عجلون.. المنازل القديمة تراوح بين الإزالة والاستثمار السياحي

عجلون- ما يزال مصير مئات البيوت القديمة والتراثية في مختلف مناطق محافظة عجلون، معلقا بين مطالب شعبية بإزالتها لخطورتها على السلامة العامة، وأخرى تطالب بترميم الأقل تضررا منها، واستثمارها كمتاحف ولأغراض سياحية.
ويقول سكان في المحافظة، إن العديد من البيوت القديمة المتواجدة بين الأحياء السكانية حديثة البناء، باتت تشكل خطورة على السلامة العامة لقدمها، بحيث أصبحت آيلة للسقوط وتشكل مكاره صحية، وتجمعا للزواحف والقوارض، فيما يرى آخرون أن الكثير من هذه البيوت التراثية التي مضى على بنائها نحو 200 عام ما تزال بحالة مقبولة وجيدة، بحيث يمكن ترميمها وتوظيفها تنمويا وثقافيا.
وبحسب المواطن يوسف المومني، فإن العديد من هذه الأبنية المتهالكة أصبحت مأوى للحشرات والزواحف والقوارض والكلاب الضالة، ما يشكل تهديدا مباشرا لصحة وسلامة الأهالي، لا سيما أن بعض الأطفال يتخذون من هذه البيوت أماكن للعب واللهو، وهو ما يزيد من الخطورة.
أما المواطن محمد فواز، فيرى أن الكثير من المنازل المهجورة مضى على تركها عشرات السنين، وتحولت إلى مصدر قلق للسكان المجاورين، مبينا أن شكاوى ومطالبات الأهالي بخصوص هذه القضية مستمرة منذ سنوات طويلة من دون أن يتم التوصل إلى حلول عملية، الأمر الذي فاقم المشكلة وزاد من خطورتها.
وأضاف فواز أن هناك نوعين من هذه الأبنية؛ الأول بيوت تراثية يمكن ترميمها وإعادة تأهيلها لتصبح مشاريع سياحية وثقافية تعكس إرث الأجداد وتخدم المجتمع المحلي، فيما النوع الآخر بيوت متهالكة لا تصلح للترميم ويجب إزالتها بشكل كامل حفاظا على السلامة العامة.
إرث إنساني وحضاري
في المقابل، يرى المواطن عدلي عناب، أن البيوت التراثية القديمة في محافظة عجلون تعد إرثا إنسانيا وحضاريا، ودليلا على حقبة تاريخية بارزة، وتحكي قصة حياة الأجداد، مؤكدا أن هذه البيوت تشكل، بكل تفاصيلها، قيمة مضافة لعوامل الجذب السياحي بالمحافظة التي تتميز بطبيعتها الجميلة التي تستقطب عشرات الآلاف من الزوار سنويا، ما يتطلب العمل على استثمارها كمنتج سياحي أثري إنساني.
وبين أن لديه وسط مدينة كفرنجة بيتا تراثيا بحالة جيدة، مشيرا إلى أنه خاطب، قبل أربعة أعوام، وزارة السياحة والبلدية لعمل صيانة وإعادة تأهيل البيت التراثي لاستخدامه في مجال السياحة والتراث.
وأوضح عناب أن البيت يتكون من طابقين، بحيث كان الطابق الأرضي مخصصا لسكن الأسرة، وهو مؤلف من فناءين واسعين متقابلين مبنيين بنظام “العقد”، وهو عبارة عن فناء مبني من الحجر مسقوف بسلسلة متصلة من القناطر الحجرية المبنية من الحجر المشذب، ويرتكز السقف على الجدران، تعلوه قبة قليلة الارتفاع تخلو من الدعائم الداخلية، والواجهة الخارجية مبنية من الحجر الأبيض المشذب بطريقة هندسية، بينهما ساحة مسقوفة بنفس طريقة بناء البيت، فيما كان الطابق الثاني مخصصا للمونة.
وأشار إلى أن الطابق العلوي والمعروف بالعليّة مؤلف من غرفتين واسعتين تصل إليهما بدرج حجري أنيق مخصص لاستقبال الضيوف. كما بني في ساحة البيت الواسعة فناءان واسعان من الحجر والطين بنظام القناطر الحجرية مسقوفة بأخشاب سيقان الأشجار (الحور والطرفا)، وفوقها طبقة من أغصان الأشجار ونبات البلان تعلوها طبقة من التراب، وأخيرا طبقة من الطين المخلوط بمادة التبن لمنع تسرب مياه الأمطار إلى داخل البيت.
ويقول الباحث محمود الشريدة “إن بيوت الحجر والطين في عموم محافظة عجلون، خصوصا بلدة الوهادنة، ما يزال بعضها أو أجزاء منها قائمة إلى الآن، وهي أحد أنواع العمارة القديمة التي تعكس المستوى الحضاري للشعوب في الزمن القديم”، مبينا أن هذه المساكن المتلاصقة تشكل تجمعات كان يطلق عليها قديما (الحارات)، وتمثل نمطا معماريا فريدا، إذ يتم بناؤها من الحجر والطين المجبول بالتبن لزيادة قوة البناء وتماسكه.
وأضاف أنه، وبهدف إبراز تلك البيوت وتسليط الضوء عليها، كان قد أعد بحثا موسعا عنها بهدف إحيائها من خلال استثمارها وإدراجها على خريطة المواقع السياحية والتنموية للمحافظة.
عرض الجدران وقلة النوافذ
وأكد الشريدة أن البيوت تمتاز باتساعها وبعرض جدرانها وقلة النوافذ، وبقيت تؤدي وظيفتها بشكل تام حتى نهاية الستينيات من القرن الماضي، إلى أن حلت محلها البيوت الحديثة المبنية من الإسمنت والمدعمة بالحديد، ولم يتبق منها في هذا الوقت سوى مجموعة من بقايا البيوت المتهدمة ويقدر عددها بعشرة بيوت قديمة، إلى أن استملكتها دائرة الآثار العامة في أواخر التسعينيات من القرن الماضي لتحافظ عليها.
كما أشار إلى “أن خربة الوهادنة، وهو الاسم القديم للبلدة، تقع على سفح جبل ينحدر باتجاه الغرب، وترتفع عن سطح البحر بمقدار 590 مترا، ومنها يمكن مشاهدة السهول الخضراء الساحرة في غور الوهادنة، كما تستطيع أن تشاهد أجمل المناظر في فلسطين المحتلة، حيث سهول بيسان وجبال الناصرة وجنين ونابلس والقدس”، لافتا إلى أن الشواهد التاريخية تدل على أن خربة الوهادنة سكنت منذ أقدم العصور، إذ أقيمت فيها المراكز العمرانية منذ فترة تزيد على خمسة آلاف سنة، وتعد من ضمن خرب جبال عجلون التي وجدت فيها مخلفات أثرية، كقطع الفخار التي يعود تاريخها إلى العصرين النحاسي والبرونزي. كما وجدت فيها قطع فخارية تعود إلى العصور البيزنطية والأموية والعباسية والأيوبية والمملوكية.
يذكر أن دائرة الآثار العامة، وقبل نحو ثلاثين عاما، وفي سبيل حماية بعض هذه الآثار، قامت باستملاك جزء محدد من بيوت القرية القديمة في الوهادنة للمحافظة على هذه الكنوز الأثرية الثمينة، واعتمدتها كمواقع أثرية.
من جهته، أكد مدير آثار عجلون أكرم العتوم أن المحافظة تزخر بالعديد من البيوت القديمة ذات الطابع التراثي، التي يمكن أن تشكل قيمة مضافة إذا تم ترميمها وفق أسس علمية وفنية، بحيث تتحول إلى مواقع جذب سياحي وثقافي، مشددا على أن الأبنية غير الصالحة للترميم والتي تخالف شروط السلامة العامة يجب أن تزال حفاظا على السلامة العامة، وحتى لا تؤثر على المشهد الجمالي للمحافظة.
ومؤخرا، قررت بلدية محافظة عجلون تشكيل لجنة متخصصة لفحص سلامة المباني القديمة والمهجورة في المحافظة، تمهيداً للشروع في إزالة البيوت الآيلة للسقوط التي تشكل خطراً مباشراً على حياة المواطنين وسلامتهم.
وأكد رئيس لجنة بلدية عجلون المهندس محمد البشابشة أن تشكيل اللجنة يأتي استجابة لمطالب الأهالي وللحفاظ على سلامة المواطنين، معرباً عن التزام البلدية باتخاذ الإجراءات اللازمة لإزالة المباني الخطرة.
عامر خطاطبه/ الغد