صيف الغور الشمالي.. عمالة الأطفال بين قسوة الحاجة ومخاطر الواقع

الغور الشمالي- مع بزوغ شمس كل صباح صيفي، يستيقظ محمد الرياحنة، الفتى البالغ من العمر 13 عاماً، مستعداً لرحلة عمل اعتادها كل عطلة صيفية، بهدف مساعدة أسرته في تأمين المصاريف اليومية والالتزامات المتراكمة.
يعكس حال محمد واقعاً مريراً يعيشه العديد من الأطفال في المنطقة، إذ تتحول العطلة الصيفية التي تعد فرصة للراحة والاستمتاع بالطفولة إلى عمل شاق في ظروف قاسية وهو أمر يظهر إشكالية عمالة الأطفال التي تتفاقم خلال أشهر الصيف، مؤكدا أن العمل في العطلة الصيفية بات أمرا لا مفر منه في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الأهالي، قائلا: “رغم الظروف الصعبة التي تواجه الأطفال إلا أن غالبية الأسر تعمل لتوفير متطلبات العيش اليومية”.
يقول علي الواكد، وهو والد لعدة أطفال في مرحلة البلوغ “رغم ان مفهوم عمل الأطفال في العطلة الصيفية مستغرب، إلا أنه يراه طبيعياً ومتجذراً لدى بعض الأسر في الغور الشمالي،” مشيرا إلى أن هذه الأسر تدفع بأبنائها إلى سوق العمل بأجور رمزية وفي ظروف بالغة القسوة، مستغلين العطلة الصيفية كـ “فرصة لتحسين أوضاعهم المعيشية” من خلال إشراكهم في الأعمال الزراعية أو بيع السلع على الطرقات، معرضين إياهم لمخاطر وحوادث محتملة.
اما محمد الرياحنة من منطقة المشارع فيرى أن النشاطات الاقتصادية تشهد ازدهاراً ملحوظاً في فصل الصيف، مستفيدة من تدفق السياح إلى المناطق السياحية مثل الحمة والمقامات، بالإضافة إلى الاستراحات الشعبية المطلة على نهر الأردن، مضيفا “هذا الازدهار يخلق طلباً متزايداً على العمالة في المرافق السياحية والمطاعم والمقاهي والفنادق ما يشكل فرصة لأبنائه الذين تتجاوز أعمارهم 15 عاماً من أجل العمل والمساعدة في تسديد التزامات الأسرة بدلاً من قضاء وقتهم باللعب”.
ويبين أن وفرة أنواع الفاكهة المختلفة في فصل الصيف توفر فرصا كثيرة لبيعها على الطرقات، وهو ما يشجع البعض على إشراك أبنائهم في هذا العمل الموسمي، موضحا ان العمل يعتبر فرصة لاكتساب الخبرة العملية والمهنية خاصة للطلاب الجامعيين الذين يحتاجون لتوفير جزء من مصاريف دراستهم.
رغم إقرار البعض بفوائد العمل للطلاب، سواء لكسب المال أو لملء أوقات الفراغ، إلا أن هناك دعوات ملحة للأهالي بضرورة اختيار الأعمال التي تتناسب مع القدرات الجسدية والذهنية لأبنائهم، مع الابتعاد عن المخاطر وتجنب تشغيل الأطفال الصغار.
ترى أم خالد انها تنتظر العطلة الصيفية بفارغ الصبر لـتشغيل أولادها الكبار والصغار، عازية ذلك إلى معاناتها من ظروف مالية صعبة، خاصة وأنها تربي أيتاماً وتحتاج إلى نفقات كبيرة في ظل الارتفاع المستمر للأسعار، قائلة “يجب أن يكون العمل مناسبا لكل فئة عمرية، وإلا سيكون له انعكاسات خطيرة خصوصا على صغار السن واليافعين.
ويرى المواطن صابر العباس أن عمل الشباب الجامعيين في العطلة الصيفية ضروري لتطوير خبراتهم، لكنه يحذر من مخاطر إشراك الأطفال الصغار في أعمال شاقة كالميكانيك والتحميل والتنزيل في الحسبة المركزية، لما لذلك من تبعات صحية واجتماعية خطيرة، مطالبا الجهات المعنية بضبط سوق العمل ومراقبة عمالة الأطفال.
من جانبها تؤكد رئيسة جمعية تلال المنشية تهاني الشحيمات أن العمل في العطلة الصيفية يسهم في دمج الشباب في المجتمع وإثراء سوق العمل، مستدركة أن ذلك ينطبق على الشباب الجامعيين البالغين القادرين على تحمل أعباء العمل، وليس الأطفال الصغار الذين ما زالوا على مقاعد الدراسة.
وتطالب الشحيمات الجهات المعنية بفتح المراكز وعقد الدورات التعليمية لتنمية مهارات الأطفال وقدراتهم الذاتية، مقترحة استغلال المدارس والمباني الحكومية لعقد هذه الأنشطة، لافتة إلى أن بعض الأنشطة المتوفرة حالياً تتطلب مبالغ مالية، حتى لو كانت رمزية، وهو ما يصعب على أهالي اللواء دفعها في ظل أوضاعهم الصعبة، خاصة أن بعض الأسر لديها خمسة أطفال أو أكثر.
وتبين أن الأحياء الفقيرة في لواء الغور الشمالي تعد مصدراً رئيساً لعمالة الأطفال، وما يزال سوق الخضار المركزي في الشونة الشمالية والمناطق السياحية كالحمة وطبقة فحل، تشهد تواجداً كبيراً للأطفال العاملين تحت أشعة الشمس الحارقة بملابسهم الرثة طيلة النهار، سعياً لتأمين ما يرضي أسرهم، مطالبة بضبط سوق العمل وعمل دورات بديلة للأطفال للحد من الظاهرة.
بدورها تؤكد مصادر من مديريتي التنمية الاجتماعية والعمل في لواء الغور الشمالي وجود تفتيش مستمر على عمالة الأطفال في السوق. وتشير المصادر إلى أن نسبة الأطفال الذين يتوجهون إلى سوق العمل خلال العطلة الصيفية في اللواء قليلة مقارنة بالمناطق الأخرى، حيث ترتفع نسبة عمالة الأطفال في المناطق النائية والفقيرة التي تعاني من ظروف مالية صعبة.
وتضيف المصادر أن هناك تنسيقاً مع مديرية التربية والتعليم لوضع برامج تحد من عمالة الأطفال، من خلال فتح أبواب المدارس أمام الطلاب وإشراكهم في أنشطة لا منهجية، لضمان عدم انقطاع الطالب ذهنياً خلال العطلة. وتشدد على أن العطل المدرسية ينبغي أن تكون جزءاً من الأجندة التربوية، تهدف إلى تهيئة الطالب للمراحل الدراسية التالية، واكتشاف هواياته وإبداعاته، مع إمكانية إلحاقهم بدورات مهنية.
ويشدد عدد من الناشطين على ضرورة تكاتف جهود جميع الجهات سواء كانت حكومية او مؤسسات مجتمع مدني للحد من هذه الظاهرة من خلال ايجاد برامج تهدف إلى دعم هذه الأسر وتخفيف العبء المالي عنها للحد من تشغيل أبنائها وتوفير الحماية لهم من عمالة مبكرة قد تؤثر على صحتهم وتعليمهم ومستقبلهم.
وتشدد الناشطة نسرين فدعوس على ضرورة إيجاد برامج تمكين الأسر المنتجة بهدف تدريب أفراد الأسر وتزويدهم بالمهارات اللازمة لإطلاق مشاريع صغيرة مدرة للدخل، مما يساهم في تحسين وضعهم الاقتصادي على المدى الطويل ويقلل من حاجتهم لتشغيل أطفالهم، مؤكدة ضرورة تفعيل دور وزارة العمل بالرقابة على سوق العمل وضمان التزام أصحاب العمل بالقوانين المتعلقة بعمالة الأطفال من خلال تكثيف حملاتها التفتيشية على المواقع التي يُحتمل وجود عمالة أطفال فيها، وخاصة في القطاعات الزراعية والسياحية والأسواق المركزية وضبط المخالفات واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق أصحاب العمل المخالفين.
وترى أن التوعية بمخاطر عمالة الأطفال من أهم السبل لمكافحتها وعلى الجهات المعنية تنظيم حملات توعية موجهة لأصحاب العمل والأسر حول الأضرار الصحية والتعليمية والاجتماعية لعمالة الأطفال، وحقوق الطفل في التعليم واللعب والنمو السليم، لافتة الى ان توفير بدائل إيجابية للاطفال خلال العطلة الصيفية كألانشطة اللامنهجية للطلاب كالدورات التعليمية المساندة والأنشطة الرياضية والفنية والثقافية سيسهم في ملء أوقات فراغ الطلاب بما هو مفيد وممتع وبالتالي تقليل فرص توجههم لسوق العمل.