صدور كتاب “تجليات الأدب العربي في عصر الحروب الصليبية”

صدر، بدعم من وزارة الثقافة، كتاب بعنوان “تجليات الأدب العربي في عصر الحروب الصليبية”، للدكتور عمر عبدالله العنبر، مساعد عميد كلية الآداب لشؤون الجودة في جامعة الإسراء الأردنية.
في مقدمته للكتاب، يقول المؤلف “إن الأدب العربي في مرحلة الحروب الصليبية حمل لواء الجهاد، وكان الشعراء والكتاب يواجهون جنبا إلى جنب بالكلمة الجامعة، والقوة المانعة، والصبر والتضحية، ووقف إلى جانبهم الشعب بصدق مع حكامه الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه في مواقفهم المشرفة”، مبينا أن الشعور الراسخ في نفوس المؤمنين، جعل أقلام الشعراء تتجه إلى الإطار الديني تنتفع بما تضمنته من أفكار تتصل بالجهاد، وقد ركز الشعراء، في إنتاجهم الشعري، على بيت المقدس بلد الإسراء، وقلب العروبة والإسلام، وهو شديد الصلة بعقيدة المسلمين.
ويكشف العنبر، في خاتمة الكتاب، أن الصراع الدائر بين المسلمين والفرنج، والاستعداد لخوض المعارك في كل لحظة، أعطى المسلمين تجربة فيها، وخبرة في وقائعها، ما جعلهم يتفوقون بصناعة أدواتها، ويبدعون في تصميمها، ويخططون لتطويرها، لذا نجد الشعراء حذقوا في وصف السلاح وعدة الحرب، وأبدعوا في تصورها وتصويرها، وأمعنوا في دقائق أنواعها، وأشكالها، وأحجامها؛ وقد كان موضوع الحرب شغل الشعراء الشاغل، فلا تخلو قصيدة من وصف جيش، أو فارس، أو فرس، أو سيف أو رمح. ويضيف المؤلف “نظم الشعراء القصائد بانفعال صادق، إذ تفاعل الشعراء مع قضية دينية مصيرية، وكان النزاع فيها بين الحق والباطل، وكان ابتهاجا وتعبيرا عن استرجاع أرض إسلامية اغتصبت عنوة، فكان لابد من الجهاد، وتحرير المقدسات المغتصبة، والديار المسلوبة، من أجل إعلاء كلمة الحق، ونشر العدل، لقد كان هذا الشعر سجلا أمينا للوقائع والأحداث التاريخية، ووصفا حيا للمعارك، والحروب الدائرة، مع خلوه من التملق والنفاق، فلم تعهد شاعرا، زيف الحقائق، أو حابي السلاطين في قلب نتائج المعارك والحروب، بل كان ينظم أشعاره من خلال جهاده، فهو في قلب المعركة جندي، وهب نفسه في سبيل الله”.
ويرى العنبر أن الشعر لم يكن وطنيا أو قوميا فحسب، بل تجاوز كل الحدود والحواجز، فهو شعر خالد، يدعو للجهاد، وسيظل كذلك ما دام هناك معتد، ولم تكن أشعار هذا الموضوع قائمة بذاتها، بل كانت ضمن مواضيع شتى، فالشاعر يبدأ قصيدته بذكر مناقب الممدوح، من كرم وشجاعة، أو أنه يسبق ذلك بغزل أو نسيب، كما هي عادة الشعراء في العصور السالفة، ثم يعرض لوقائعه، ومعاركه، وحروبه، فلا يقف الشعراء عند حد وصف المعركة، بل يحرصون كل الحرص على حسم المعركة، وبين نتائجها، وتتبع ما بعد ذلك، لذلك جاء الشعر مؤثرا في النفوس، مثيرا للمشاعر، ملهبا للعواطف، ومحركا للنخوة، موقدا للحمية والحماسة”.
وينوه المؤلف إلى أن امتزاج العاطفة الصادقة بانفعالات الشعراء، وأحاسيسهم، وهذا من طبيعتهم حين يجسدون نشوة النفس وطربها أمام محك الأبطال في رحى المعارك، وكانت المعاني حماسية، ثائرة متأججة، مشتعلة، تدور في فلك المعارك والحروب الدائرة، وضراب السيوف، وطعان الرماح، وصهيل الخيل، ووقع حوافرها، وأنين الجرحى وغمغمة الأبطال.
ويبين العنبر أن الشعراء تفننوا بتوظيف الأساليب البلاغية عامة، واستنباط التشابيه خاصة، واستخدام المحسنات البديعية عامة، والتركيز على الطباق والجناس خاصة، وهو ما يجسد الصورة، ويجسم الألفاظ، ويضخم الحدث، ويقربه إلى الواقع، ويبث فيه الروح والحياة، ويحافظ على التناغم الموسيقا، فمعجم الأشعار يتميز بسهولة فصله عن الأنماط الشعرية الأخرى، بل عن أبيات القصيدة نفسها، وكانت ثمة شيوع لبعض الألفاظ الغربية، والتشبيهات المعقدة، وكأنها تنزع إلى لغة العصور الأدبية السالفة، لما تتصف به من المقومات الفنية وما تحتويه من القيم الأدبية.
وعن أسلوب الشعراء، يقول المؤلف: “تميزت ألفاظهم بالرصانة، وتراكيب بحسن السبك، وجودة الصياغة، وإيصال المعاني المنشودة بوضوح وجزالة ألفاظ، وقوة إيحاء؛ لتناسب قعقعة السلاح، كما حصر الشعراء على اختيار الأوزان الشعرية التي تناسب مثل هذه المواضيع، كاستخدام بحور بعينها في هذه النصوص”.
الكتاب جاء في ستة فصول يتناول الأول “البيئة السياسية، والاجتماعية والثقافية”؛ حيث ركزت على وضع المجتمع الإسلامي قبل الغزو الصليبي في مصر والشام والعراق، وبواعث الحركة الصليبية، والمرحل التي مرت بها هذه الحركة، وأما “البيئة الاجتماعية” فتناولت تركيبة المجتمع الإسلامي، وأثر الحكام والسلاطين في ازدهار الحياة السياسية، فيما يتحدث الفصل الثاني حول “سقوط بيت المقدس وغيرها من البلاد الإسلامية”، والأشعار التي وصفت هذه المأساة التي عمت العالم الإسلامي أجمع.
بينما يعرض الفصل الثالث “استنهاض الهمم، والحض على الجهاد”، من خلال أشعار الشعراء التي حثت على جمع الكلمة، ووضع حد للخلافات الإقليمية، وتسخير النفس والمال والجاه من أجل المعركة، والتهديد والوعيد والتذكير ببطولات العرب والمسلمين على مر العصور، والحث على الأخذ بالثأر واسترجاع بيت المقدس، بينما تناول الفصل الرابع “مديح القادة وهجاء الأعداء”، كما تناوله شعر الشعراء الذين مجدوا القادة، وعددوا مناقبهم، فيما أحرزوه من نصر وبلاء في معاركهم الجهادية البطولية على الفرنج، متهكمين ساخرين من هؤلاء الأعداء، وقد لحقت بهم الهزيمة تلو الأخرى، فيما يصور الفصل الخامس “رثاء الأبطال والقادة”، هؤلاء الذين خاضوا تلك الحروب، ونالوا الشهادة متقربين إلى الله فيها، بينما يتحدث الفصل السادس عن قدرة الشعراء على “وصف المعارك والحروب”.

عزيزة علي/  الغد

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة