتل واستشهد في هذه الحرب الكثير ، كما دمرت سوريا وبقي النظام ممثلاً بالاسد خلال الثورة مستمراً ولمدة 14 عاماً ، وتحديداً حتى الثامن من ديسمبر عام 2024م ، عندما أُسقط نظام البعث السوري المتمثل بال الاسد البائد من قبل جبهة النصرة بقيادة أحمد الشرع الذي أصبح بعدها رئيساً لسوريا .
وهذه الايام يحتفل السوريين في الشوارع والساحات والميادين العامة ، بمناسبة الذكرى الاولى لانتصار الثورة السورية ، التي أعقبها تشكيل الحكومة الانتقالية السورية برئاسة أحمد الشرع ، حيث تمّ حل الاجهزة الأمنية لحزب البعث السوري الحاكم التي كانت تحمي وتناصر النظام السابق ، كما حل البرلمان السوري ، وجرى تشكيل مجلس تشريعي مؤقت ، يتولى مسؤولية سن القوانين ، وادارة المرحلة الانتقالية ، كذلك تمّ تعليق العمل بدستور عام 2012م ، والبدء بإعادة سن دستور جديد يعكس مطالب وآمال الشعب السوري ، من أجل تحقيق هدف أساسي هو اعادة هيكلة المؤسسات العسكرية ، وتشكيل جيش سوري جديد من الفصائل التي حررت سوريا من النظام السابق ، حيث جرى تفكيك الميليشيات التابعة للنظام السابق والمدعومة من محور المقاومة وحزب الله ، كذلك تم أيضاً حل الجبهة الوطنية التقدمية وحظر اعادة تشكيلها بهدف إنهاء هيمنة الحزب الواحد على السلطة ، وتالياً تم الغاء جميع فصائل الثورة السورية ودمجها في مؤسسات الدولة السورية الجديدة .
وهذه الاجراءات المتبعة كانت بهدف تحقيق انتقال سياسي سلمي وتعزيز سيادة القانون ، حيث شُكل مجلس تشريعي مؤقت يتولى مهمة سن القوانين وادارة المرحلة الانتقالية ، و اعادة دمج الفصائل المسلحة المختلفة على الارض السورية تحت مظلة الدولة ، والتركيز على المصالحة الوطنية ، وتشكيل حكومة جديدة تمثل جميع أطياف الشعب السوري باستثناء منطقة سوريا الديمقراطية ، حيث جرى توقيع اتفاقية بين مظلوم عبدي وأحمد الشرع تكونت من حوالي عشرة بنود ، وهي الآن دخلت في مرحلة حيز التنفيذ ولكن لم يجري بعد تنفيذ كامل البنود التي تضمنتها.
وعلى صعيد العلاقات الدولية فقد استعادت سوريا الجديدة العلاقات الدولية خاصة مع حضنها العربي ، وتلقت دعم اقليمي قوي من الدول العربية منها السعودية وقطر ، حيث كان أمير قطر الشيخ تميم ال ثاني أول حاكم عربي يزور دمشق في فترة رئاسة احمد الشرع ، وأيضاً في اطار العلاقات الدولية السورية فقد تحسنت وتطورت ، و أهمها العلاقة مع الولايات المتحدة الامريكية ، وتمثل ذلك بزيارة الرئيس احمد الشرع مؤخراً الى البيت الابيض والتي اسفرت عن قرار مهم وهو الغاء قانون قيصر عن سوريا .
إن مرحلة اعادة تأسيس دولة جديدة بعد حكم البعث السوري فيها وتحالفاته آنذاك مع ايران وحزب الله ، تتضمن السعي الى بسط الامن في سوريا وهذا هدف يصعب تحقيقه اليوم بسرعة ، باعتبار ان المشهد السوري معقد جداً ، وبالاخص نظراً لوجود اعراق وقوميات ومذاهب وأديان متعددة في سوريا ، اذ وقعت العديد من الانتهاكات والمشاكل منها ما جرى في الساحل السوري للمكون العلوي ، وعلى اثرها كان مقتل الكثير وحتى الان يقال أنه يوجد هناك الكثير من النساء العلويات المختطفات ، وبالطبع يضاف الى هذه المشاكل والتحديات ما جرى في السويداء من المعارك بين أهل السويداء والعشائر العربية السورية و وجود مسلحين خارج نطاق الدولة وسعي الحكومة الانتقالية الى تهدئة الأمور ومحاسبة المتورطين في الانتهاكات ، وبالطبع يوجد هناك شعور بعدم الرضا من قبل البعض تجاه الحكومة المؤقتة ، بالمقابل فإنه يوجد هناك آخرين راضين كثيراً عن هذه الحكومة ، ولا شك أن هذه المرحلة الانتقالية تتصف بالحساسية وتعتبر غير سهلة ، تحتاج جهود كبيرة لضبط الامور سياسياً وعسكرياً و أمنياً ، خاصة بعد اسقاط النظام السابق ، واي ثورة تنجح فإنه من الطبيعي أن تمر بمرحلة صعبة ، تتطلب القدرة والنجاح في ضمان استتباب الأمن والاوضاع وضبط زمام الأمور في الدولة كلياً ، خاصة بعد حالة الثورات المشتعلة ، وبالتالي يكون الانتقال من حالة الحرب الى حالة الأمن والاستقرار ، والتي قد تأخذ في بعض الأحيان عدة سنوات ، على سبيل المثال ما جرى في العراق بعد اسقاط حكم صدام حسين ، حيث اخذت الاوضاع سنوات عديدة حتى تم السيطرة على زمام الامور في الدولة .
الان وفي هذه المرحلة في سوريا الجديد يوجد الكثير من الضغوطات على الحكومة المؤقتة ، ومنها الشروط الامريكية المتعلقة برفع عقوبات قانون قيصر ، ومن هذه الشروط انضمام الدولة السورية الى التحالف الدولي لمكافحة الارهاب وداعش ، ومن الشروط أيضاً قرار الامم المتحدة بفرض قرار مجلس الأمن رقم 2254 الصادر عام 2015م على سوريا احمد الشرع ، وقد تم مؤخراً زيارة بعض اعضاء الامم المتحدة الى سوريا ، واهم بنود هذا القرار الاممي الطلب من الحكومة السورية باجراء انتخابات حرة ونزيهة تحت اشراف أممي ، ومن البنود المهمة ايضاً صياغة دستور جديد للدولة السورية ويؤكد القرار على حماية حقوق الانسان والحريات الاساسية في سوريا .
وفي هذه المرحلة أيضاً تعمل الحكومة المؤقتة في سوريا على تنفيذ القرار 2254 أي تشكيل حكومة جديدة ، ولكن تتحفظ حكومة احمد الشرع على بعض البنود ، اذ ان القرار القائم لفض الصراع بين الطرفين لم يعد قابلاً للتطبيق بصيغته الحرفية ، باعتبار ان أحد الطرفين و هو نظام بشار الاسد البائد الذي سقط و هو الآن في موسكو و قد هرب معه أيضاً معظم كبار قادة نظامه للخارج .
ويوجد اسئلة كثيرة موجهة للحكومة المؤقتة ، و أهمها ما هي الخطوات التي سوف يتم اتخاذها لتحقيق فرض كامل للسيادة والأمن والاستقرار على الاراضي السورية ؟ ، وكيف ستتعامل الحكومة مع ملف اللاجئين السوريين في الخارج ؟ ، وهل يمكن للحكومة المؤقتة تنفيذ بنود القرار الأممي رقم 2254 ، (و الذي كتبت وعالجت كامل بنوده في مقال سابق منشور لي ) ؟ ، وما هو مصير الملف الأمني والاتفاق مع اسرائيل لمنطقة الجنوب السوري ؟ ، وهل سوف يتم دمج قوات سوريا الديمقراطية مع الجيش السوري وتنفيذ البنود التي تم التوقيع عليها من قبل الطرفين ؟ .
لقد بات واضحاً أن الحكومة المؤقتة الانتقالية لديها الكثير من التحديات ومن عدة ملفات منها الامنية والاقتصادية وغيرها ، كذلك عليها القيام بما تتطلبه مرحلة تأسيس بنية دولة جديدة ، خاصة أيضاً بعد إنهاء والغاء حكم البعث الحاكم فيها ، و إعادة بناء دولة جديدة . هي حتماً ستكون عملياً مرحلة صعبة ومليئة بالتحديات للوصول الى اعادة بناء الدولة أي سوريا جديدة حرة أبية ديمقراطية موحدة تتميز بنظام تعددي لادارة محلية ، تشارك فيها كل مكونات المجتمع السوري الذي سيكون هدفه بناء وطنه سوريا الجديدة .

