صدور “مسارات القراءة.. مداخل في قراءة النص الشعري” لزياد الزعبي

صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر كتاب بعنوان “مسارات القراءة-مسارات النصوص-مداخل في قراءة النص الشعري” للأكاديمي الدكتور زياد الزعبي.
يتناول الكتاب مجموعة من النصوص لشعراء أردنيين وعرب “أبو تمام: صواحب يوسف وعواديه، محمود درويش: التأملات الشاردة في حضرة الغياب.. القبض على الحياة في حضرة الموت، أدونيس: الكتاب: تصنيم الذات وتجريم التاريخ، بدر شاكر السياب: داء الحنين، إبراهيم نصرالله: صور في مرايا ترابية، فهد العسكر: الغرب وحوار آخر، حبيب الزيودي: موسيقى روح وجروح، حبيب الزيودي: قلق الشاعر ألق الشعر، محمد مقدادي: امتلاك ما فقدنا، عاطف الفراية، الوجود الجوهري في المجاز”.
يوضح الزعبي في مقدمة الكتاب أنه قرأ مجموعة النصوص الشعرية استنادا إلى رؤية تتمثل في أن للنصوص مساراتها وللقراءة مساراتها، وأن القراءة تنهض على المرجعيات المعرفية المكونة للنص، وهي قدر مشترك بين النص وقارئه، مبينا إن كل نص يتشكل اعتمادا على مرجعيات معرفية متعددة الأبعاد مكنت من إنتاجه، وبالتالي فإن قراءته، لا بد أن تعي مكوناته ومرجعياته المعرفية على نحو يمكنها من محاورته، مما يعني أن مثل هذه القراءة تعاين النص نسقيا معاينة تقود إلى سياقاته. وهو ما يجمع بين الأبعاد النسقية والسياقية في النصوص جمعا ما يجنبها التحول إلى قراءة الأنماط اللغوية، أو الاكتفاء بالسياقات الواقعة خارج اللغة والمسقطة عليها.
يواصل الزعبي حديثه حين نقرأ “القبض على الحياة في حضرة الموت”، في نصوص محمود درويش نتأمل الهاجس المحوري الراسخ الحضور في شعره وكتاباته النثرية، وفي حياته التي سكنتها هواجس التأرجح بين الموت والحياة، الموت بوصفه يقيننا، والحياة بوصفها وجودنا الهش الذي نحبه، والمهدد دوما بحضرة الموت الذي يلاحقنا، والذي ننجو منه مصادفة، كما يعبر درويش، والذي يدفعنا إلى التمسك بالحياة، والذي غدا مدخله إلى النص الذي يرسخ صورة الحياة. لقد ظل درويش يحاور الموت ويناجزه حياته كلها، ويرى النص – اللغة طرقه إلى حياة ثانية وعدته بها اللغة كما يقول: “أنا من تقول له الحروف الغامضات/أكتب تكن”.
ويشير المؤلف إلى أن الوجود هنا يتعلق بالكتابة، وهي ذاتنا الأخرى الباقية بعد غيابنا، فعلى هذه الأرض ما يستحق الحياة؛ سطورنا التي تحتفل بالحياة بعد غيابنا، وقسوة المفارقة بين حضورنا الهش وسطورنا الصلدة، بين غيابنا وحضورها.
ويقول الزعبي إنه في هذا الكتاب يقدم قراءتان لنصوص درويش تتأملان الفكرة في النص والشخص الذي يتجاوز الذات الفردية إلى الذات الجماعية التي يمثلها، قراءتان تعاينان جدلية العلاقة بين الوجود الإنساني الآني الهش وحضرة الموت وحتميته، لافتا إلى أن “هذا ما تأملته بدءا في رباعيات عمر الخيام التي لم تغب صورها الخزافية وتحولات التراب في رباعياته عن عيني”.
وهذا ما جعل المؤلف كما يقول. يقرأ قبل سنوات قصيدة إبراهيم نصرالله “مرايا ترابية”، التي عاين فيها صورا لتحولاتنا الترابية، لصور وجودنا التي تتحدى وجودنا الآتي الهش، وجودنا المنذور للغياب، وهو ما يتجلى في الغربة المرة التي عبر عنها بدر شاكر السياب حين سكنه الحنين إلى ما غاب، بيت الطفولة، الأم وجيكور، لقد كان مصابا بداء الحنين، الداء الذي حفظته اللغة وأبقته حيا وحارا بعد غيبة حامله.
ويقول الزعبي انه ذهب في قراءته لـ”الكتاب الأدونيسي”، إلى اتجاهين: احدهما يعاين الأبعاد الفنية التي تتجلى في صور تتأسس على مرجعيات معرفية عميقة وواسعة توظف الصناعة بنص شعري غير عادي، نص ذي بنية فنية معقدة وثرية، والآخر يجسد تعبيرا سياقيا حادا عن رؤية ذاتية- عقيدة تمنح أدونيس القدرة على بناء تكويني جديد للتاريخ ووقائعه وقضاياه قائمة على الانتقاء والإبعاد، فهو يستخلص منه ما يريد؛ ليجرم تاريخ أمة يختزله في الأبعاد السياسية والأحداث الدموية في مسيرة الحضارة العربية الإسلامية، مسقطا منه كل الإرث الحضاري الكوني الذي مثله، وليرسم لذاته في الوقت نفسه صورة صنمية تنهض على تصور ذي بعد رسولي للذات يتجلى في العتبة- العنوان “الكتاب”، ويأخذه مداه في المتن الذي تجتمع فيه المكونات المعبرة عن التصنيم والتجريم نسقيا وسياقيا.
وحول قراءته لشعر فهد العسكر، فيقول المؤلف: أخذ القارئ إلى نموذج لشاعر عاش في مرحلة زمنية من عمر المجتمع العربي الصعب، حين كان الشاعر نموذجا للخارجين على الواقع الاجتماعي بشخوصهم ونصوصهم، وحين كان صورة لآبق متمرد يقول ما لا يقول الجمع، ويفكر على نحو يفارقه، فهو إذن ممثل لصور المعصية أو المعاصي، وهذا ما يجسد بعنف سطوة السياق الثقافي الحادة التي تسعى إلى تغييب الشاعر أو قتله.
وعن قراءة تجربة حبيب الزيودي يبين الزعبي، أنه أخذ القارئ إلى عالم مشبع بالرؤى ذات الأبعاد الرومانسية التي تمثل الأبعاد الغنائية في الشعر والذات الشاعرة المسكونة بالقلق والأرق الذي يتجلى في صورة علاقة الذات بالآخر؛ الفرد والجماعة على حد سواء، وهي علاقة محكومة بعدم التوافق مع الواقع الذي كانت ترى أنه عقبة في طريق تفوقها وتحقيق رؤاها ورغباتها، الواقع الذي لا تحتمله روح شاعر مسكون باندفاعات لا تتوقف، وجموح لا يستكين، وحيوية مفعمة بالخيالات والرؤى، كان روحا من نار في مهب ريح متغيرة الاتجاهات. ولذا فإن قراءته تذهب في مسارين: قراءة النص بكل عناصره الفنية، وقراءة الشخصية بما يسكنها من قلق وتمرد وحنين ورغبات محيرة، وهذا ما يمكن معاينته في تجربة كل من محمد مقدادي وعاطف الفراية على اختلاف بينهما في الرؤى والتشكيل الفني للنصوص، مما يمكن من قراءتهما في إطار المسارين السابقين.

عزيزة علي/ الغد

 

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة