عودة الاتصالات العربية مع دمشق.. تكسر لوح الجليد السوري

بعيداً عن التصريحات الهجومية والسلبية التي تصدر أحياناً من جانب الدولة السورية ضد بعض الدول العربية، أكد مراقبون، أن مخرجات اجتماع لجنة الاتصال العربية المتعلقة بسورية، والذي عقد أول من أمس في القاهرة، كشفت بوضوح عن إدراك الدول العربية، لأهمية إعادة الاتصالات المباشرة مع دمشق، لتحريك العملية السياسية السورية، وكسر لوح الجليد السوري في هذا الاتجاه.

وفي هذا النطاق، فقد تعامل العرب، وفق أحاديث مراقبين لـ”الغد” باهمية مع المبادرة الأردنية للتوصل إلى حل سياسي في سورية، يحاذيه حشد دعم عربي يضعه على طاولة التسوية كحل استراتيجي، أمام المتغيرات الإقليمية والدولية، والانفتاح العربي والتركي على دمشق، وإمكانية تقديم إيران تنازلات، بعد الإعلان عن استئناف علاقاتها مع السعودية، برغم صعوبة تنازل النظام السوري عن علاقاته مع طهران.

استاذ العلوم السياسية د. نبيل العتوم، قال، إنه لمن المؤكد ان الدول العربية المشاركة في اللجنة، تتطلع لأن يكون حراكها في هذا الاتجاه جماعيا، بهدف الإسراع في حل “الأزمة السورية”، برغم ما يقف في وجهها من عوائق، تشوب العلاقات البينية بين دول مجموعة الاتصال والحكومة السورية، وهذا يكشف عن أن عودة سورية إلى جامعة الدول العربية ما يزال شكليا، والسبب عدم وفاء النظام السوري بما وعد به من التزامات، كان عليه تطبيقها، بخاصة مسألة تهريب المخدرات والسلاح، ونشاط المليشيات الايرانية، وتحديدا مع الحدود الاردنية.
واضاف العتوم، إن “هذا الاجتماع يأتي وسط معطيات، تفيد بتعثر المبادرة العربية، عقب مهاجمة الرئيس السوري بشار الأسد للجامعة العربية منذ أيام، وذلك خلال لقاء أجرته مع فضائية خليجية، أوضح فيه، أنه غير معني بالتعامل بإيجابية مع مبادرة عربية لحل القضية السورية، وبالتالي، فإن مثل هذه التصريحات التي تصدر عن رأس السلطة السورية، تفاقم من تعقيد التوصل لحل”.
ولعل وصف الأسد للعلاقات العربية- العربية، بأنها “شكلية منذ عقود”، وأن العرب لا يطرحون أفكاراً عملية، ويحبون الخطابات والعلاقات الشكلية، برغم أن الصورة التي تحدث بها عن الواقع العربي عكس ذلك تماما، إلا أنه أبدى عدم توافقه مع اي تصور يجري في نطاق عربي، يتطلع للحل.
وأضاف العتوم، أن الأردن معني بايجاد مسار عربي جاد وواضح لحل الازمة السورية، على قاعدة “خطوة مقابل خطوة”، وبما ينسجم مع القرار الأممي 2254، وبذل جهود التوصل إليه، الى جانب محاربة الإرهاب وتهيئة الظروف للعودة الطوعية للاجئين السوريين، في ظل انعدام وجود ارادة دولية لمساعدة الاردن، لتخطي آثار هذه الازمة وتداعياتها الاقتصادية والامنية والسياسية.
وبحسبه، فإن هذا لن يتأتى الا بتفعيل لجنة الاتصال العربية التي كانت أقرتها الجامعة العربية، للوصول الى مخرجات تسهم بمعالجة الأزمة السورية وتبعاتها، وهذا للأسف لم يتحقق أمام تنصل النظام السوري مما تعهد به من التزامات، ويفسر التوقف التدريجي لاندفاع بعض الدول العربية لتطبيع علاقتها مع نظام الأسد، سياسيا واقتصاديا، في حين أبقت تلك الدول، على خطوط تواصل أمني واستخباري لاعتبارات عديدة، وتجميد سياسة الانفتاح على النظام هناك، ووقف هذا التحرك “المجاني” لاستعادة سورية، والتحفظ على تقديم أي مساعدات له.
ورأى العتوم، ان تطور مسار التطبيع مع نظام الأسد، بات مرتبطا بمبدأ “خطوة مقابل خطوة”، ما يتطلب تقديم خطوات ايجابية من جانبه، لتقابلها خطوات عربية، وبالذات فيما يتعلق بالقضايا الأساسية التي جرى التأكيد عليها مرارا، وهي “تهريب الكبتاغون” و”عودة اللاجئين”، والانخراط في مسارات الحل السياسي.
وقال إن قضية “تهريب المخدرات” من سورية إلى الأردن ودول الخليج مستمرة، ولم تشهد “عودة اللاجئين” أي بادرة إيجابية من النظام، وما تزال مسارات الحل السياسي، وأبرزها “مسار اللجنة الدستورية السورية” مجمدة.
المتغير الثاني بحسبه، مرتبط بعلاقات قوى دولية مع النظام وتحركاته الأخيرة، أما المتغير الثالث، فمرتبط بما شهدته العلاقات الإقليمية من تذبذب بشأن العلاقات العربية السورية، وأبرزها العلاقات الخليجية السورية، وتداخلها مع المتغير الايراني الذي يحتل المشهد السوري.
ورجح العتوم، أن أي تغيّر كبير وسريع عربيا جهة سورية، سيتباطأ في المرحلة المقبلة، في ظل غياب تغيرات دراماتيكية سورية، مثل تغيّر موازين القوى بين المعارضة والنظام، أو تقديم النظام لحلول جديدة، واستعداده لتبديل سلوكه السياسي مع المعارضين، وعودة اللاجئين، ووقف اندفاعه جهة ايران، وضبط مليشياتها واذرعها، المنتشرة في الجغرافيا السورية وبالذات حزب الله اللبناني.
وسبق لعمان، استضافتها في مطلع ايار (مايو) الماضي اجتماعا لبحث الأزمة السورية، شارك فيه وزراء خارجية السعودية ومصر والعراق وسورية، واكدوا فيه أولوية إنهاء الأزمة السورية، وتداعياتها، والاتفاق على إيصال مساعدات إنسانية وطبية للسوريين، ومواصلة الاجتماعات لبحث الوضع الإنساني والأمني والسياسي هناك.
ورأى استاذ العلوم السياسية د. هاني السرحان، انه برغم جدية المبادرة الأردنية للحل، الا أن اجتماع القاهرة لم يخرج عن الاطار البروتوكولي، فالتطبيع العربي مع دمشق دخل فعليا مرحلة الجمود، جراء تعنت النظام هناك، وطلبه من الدول العربية الإسهام برفع العقوبات الغربية عنه، والحصول على أموال منهم لإعادة الإعمار، بذريعة تأمين عودة اللاجئين، من دون أي شكل من أشكال التعاون في مكافحة تهريب المخدرات.
وبين السرحان، أن العواصم العربية، ترى ضرورة التوصل إلى تسوية سياسية شاملة للأزمة السورية في سياق التحرك العربي الجماعي أولا، ووفق “خطوة مقابل خطوة” سوريا، ما يستدعي من دمشق التجاوب مع الموقف العربي إيجابيا، بعيداً عن التصريحات الهجومية والسلبية التي تصدر أحياناً من العاصمة السورية.
واضاف “ما تزال قضية تهريب المخدرات من سورية إلى الأردن ودول الخليج مستمرة، ولم تتحلحل مسألة عودة اللاجئين السوريين، وهو ما نراه في مسارات الحل السياسي، وأبرزها مسار اللجنة الدستورية السورية”.
وكانت الجامعة العربية دعت، لجنة الاتصال الوزارية وتضم: الأردن، السعودية، العراق، لبنان، مصر، وأمين عام الجامعة العربية في نهاية أيار (مايو) الماضي، لمتابعة تنفيذ “بيان عمّان” والاستمرار بحوار مباشر مع دمشق، للتوصل الى حل للأزمة، يعالج تبعاتها، وفق “خطوة مقابل خطوة، وبما ينسجم مع القرار الأممي  2254.
السفير السابق أحمد مبيضين، بين أن اجتماع القاهرة بحث أسباب الركود وتحريك الجمود بعد اجتماعي عمان وجدة بشأن الملف السوري، وكيفية تنشيطه، وتسريع إيقاع عودة سورية الى محيطها العربي.
ولفت مبيضين، الى أن اجتماع مجموعة الاتصال مؤخرا، يأتي وسط جمود سياسي سوري، لكنه، أي الاجتماع، فرصة لمراجعة ذلك، بخاصة وان الحل السياسي يأتي في مرتبة متأخرة نسبيا، نظراً لتحول الاهتمام الدولي إلى الأزمة الأوكرانية ومجرياتها، واتجاه الاهتمام الأميركي نحو صعود الصين.
واكد اهمية المبادرة الأردنية للحل السياسي في سورية، وحشد الدعم لوضعها على طاولة التسوية كحل استراتيجي، مدفوعا بالمتغيرات الإقليمية والدولية، والانفتاح العربي والتركي على دمشق، بالاضافة لإمكانية تقديم إيران تنازلات بعد الإعلان عن استئناف علاقاتها مع السعودية، برغم صعوبة تنازل دمشق عن علاقاتها مع طهران.
وأضاف مبيضين “ان اجتماع لجنة الاتصال العربية، يسهم ببناء الثقة في طرح الملفات المشتركة على طاولة النقاشات والتوصل لاتفاقيات بشأن تهريب المخدرات وعودة اللاجئين، لما تشكله من ضغط وتهديد لدول جوار سورية”.
وكان مجلس وزراء الخارجية العرب، أقر في اجتماعه الطارئ في القاهرة في الـ7 من ايار (مايو) الماضي، استئناف مشاركة وفود الحكومة السورية في اجتماعات مجلس الجامعة العربية ومنظماتها وأجهزتها، منهياً قرار تعليق عضويتها الذي صدر في تشرين الثاني (نوفمبر) 2011، أي بعد 8 أشهر من اندلاع الاحتجاجات في سورية.
وتضمن قرار اجتماع القاهرة حينها؛ تشكيل لجنة اتصال وزارية تضم: الأردن، والسعودية، والعراق، ولبنان، ومصر، وأمين الجامعة العربية، لمتابعة تنفيذ بيان عمّان، والاستمرار بالحوار المباشر مع الحكومة السورية، لحل الأزمة السورية، في إطار مبدأ “خطوة مقابل خطوة”، وبما ينسجم مع القرار الأممي 2254.

زايد الدخيل/الغد

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة