“عين سارة”.. نقش في ذاكرة الكركيين ومقصد مهدد بفقدان بريقه

الكرك- رغم تراجع أهمية “عين سارة” في المجتمع المحلي بمحافظة الكرك، إلا أنها ما تزال مقصدا مهما وبهجة لزوارها في كل وقت وحين، فمن النادر في كل فصول السنة أن تخلو جنبات عين سارة في وادي الكرك من الزوار، وحتى في موسم الشتاء، هناك من يجلس أسفل الأشجار ويستمتع بإشعال النار.
ولسنوات قليلة خلت، كان موقع “عين سارة” الواقع في أسفل الجبل الذي بنيت عليه مدينة الكرك وقلعتها التاريخية من الجهة الغربية، مكانا نابضا بالمياه والحياة، ومقصدا أساسيا للزوار من داخل المحافظة وخارجها.
وكانت مياه العين تستخدم في قديم الزمان في العديد من النشاطات مثل طحن الحبوب، حيث توجد بقايا مطحنة قديمة في أعلى العين، التي تغذي كذلك مئات البساتين والمزارع المنتشرة على جانبي الوادي المنحدر صوب البحر الميت، وماؤها يمثل عصب الحياة لوادي الكرك الذي يزود المحافظة بما تحتاجه من الخضراوات والفواكه.
وتشكل مياه “عين سارة” عصب النشاط الزراعي في منطقة وادي الكرك، حيث يعمل مئات المزارعين من أبناء المنطقة في زراعة المحاصيل الزراعية سواء من الأشجار أو محاصيل الخضار الموسمية، خصوصا مع طبيعة المنطقة التي توصف بأنها شبه غورية.
وتشتهر المنطقة بزراعة الزيتون والتين والعنب والرمان والجوز والليمون، وهي توفر فرص عمل دائمة لأبناء المنطقة الذين يعملون بأيديهم في زراعة مختلف المحاصيل، ونادرا ما تجد عمالة وافدة في بساتين المنطقة.
وكانت مياه العين تشهد أفراح الأسر الكركية بزواج أبنائها، حيث يشكل غسيل الصوف على ماء السيل لازمة الزواج بالكرك؛ إذ تقوم الأسر كاملة بالقدوم إلى “عين سارة” لغسيل صوف الزوجية على المياه الجارية وسط الأهازيج والأغاني الشعبية ولأيام عدة، وتذبح الذبائح فرحا بغسيله.
اصطياد ما تيسر من أسماك
وتشكل العديد من الأمكنة في “عين سارة” جزءا مهما من طبيعة المكان وجزءا أصيلا من تكوينه، مثل “المصطبة”، وهي مكان يقع قريبا من نبع العين الرئيسي، حيث كانت المصطبة مكانا يتسابق إليه المصطافون من أبناء الكرك في الصيف، إلى جانب العديد من الأماكن الجميلة على جانبي السيل الممتد إلى أسفل وادي الكرك حيث برك المياه العديدة، التي تتجمع فيها الأسماك ويقوم الأهالي باصطياد ما تيسر منها.
وفي السنوات الأخيرة، بدأت تنتشر في منطقة وادي الكرك سياحة التجوال وتسلق الأودية والمغامرة، بسبب طبيعة المنطقة الخلابة، وخصوصا في أسفل وادي الكرك حيث مصب “عين سارة” في البحر الميت. وانتشرت معها سياحة الطعام الشعبي والنزل المحلية التي تستقبل السياح من داخل المملكة وخارجها، وهي تعبر عن الحياة الاجتماعية والاقتصادية لأهالي وسكان المنطقة.
وقال المواطن سيف المعايطة، إن منطقة “عين سارة” تشكل حالة مختلفة تماما عن كل المناطق السياحية والطبيعية بمحافظة الكرك، بسبب تاريخها وطبيعتها الجميلة، لافتا إلى أن “عين سارة” هي المكان الأكثر أهمية وارتباطا بالمجتمع في الكرك، لوجود رابط نفسي بكون “عين سارة” من عناوين الكرك التاريخية.
وأشار إلى أنه يجب أن يتم المحافظة على مكانها وصيانته بشكل دائم، ذلك أن حال الموقع منذ سنوات طويلة يثير الحزن بسبب تردي أوضاعه وتراجع أهميته في الحركة السياحية وحتى التنزه المحلي للمواطنين، لغياب الخدمات ومواقع الجلوس وغيرها، حيث أصبح لافتا وجود أعداد قليلة فقط من المواطنين حتى في أيام العطلات.
وعبر الشاب علي الحباشنة عن أمله بأن تعود “عين سارة” إلى مكانتها، لأنها كانت قبلة كل السكان بالمحافظة للتنزه أو لغسيل الصوف للمتزوجين أو حفلات السهر للأعراس وغيرها من المناسبات الاجتماعية أو ولائم الطعام خارج المنازل.
ودعا الحباشنة، المتنزهين والزوار، إلى التحلي بالمسؤولية في الحفاظ على مواقع التنزه نظيفة، وعدم تعريضها للتخريب كما هو الحال دائما، مشددا على أن كثيرا من السكان يغادرون الموقع حال قدومهم لعدم وجود مواقع للجلوس بسبب الفوضى بالمنطقة.
حملات تنظيف وإعادة تأهيل
وكانت بلدية الكرك، نظمت مرارا حملات تنظيف وإعادة تأهيل لمنطقة “عين سارة” ومجرى السيل، كما نفذت مشروعا لأعمال الصيانة والتجهيزات لإعادة تأهيل المجرى وإعادة صيانة البسطات هناك، بهدف تطوير أماكن التنزه والجلسات التي تتعرض للتلف وغيره بسبب سوء الاستخدام من قبل بعض المتنزهين.
من جهتها، أطلقت مديرية ثقافة الكرك، مؤخرا، مسارا ثقافيا سياحيا يجمع “عين سارة” وبلدة وادي الكرك؛ بذان وبردى، وهي من البلدات القديمة بوادي الكرك، وذلك ضمن جهود تعزيز الحراك الثقافي والسياحي في المحافظة وإبراز جماليات المكان وثرائه التاريخي. وشمل المسار تنظيم جولة تعريفية للمشاركين، تخللتها محطات للشرح والتوثيق حول أهمية هذه المواقع وما تختزنه من قيم طبيعية وتراثية؛ حيث شكلت “عين سارة” محطة مائية ذات رمزية تاريخية واجتماعية، فيما عكست بذان وبردى المشهد الطبيعي المتناغم مع الموروث الشعبي والحكايات المتداولة بين الأهالي.
وقالت مديرة ثقافة الكرك ومساعدة الأمين العام للوزارة عروبة الشمايلة “إن هذا النشاط يندرج ضمن سلسلة فعاليات تهدف إلى جعل الثقافة جزءا حيا من التجربة السياحية، وربط الإنسان بالمكان عبر الفنون والأنشطة التفاعلية، خصوصا أن هناك أهمية كبيرة لوادي الكرك وعين سارة في الوعي الثقافي والاجتماعي للمواطنين في محافظة الكرك”.
وأشارت إلى أنه شارك في المسار مجموعة من الناشطين الشباب والمهتمين بالثقافة والتراث والسياحة البيئية؛ حيث تم تبادل الحكايات والقصص الشعبية المرتبطة بالمواقع، إلى جانب توثيق التجربة بالصور والأنشطة الفنية، موضحة أنه تم تنظيم هذا المسار يعد تأكيدا على أهمية التكامل بين الثقافة والسياحة كرافعة للتنمية المجتمعية، وإبراز الكرك كمحافظة تزخر بالمواقع الغنية التي تستحق أن تكون مقصدا للزوار والمهتمين بتاريخ المكان وجمالياته.