غابات دبين في جرش.. جفاف واسع يصيب الأشجار ويفتح باب التحطيب الجائر

جرش– تشهد غابات دبين في محافظة جرش أضرارا بيئية واسعة نتيجة تداعيات التغيرات المناخية بشكل عام، لا سيما ارتفاع درجات الحرارة والانحباس المطري خلال الموسم الماضي، حيث تأثرت الأشجار المعمرة، خصوصا أشجار القيقب والسنديان، بجفاف واسع أدى إلى تدهور حالتها الطبيعية.

وتسبب هذا الوضع، في زيادة مخاطر التحطيب الجائر واستغلال الحاجة المتزايدة للحطب للتدفئة، مما يضع الغابات أمام تحديات بيئية واجتماعية متشابكة، إذ يأتي هذا التدهور في وقت تبذل فيه جهود مضنية لتعزيز حماية الغابات وضمان استدامة الموارد الطبيعية فيها، من خلال برامج الرصد، والمراقبة، والتوعية البيئية، إضافة إلى المساعي لإدراج تلك الغابات ضمن القائمة الخضراء للاتحاد الدولي لصون الطبيعة، بهدف تحقيق نهضة بيئية وسياحية مستدامة.
ووفق ما ذكر لـ”الغد”، مدير غابات دبين المهندس بشير العياصرة، “فإن التغيرات المناخية ألحقت أضرارا بالغة بأشجار القيقب والسنديان، وتعرضت مئات الأشجار للجفاف، وبعض الأشجار تحول لونها من الأخضر إلى الأحمر، وهذه الدرجة من الجفاف يمكن أن تتجدد بعد تحسن الموسم المطري، أما الأشجار التي تحول لونها إلى اللون الأسود، فلا يمكن أن تتجدد وقد تعرضت للجفاف الكامل، مما شجع المعتدين على تحطيب هذه الأنواع والاستفادة من ثمنها من خلال بيع هذه الأحطاب، لا سيما أن آلاف العوائل بحاجة حاليا إلى حطب التدفئة ويعتمدون عليه لقلة تكلفته مقارنة بوسائل التدفئة الأخرى”.
وأضاف “أن دوريات موظفي الجمعية العلمية الملكية لحماية الطبيعة وعددهم ستة موظفين، بالتعاون مع وزارة الزراعة، تقوم على مدار الساعة بجولات ودوريات مراقبة لغابات دبين بشكل خاص في المواقع التي تعرضت الأشجار فيها للجفاف، للحد من العبث الذي يزيد في هذه الفترة، والحفاظ على الثروة الحرجية على أمل تحسن الموسم المطري وتجدد الأشجار التي جفت تلقائيا”.
وأشار العياصرة إلى “أن توجه بعض الشباب إلى الغابات وجمع الأحطاب يأتي بسبب البطالة والفقر وحاجتهم إلى أي مصدر دخل نظرا لقلة برامج التنمية والتشغيل التي توفر فرص عمل لهذه الفئة، مما يجبرهم على السعي داخل الغابات وبشكل سري، خصوصا في ساعات الليل المتأخرة، وجمع الأشجار الجافة وبيعها للمواطنين بأي سعر في سبيل توفير جزء من مصروفه اليومي”.
إنشاء مصانع للجفت
وبحسب العياصرة، “فإن السبب الآخر هو اعتماد بعض المواطنين على الحطب في التدفئة نظرا لقلة التكلفة مقارنة بوسائل التدفئة الأخرى التي تزيد تكلفتها على ثلاثمائة دينار شهريا، في حين يبلغ ثمن طن الحطب مائة دينار ويكفي حاجة الأسرة شهرا كاملا، وهو ذو كفاءة أفضل في التدفئة من الوسائل الأخرى الأكثر تكلفة، ومن الأولى أن تتوفر بدائل مناسبة للحطب كإنشاء مصانع للجفت ومصانع لإعادة تدوير مخلفات الأشجار وإعادة استخدامها، وخاصة في التدفئة بأسعار مناسبة أقل من سعر الحطب”.
كما أكد “أن مسؤولية حماية والحفاظ على الغابات مسؤولية مشتركة بين جميع الجهات، ويجب الحفاظ على ما تبقى من ثروة حرجية، لا سيما أن العبث كثير، خصوصا الحرائق التي تدمر مئات الدونمات خلال يوم أو يومين، وهذه المساحات تحتاج إلى مئات السنوات حتى تتجدد”.
وتطرق العياصرة إلى “أن الجمعية العلمية الملكية تبذل جهودا مضنية في سبيل نجاح دبين في مسابقة الانضمام إلى القائمة الخضراء الاتحاد الدولي لصون الطبيعة، وقامت بإجراء العديد من الاجتماعات واللقاءات مع المجتمع المحلي والهيئات الرسمية لتخفيف الضغط على الغابات وحمايتها من المخاطر التي تتعرض لها من خلال برنامج مكافحة الحرائق، وتوعية المواطنين بأهمية التنزه بطرق صحيحة لا تلحق الضرر بالأشجار، فضلا عن حمايتها من التحطيب الجائر، إذ إن الغابة حاليا في المراحل النهائية للمسابقة في مرحلة التقييم، ومن المتوقع أن تظهر نتائج المسابقة مع بداية العام المقبل”.
ولفت إلى “أن انضمام غابات دبين إلى محميات القائمة الخضراء الاتحاد الدولي لصون الطبيعة، والتي تنافس عليها بقوة ضمن أعلى الشروط البيئية والسياحية والمناخية والطبيعية التي يجب أن تتوفر في الغابات للمشاركة في المسابقة، سيساهم في إحداث نهضة بيئية وسياحية كبيرة في دبين”.
وبين العياصرة “أن مجموعة من الشروط يجب أن تتحقق قبل دخول دبين في المسابقة، من بينها انخفاض نسبة الحرائق وتخفيف التنزه العشوائي والحد من التحطيب الجائر والحفاظ على مستويات محددة من الغازات والأنظمة البيئية داخل الغابات”.
أشجار عمرها مئات السنين
وأشار إلى “أن نجاح دبين في هذه المسابقة الدولية سيحدث نقلة نوعية في دبين وفي محافظة جرش تحديدا، لا سيما أن هذه المسابقة دولية وعلى مستوى عالمي، وتهتم بالغابات والطبيعة والسياحة الطبيعية والمحميات والثروة الحرجية، وتساهم في إحداث أكبر نقلة نوعية خلال فترة زمنية سريعة مقارنة بالغابات الأخرى، خصوصا أن المواطنين والمجتمع المحلي ومختلف الهيئات الرسمية والأهلية معنية بالمشاركة في المسابقة من خلال تحقيق الشروط”.
وقال العياصرة “إن غابات دبين التي لا تقل مساحتها عن اثنين وستين كيلومترا، والمحمية الطبيعية فيها لا تقل مساحتها عن تسعة كيلومترات، وفيها أنواع وأصناف معمرة من الأشجار الطبيعية، منها السنديان والقيقب والبلوط والخروب والصنوبر، وهي أشجار معمرة وعمرها مئات السنين، وتتوفر فيها كافة الشروط المناخية والسياحية والطبيعية التي تؤهلها للمنافسة بقوة على هذه المسابقة لدخول القائمة الخضراء”.
وأضاف “أن فوز دبين بالمسابقة سيكثف برنامج الحماية للغابات وحمايتها من المخاطر التي تتعرض لها، وأهمها الحرائق والعبث والتحطيب الجائر والتنزه العشوائي، وزيادة الفرص التمويلية للمشاريع التي تختص بالغابات، ومنها مشاريع سياحية وبرامج حماية الطبيعة ومشاريع بيئية واقتصادية واجتماعية، فضلا عن اعتراف دولي بأهمية دبين وضرورة حمايتها من المخاطر التي تتعرض لها”.
كما أوضح العياضرة “أن فوز دبين بالمسابقة سيؤدي إلى التزام كامل من المؤسسات الأهلية والشعبية بواجبها اتجاه الغابات والعمل على استدامة التنمية البيئية وزيادة الحفاظ على الغابات من التنزه العشوائي والمخاطر البيئية”، لافتا إلى “أن بقاء وضع الغابات بهذه المخاطر التي تتعرض لها يوميا سيؤدي إلى دمارها والقضاء عليها بوقت سريع مقارنة مع مدة تشكل هذه الغابات التي تحتاج إلى مئات السنين حتى تصبح بهذا الشكل، خصوصا أن المخاطر تتزايد يوميا، ومن أهمها خطر الحرائق الذي يأتي على مئات الدونمات ويقضي على الثروة الحرجية فيها، فضلا عن خطر تحطيب الغابات واعتماد المواطنين على الحطب في التدفئة، فضلا عن مشاكل التنزه العشوائي وأكوام النفايات التي تترك فيها”.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة