“عادية الأمة” على الأبواب.. اختبارات “الرئاسة” والملفات الساخنة

– يدخل مجلس الأمة العشرون دورته العادية الثانية في الأول من تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، مع إمكانية إرجاء عقدها لفترة قصيرة قد لا تتجاوز أياما قليلة، وسط حالة من الترقب الداخلي والضغط الشعبي، ومشهد إقليمي ملتهب يزيد من ثقل المسؤولية الملقاة على عاتق النواب.
ولا يدور الترقب حول موعد انعقاد الدورة بل حول هوية من سيجلس على مقعد رئاسة مجلس النواب، وقدرة المجلس على استعادة ثقة الشارع، فالدورة العادية المقبلة ليست مجرد استحقاق دستوري فحسب، بل محطة سياسية فاصلة، لما تحتويها من ملفات تشريعية ثقيلة ستختبر جدية النواب في التعامل معها، وتطورات إقليمية متدحرجة، وملفات داخلية ضاغطة، كلها ستحدد إن كان النواب لديهم قدرة على لعب دور مختلف، أم سيبقون أسرى للصورة النمطية التي رسمها الشارع عنهم.
صراع الرئاسة: أكثر من منافسة
وكما في كل دورة، يسبق انتخابات رئاسة المجلس حراك نيابي مكثّف، تكثر فيه اللقاءات والوعود والتحالفات المؤقتة، وما يميز هذه الدورة أن المنافسة لا تبدو محسومة مبكراً كما في مرات سابقة؛ إذ إن الساحة تركت للحراك النيابي، ومتابعة لتلك التحركات لمعرفة بوصلة النواب ورغباتهم، وهو ما نتج عنه بروز اتجاهين، الأول يريد الاستمرار في النهج التوافقي، والثاني يريد التجديد ومحاولة تقديم صورة مختلفة أمام الرأي العام.
وفي العادة، لا تعد انتخابات الرئاسة مسألة بروتوكولية كما قد يعتقد البعض، بل هي معركة سياسية بامتياز، فالرئيس لا يقتصر دوره على إدارة الجلسات، بل هو الممسك بمفاتيح الأولويات التشريعية، وصوت المجلس أمام الحكومة والإعلام، وضابط إيقاع العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وعليه فإن من يظفر بالمقعد لا يحقق مكسبا فردياً فحسب، بل يحدد تجاه المجلس بأكمله في الدورة الثانية من عمره الدستوري.
وأثبتت التجارب السابقة أن موقع الرئاسة كثيراً ما يحسم عبر تحالفات خفية وصفقات عابرة، وإشارات خارجية ينتظرها الكثيرون، ولا يتم حسمه على أساس البرامج أو التوافقات الكتلوية، ولذلك فإن عدد النواب الطامحين بالموقع كثر هذه المرة، وكل واحد منهم يقدم رؤية ويعقد لقاءات مع نواب بهدف الحصول على الضوء الأخضر الذي لم يلتمع حتى الآن.
ويشارف عدد المترشحين سواء أولئك الذين أعلنوا رغبتهم أو الذين يعملون بالخفاء، على 7 نواب، وهم رئيس مجلس النواب الحالي أحمد الصفدي، والنائب الأول مصطفى الخصاونة، ورئيس كتلة إرادة والوطني الإسلامي خميس عطية، ورئيس اللجنة القانونية مصطفى العماوي، والنواب علي الخلايلة ومازن القاضي ومجحم الصقور.
ورغم ارتفاع عدد الراغبين بالموقع، إلا أن المؤكد أن الماراثون أصبح في أمتاره الأخيرة، وقد يفرز مرشحا واحدا أو اثنين، وعلى الأغلب أن كل تلك التحركات سينتج عنها في نهاية المطاف رئيس توافقي بين كتل المجلس، وتوزيع لمواقع المكتب الدائم بين تلك الكتل التي يبلغ عددها 6.
مأزق الثقة الشعبية
ولا يمكن إنكار أن الثقة الشعبية بالمجلس العشرين متدنية، إذ إن استطلاعات رأي وتفاعلات الشارع، خصوصاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تكشف صورة قاتمة، فضعف الحضور الفعلي للنواب في الجلسات واللجان، وغياب المبادرات النوعية التي تلامس أولويات المواطن في الصحة والتعليم والعمل، وانشغال بعض النواب – لا نقول كلهم- بخطابات دون أثر بدلاً من ممارسة رقابة جادة، كلها عوامل عمّقت الشعور الشعبي بهشاشة المجلس.
وزاد الطين بلة القبول السهل بموازنات الحكومة دون تعديلات جوهرية، الأمر الذي عزز انطباعاً عاماً بأن مجلس النواب لا يمتلك قدرة على التأثير.
وهذا التراجع لم يقتصر على صورة النواب بل امتد إلى مجمل العملية السياسية، فإذا بقيت الفجوة بين الشارع والمجلس على حالها، فإن أي إنجاز تشريعي سيبقى منقوصا، لأن معيار الحكم الشعبي لن يكون في النصوص بل في الأثر الملموس على حياتهم.
ملفات ثقيلة على الطاولة
الدورة المقبلة مثقلة بملفات تشريعية كبرى، تبدأ بالموازنة العامة للدولة التي تمس حياة المواطن مباشرة وتكشف فلسفة الحكومة الاقتصادية، مرورا بقانون الإدارة المحلية الذي سيعيد رسم العلاقة بين المجالس المحلية والبلديات والوزارة، ولا تنتهي عند قانون الضمان الاجتماعي الذي يثير قلقا واسعا بين المتقاعدين والعاملين بشأن العدالة والاستدامة، كما سيكون قانون العمل من أبرز الملفات المطروحة، وهو القانون الذي يضع النواب أمام معادلة دقيقة بين حماية حقوق العمال وتشجيع الاستثمار.
ولا يكمن التحدي هنا في تمرير هذه التشريعات، بل في نوعية النقاشات التي ستواكبها، فإذا اقتصر دور المجلس على التصويت الشكلي، فسيتعزز الانطباع بأنه مجلس بلا إنجاز، أما إذا خاض النواب نقاشات جدية وأدخلوا تعديلات جوهرية، فقد ينجح المجلس في استعادة جزء من الثقة الشعبية.
وإلى جانب الاستحقاقات الداخلية، يفرض المشهد الإقليمي ثقله على عمل المجلس، إذ إن استمرار العدوان الصهيوني على قطاع غزة، ومواصلة سياسة التهجير والتجويع، ومحاولات الكيان فرض وقائع جديدة في الضفة الغربية، والضغوط الاقتصادية والاجتماعية المتولدة عن ذلك، كلها عوامل تجعل النواب تحت مجهر شعبي مضاعف، فالمواطن لن يقبل ببرلمان صامت أو منشغل بمعاركه الداخلية بينما الإقليم يشتعل.