على بال مين يا اللي ترقصوا باللعتمة؟/ نايف المصاروه

بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أن القدس بشقيها ، هي عاصمة الكيان الصهيوني المحتل، ونقل السفارة الأمريكية إليها ، في 14 مايو/أيار / 2017، وبرعاية كبير المستشارين في البيت الابيض سابقا، وصهر ترامب، جاريد كوشنير، ليتزامن ذلك مع الذكرى السبعين لقيام ما يسمى بإسرائيل، وهي خطوة في أساسها مخالفة للقانون الدولي.
لكن في ظل الإستقواء، وفي ظل حالة الوهن والخنوع والتخاذل ، وغياب أصحاب الحق في الدفاع عن حقوقهم، بالسنان واللسان، استأسدت الثعالب واستمسحت السحالي ؟

أذكر أن  موقع مجلة فوربس، ذكرت إن 33 دولة من بين 86 دولة، لديهما علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، قبلت الدعوة لحضور مراسم افتتاح السفارة الأمريكية في  القدس، من بينها 4 دول من الاتحاد الأوروبي شاركت بحفل الإفتتاح، وهي المجر وجمهورية التشيك والنمسا ورومانيا.

وقبل ذلك وفي ديسمبر/كانون أول عام 2017 صوتت 9 دول من بينها الولايات المتحدة وإسرائيل ضد قرار يدعو الولايات المتحدة لسحب اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل، وكانت الدول السبع الأخرى هي غواتيمالا وهندوراس وجزر مارشال وميكرونيزيا وناورو وبالاو وتوغو.

فماذا فعل العرب، وبما لديهم من اوراق سياسية وإقتصادية، هل توحدوا  وهددوا بأن أي دولة  تنقل سفارتها الى القدس، سيتم مقاطعتها سياسيا واقتصاديا، اقول مثلا… من غير شر!

سكوت العرب عن المناورة، دفع  الخارجية الإسرائيلية ، الى الإعلان بأنها اعتمدت حزمة من الحوافز “الرشاوى”، بقيمة 50 مليون شيكل (قرابة 14 مليون دولار) لتشجيع الدول لنقل سفاراتها في إسرائيل  الى القدس الشرقية .

ونزولا عند رغبة الصهاينة واذنابهم،ورغبة في المناكفة وطمعا في العطايا، اعلنت بعض الدول ، انها ستحذوا حذوا امريكا، وتتبعها في نقل سفارتها والتي منها :-

غواتيمالا، وهي الدول الثانية بعد أمريكا التي نقلت سفارتها إلى القدس، ولمن لا يعلم فإن غواتيمالا هي الدولة الثانية أيضاً… بعد أمريكا التي اعترفت بإسرائيل عام 1948.
البارغواي، الرئيس السابق هورسيو كورتيز قام بنقل السفارة إلى القدس الشرقية، إلا أن الرئيس الحالي ماريو بينيتز أعادها إلى تل ابيب، ليرد نتنياهو بقطع العلاقات مع الباراغواي.
هنغاريا، قامت حكومة فيكتور اوربان في شهر مارس (آذار) 2019 بفتح مكتب تجاري في القدس، والذي يعتبر امتداد للسفارة الهنغارية في تل أبيب، لتكون بذلك ثالث دولة لها تمثيل دبلوماسي في القدس، على الرغم من أن وزير خارجيتها أعلن أن بلاده لم تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
البرازيل، الرئيس  جايير بولسينورو، تعهد خلال حملته الانتخابية بنقل سفارة بلاده إلى القدس، إلا أنه لم ينفذ تعهده بعد، لكنه أعلن خلال زيارته الاخيرة  لإسرائيل، عن   نيته فتح مكتب تجاري في القدس، إلا أن ذلك أيضاً لم يحدث بعد.

رومانيا، رئيسة الحكومة فيوريكا دانتسيلا أعلنت مرات عديدة عن رغبتها بنقل السفارة الرومانية إلى القدس، إلى أن رئيس الدولة كلاوس يوهانيس الذي يمتلك الصلاحيات أعرب عن معارضته للخطوة.

التشيك، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018 قام الرئيس التشيكي ميلوش زامان بافتتاح بيت الثقافة التشيكي في القدس، كما أنه يدعم نقل السفارة إلى القدس، إلا ان الحكومة التشيكية تعارض الفكرة، مع الإشارة إلى أن بيت الثقافة لا يعتبر تمثيلاً دبلوماسياً للتشيك.
وكانت بنما قد أعلنت أيضا أنها ستحذو حذو واشنطن ولكنها تراجعت.
سلوفاكيا، أعلنت خلال مارس (آذار) الماضي عن فتح مكتب تجاري بوضع دبلوماسي في القدس.

هندوراس، ومن خلال رئيسها  خوان هيرننادز، أعلن سابقا  عن موافقته المبدئية ، لنقل سفارة بلاده إلى القدس، إلا أنه وضع شروطاً مقابل ذلك من بينها قيام إسرائيل بفتح سفارة لها في بلاده.
وقبل يومين  وخلال زيارته الى فلسطين المحتلة، وبعد لقاءه مع رئيس الوزراء الصهيوني بينيت، تم افتتاح  سفارة هندوراس في القدس في خطوة دبلوماسية، قال عنها الرئيس خوان هيرننادز، أنها من المرجح أن تثير غضب الفلسطينيين، ومع ذلك اقدم عليها!

وأنا استعرض اسماء تلك بعض تلك الدول، تذكرت المثل القديم الشائع ”ما ظل في الخمّ (أي قن الدجاج) إلا ممعوط  الذنب”، اي منتوف الريش، ويعني أنه لم يبق للحديث او للفعل إلا الوضيع ، او من لا قيمة أو وزن له.

لمن لا يعلم شيئا عن هندوراس، فهي  من دول أمريكا الوسطى، وهي صغيرة المساحة، وفقيرة الموارد،
وينخفض فيها معدل دخل الفرد، وتبلغ نسبة العاطلين عن العمل، أكثر من ربع عدد سكانها تقريباً.
تشتهر بزراعة الموز والبن وبعض الزراعات الأخرى،  ويعمل أكثر من نصف السكان في الزراعة، ويُعد الموز مصدر الدخل الرئيسي في البلاد، ويتم زراعته في الأراضي المنخفضة الشمالية على امتداد البحر الكاريبي.

بعد  افتتاح سفارة هندوراس في القدس، قال بينيت
مخاطبا الرئيس الهندوراسي ، “مرحبا بالقادمين إلى عاصمتنا الأبدية القدس” .
ومجيئكم لافتتاح سفارة هندوراس في القدس، وإعادة فتح سفارة إسرائيل في تيغوسيغالبا واتفاقيات التعاون التي وقعناها ، هي تعبير آخر عن الصداقة والعلاقة العميقتين بين “الدولة اليهودية” – دولة إسرائيل”، وبين الشهب والدولة الهندوراسيين بقيادتكم”.

ومبينا   “أنه  صديق حقيقي لإسرائيل، وأن “هندوراس تحت قيادته، تقف بشكل دائم إلى جانب إسرائيل في المؤسسات الدولية وفيما هذا الموقف لا يحظى بالإعجاب دائما، ويكون أحيانا مقرونا بدفع ثمن، وهذا دليل على الصداقة.
المهم ” أن الصهاينة سيرسلون  “كمية لقاحات رمزية” لهندوراس مقابل دعمها  السياسي.

السؤال.. معقول تكون اللقاحات التي ارسلها الصهاينة لهندوراس، من نفس اللقاحات التي تم منحها للسلطة الفلسطينية؟

وزارة الخارجية في السلطة الفلسطينية  أدانت.. إقدام هندوراس على نقل سفارتها إلى القدس، “وقالت في بيانها، إن ذلك يعد انتهاك صارخ للقانون الدولي والقرارات الأممية الواضحة، وأن إفتتاح السفارة خطوة عدائية ضد الشعب الفلسطيني.

وأن رئيس هندوراس أصر على تنفيذه بدوافع شخصية، دون الأخذ في الاعتبار الإجماع الدولي بشأن المدينة المقدسة، ولا حقوق الشعب الفلسطيني في ترسيخ دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية”.
عبال مين يلي ترقص بالعتمه!
السؤال، اولا اين هو القانون الدولي؟
وكيف نستهجن فعل هندوراس او غيرها ، وفينا ومنا معاشر العرب من يوالي الصهاينة ويمدهم بكل ما يحتاجون إليه، من تطبيع لكل العلاقات وتنسيق أمني ، حتى أن بعضهم  مولوا  بناء الكنس ليتعبد بها اليهود!

والقول بأن هندوراس اتخذت  قرارها “دون إعطاء أي اعتبار لآلاف الفلسطينيين في هندوراس الذين يُشكلون ثاني أكبر جالية في أميركا اللاتينية، ولهم  مكانتهم  في المجتمع الهندوراسي “.
والسؤال ايضا. .. ماذا فعلت  تلك الجاليات العربية او الإسلامية  ،التي تقيم في هندوراس بعد إفتتاح السفارة في القدس ؟
هل أعلنوا عن نيتهم بمغادرة هندوراس، وتصفية أعمالهم، على قاعدة أن صديق عدوي هو أيضا عدوي، أم أن تجارة الموز أولى؟

بيان الخارجية الفلسطينية.. جاء فيه أيضا.. ، إن خطوة إفتتاح السفارة أمر غير شرعي ، وأن رئيس هندوراس قد عزل بلاده إقليميا ودوليا، وسيكون له انعكاسات سلبية، حيث أن دولة فلسطين ستتابع هذه القضية بدقة…. وستقوم باتخاذ التدابير المناسبة”.
وبما أنني لم أسمع من العرب كعادتهم، الكثير من الشجب والتنديد، بما اقدمت عليه دولة الموز الهندوراسية، فالسؤال كيف سيتم عزل هندوراس إقليميا ودوليا؟
وما هي الإنعكاسات السلبية،او التدابير التي ستتخذها السلطة الفلسطينية ؟

كم يتكرر المثل.. على بال مين يا اللي بترقصوا  بالعتمة” والذي يقال لكل شخص او جهة تظن انها تقوم بعمل، ولكن لا أحد يشعر به، إما لعدم الجدية أو لعدم الجدوى!

بالمناسبة وللتذكير، انه وفي ذات الوقت الذي كانت تجري فيه مراسم افتتاح سفارة هندوراس في القدس، كانت الشرطة الإسرائيلية تمنع بعض المؤازرين لسكان حي الشيخ جراح، فيما كانت تسمح لليهود بكل الحرية!

وفي ذات الوقت أيضا.. كانت الشرطة الفلسطينية تفرق جموع المحتجين في رام الله والخليل، بعد أن خرجوا إحتجاجا على مقتل أو إغتيال الناشط الفلسطيني، نزار خليل بنات، بعد اعتقاله من قبل قوة أمنية فلسطينية  من منزله، في مدينة الخليل  فجر الخميس الماضي ، ثم إعلان وفاته ، وقد اتهمت عائلته السلطة بأنها اغتالته مع سبق الإصرار.

نزار عليه رحمة الله، تهمته… أنه كان يعارض نهج الخطأ وسلوك الإستسلام والتنسيق الأمني والتخاذل والإنقسام الفلسطيني ، بمعنى أوضح أن  منهج نزار بنات ليس تهمة، بل هو مهمة  وواجب وشرف  لكل حر شريف.

وجريمة… نزار بنات أنه صدح بالحق ، فصدع رؤوس بعض السماسرة  والمتخاذلين من عبيد الكرسي والدولار والتنفيعات والتلطيشات!

قال ذات مرة في  أحد فيديوهاته التي نشرها عبر صفحته على  فيسبوك، بعد صفقة اللقاحات بين السلطة وإسرائيل، قال  إن “فضيحة اللقاحات ليست سلوكا جديدا، وهناك أشخاص متنفذين ومرتزقة في السلطة، ويبدو أنهم  يريدون ترك البلد خرابا قبل الخروج منها”، وقوله واقع وفضيلة وليست جريمه.

في عالمنا العربي، من يقول الحق ” طاقيته مخزوقة”، ومن السهل جدا ان يتهم بالخيانة، والعمالة والتواطئ، وربما بالزندقة والردة، فيقتل أو يعتقل، المهم أن يصمت، حتى لا يكون شرارة يتطاير شررها، فتنبت الفكر والوعي والتحرر.

اما الذين يشاطرون العدو أحزانه ويشاركونه أفراحه،وينسقون معه في كل أمر، فأولئك يحق لهم أن يفعلوا ما يشاءوا ويحرم مناكفتهم أو معارضتهم.

واهم وأرعن من يظن، أن الأمور ستدوم  على حالها ، وأن الشعوب على عهدها، لم تدرك بعد أن شعاع الشمس يرى  من ثقوب الغربال !

اعتقد جازما أن ” زمن أول حول”، وأن ما بعد سيف القدس ليس كما قبلها!
في مسرحية شريعة الغاب لأحمد شوقي، مثل الثعلب دور المدعي العام، الذي يدافع عن الحقوق، مع أنه أكثر القارضات سرقة وفتكا.

ترى هل علمنا لماذا تجرأت القطط والثعالب، من أصاغر دول العالم، على أمتنا ومقدساتنا وكرامتنا ؟

فاحتلت واستعمرت وانتدبت وقسمت واندثرت ، ثم عادت بأشكال ومسميات من الإحتلال الفكري والإقتصادي والسياسي ، الذي أذهب مفهوم السيادة!

ما تم ذلك سابقا ولاحقا، إلا لأن فينا ومن بيننا، بعض من القادة والسادة والساسة وأذنابهم ، هم أشد عداوة  علينا وعلى أمتنا من الأعداء أنفسهم.
استغرب كيف لقائد أن يسمع ويرى، سلسلة الإعتداءات تتكرر على شعبه وبني قومه وأهل ملته ودينه ،ويرى التعدي السافر على النساء، من أبناء القردة والخنازير ويصمت!
واستغرب أكثر كيف لهم ان يشاهدوا الإساءة لنبي الأمة ورسولها محمد عليه الصلاة والسلام، وتدنيس مقدساتها ومع ذلك يغضون الطرف وينامون ليلهم ؟

ختاما.. إن قتل بعض المعارضين، أو تصفيتهم أو التضييق عليهم، لن يطفأ نور الحقيقة، ولن يخمد مشاعل الحرية، بل إن ذلك سيخلق أجيالا.. لن تقبل بالصمت  او السكوت أكثر ، وستعلن ذات فجر  قريب، بأن الحق ابلج، وأن زمن الصمت والذل والإستسلام والخنوع قد ولى، وقد آن أوان استرداد العزة والكرامة، وأبشركم.. فقج بدأت بشائر ذلك.
ولو تخاذل بعض المتخاذلين من المطبعين والمستسلمين، عبدة الدولار والكراسي الهشة ، واهمس لهم  ولكل دعاة  الإنهزام والإستسلام، من الماسونيين  والمفتونين بالعلمانية… ، أن القدس ستبقى هي القدس، في عروبتها وإسلاميتها، وهي كلها  لا غيرها ، ولا ينقص منها شبر بإذن الله سبحانه، عاصمة دولة فلسطين.
وأن الأقصى سيبقى هو الأقصى، القبلة الأولى وثالث الحرمين، واليه تشد الرحال، واليه ترحل القلوب والأفئدة في كل حين وآن، وأذكر… ما ضاع حق يقف خلفه.. أمة من الأحرار تطالب به ولن تنساه.
وأن بوادر النصر مع الصبر، وزوال ظلمة الليل الحالك، مع أول انبلاجة نور الفجر.

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة