غزة بني هاشم / د. فخري بني نصر

=

 

تحتل مدينة غزة مكانة مهمة في فلسطين بسبب موقعها الاستراتيجي وأهميتها الاقتصادية والعمرانية، وهي واحدة من أبرز المدن الفلسطينية التي تتمتع بمكانة استثنائية في التاريخ والحضارة، وتُعدّ نقطة اجتماع حضاري بين الشرق والغرب، حيث تمتزج فيها عناصر الثقافات المتعددة والتأثيرات الإقليمية، مما يجعلها مدينة متنوعة وغنية بالتراث والتاريخ.

 

تقع غزة في المنطقة الجنوبية من الساحل الفلسطيني على البحر الأبيض المتوسط، وعلى مساحة لا تزيد عن 360 كم2, وقد بُنيت على تلٍ يرتفع (45م) فوق سطح البحر، وتبعد نحو 78 كيلومتراً إلى الجنوب الغربي من مدينة القدسوعلى حافة الأراضي الخصبة، التي تأتي مباشرة بعد سيناء، لتكون المحطة الطبيعية لكل القادمين من مصر، ووجهتهم إلى الشام، ومن الشام إلى مصر.

 

وتقع غزة  على خط التقسيم المناخي، حيث تجمع بين مناخ الصحراء جنوباً ومناخ البحر الأبيض المتوسط شمالاً، وبفضل هذا الموقع، أصبحت مركزاً تجارياً مهماً تُتبادل فيه المنتجات العالمية.

 

تعد مدينة غزة إحدى أقدم المدن في العالم، واكتسبت شهرة كبيرة بفضل موقعها الجغرافي الحيوي، حيث تقع على تقاطع قارتَي آسيا وإفريقيا. هذا الموقع المميز منحها أهمية استراتيجية وعسكرية كبيرة، حيث كانت تُعدّ الحاجز الأول للدفاع عن فلسطين المحتلة.و لعبت دوراً كبيراً في حماية الأمن المصري في شمال شرق البلاد، وكانت ميداناً للصراعات العسكرية بين الإمبراطوريات القديمة والحديثة، بما في ذلك الإمبراطوريات الفرعونية والآشورية والفارسية واليونانية والرومانية والصليبية.

سبب تسمية غزة

لم يُثبت بدقة سبب تسميتها بهذا الاسم، لأن الأمم التي مرت بها قد غيّرت اسمها عدة مرات، فكانت تُعرف بـ”هزاتي” لدى الكنعانيين، و”غزاتو” لدى الفراعنة، و”عزاتي” و”فازا” لدى الآشوريين واليونانيين، و”عزة” لدى العبرانيين، و”غادرز” لدى الصليبيين، أما الإنجليز فيطلقون عليها اسم “غزة” وبالإنجليزية (Gaza).

هناك اختلاف في تفسير سبب تسميتها “غزة”؛ فبعض المؤرخين يعتقدون أنها اشتُقت من كلمة “المَنَعَة” و”القوة”، وآخرون يرون أنها تعني “الثروة” أو “المميزة” بصفاتها الخاصة.

أما بالنسبة إلى العرب، كانت غزة مكاناً مهماً للغاية، حيث كان تجارهم يزورون المدينة في رحلاتهم التجارية والسفر، وكانت مركزاً للكثير من الطرق التجارية، وكانت أيضاً الهدف في إحدى الرحلات الشهيرة التي ذُكرت في القرآن الكريم في سورة “قريش”، حيث كان القرشيون يذهبون إلى اليمن في الشتاء وإلى غزة ومناطق الشام في الصيف، وفي إحدى رحلات الصيف هذه، توفي هاشم بن عبد مناف، جد النبي محمد (عليه الصلاة والسلام)، ودُفِن في غزة عام 524م، كما ولد في هذه المدينة أحد أئمة الإسلام وهو الإمام محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله..

وتقع غزة، على ثلاث واجهات، هي مصر، والجزيرة العربية، والبحر المتوسط، ويجعلها محط أنظار ملوك وجيوش العالم القديم والحديث ، فوقعت غزّة تحت سيطرة قدماء المصريين لأكثر من 350 عاماً، قبل أن ينتزعها الفلسطينيون القدماء، ويحولوها بسرعة إلى إحدى أهم المدن العالمية المؤثرة في القرن الثاني عشر قبل الميلاد. ومن ثم انطوت غزة تحت حكم الأنبياء الملوك من بني إسرائيل داود وسليمان (عليهما السلام)، ثم بسطت الإمبراطورية الآشورية سيطرتها عليها في حوالي عام 730 ق. م، واستمر ذلك لعدة قرون، ثم تحولت إلى سيطرة الحكم الفارسي، قبل أن يضع الرومان أيديهم عليها.

وكان لغزّة منذ عقود قبل الدعوة الإسلامية، تاريخ وطيد وآصرة رحم مع العرب، حيث كانت قوافلهم تجوب غزة والمناطق حولها، ثم كانت بعد ذلك أول مدينة فلسطينية تفتحها الجيوش الإسلامية عام 13ه/ 635 م، وقد تعاقب عليها سلطان مختلف دول الخلافة الإسلامية، وقد كتب لها الاستقرار بُعيد الفتح الإسلامي فترة طويلة، قبل أن يحتلها الصليبيون عام 1099م، حيث حكموها بالحديد والنار والعسف نحو ثمانية عقود، قبل أن يستعيدها الفتح الإسلامي مرة أخرى بقيادة الناصر صلاح الدين الأيوبي عام 1187 م، ليحولها إلى مركز إداري استراتيجيا بين مصر والشام.

وخلال الحرب العالمية الأولى، استولت القوات الإنجليزية على غزّة في 7 نوفمبر 1917م حتى شهر مايو 1948م، وشاركت جميع مدن وقرى وبدو لواء غزّة في الجهاد ضد البريطانيين واليهود؛ ففي ثورة 1929م، غادر اليهود الذين كانوا يقيمون في غزّة بحراسة الجند، ,وفي عام 1936l، شارك سكان قطاع غزة في الثورة الفلسطينية، والإضراب الكبير الذي استمر 173 يوماً. وقُبيل انسحاب البريطانيين عام 1948، وقعت معارك عدة بين أهالي غزّة، والقوافل الإسرائيلية التي كانت تزويد المستوطنات المنتشرة في جنوبي البلاد بالمؤن والعتاد.

واتسعت حركة الفدائيين الفلسطينية، والهجمات المباغتة لأهل غزّة، وخاصة في فترة الخمسينات من القرن العشرين، فكان نشاطاً فدائياً ملحوظاً، فخلال أعوام 1955 – 1956م، شنَّ أهل غزّة أكثر من 300 هجوم فدائي على مواقع ومستوطنات إسرائيلية عدة.

وعاشت غزّة في ظل الاحتلال الإسرائيليمع وجد مقاومات  وثورات ومواجهات التي لم تنقطع بين أهالي غزّة والفلسطينيين النازحين قسراً فيها وقوات الاحتلال الإسرائيلي.

وبعد احتلال إسرائيل لغزّة عقب حرب الخامس حزيران/ يونيو 1967، عَرفت غزة نمطاً جديداً من العمل الفدائي، ففي السنوات الثلاث التي أعقبت الاحتلال، كان الفدائيون يسيطرون على غزّة في الليل، والإسرائيليون يستعيدونها في النهار،

ومن مخيم جباليا الغزّاوي انطلقت انتفاضة الحجارة عام 1987م، وفي تلك الفترة، تأسست حركة حماس ليبدأ منعطف جديد في قضية فلسطين، وبشكل خاص في تاريخ غزّة الذي طبعته الحركة بصبغتها الفكرية، وجعلته مع الزمن منطلق نضالها ضد المحتل الإسرائيلي. وفي عام 2000م، كان لانتفاضة الأقصى دورٌ في تطور أساليب المواجهة بين المقاومة والمحتل الإسرائيلي في غزة، والتي أدت إلى انسحاب إسرائيل من غزّة عام 2005م. وبعدها، شنت إسرائيل أربع حروب على غزّة بعد الانسحاب منها؛ الأولى في ديسمبر 2008، وأسمتها “الرصاص المصبوب”، والثانية في نوفمبر 2012، وأسمتها “عمود السحاب”، وفي يوليو 2014، كانت حرب “الجرف الصامد” على غزّة. وهجمات مدفعية وصاروخية إسرائيلية في عام 2019 أدت لمقتل عشرات المدنيين.

وفي ساعات فجر يوم السبت في 7 أكتوبر عام 2023، كانت عملية “طوفان الأقصى” التي نفّذتها المقاومة الغزّاوية ضد المحتلين، وشملت هجوماً شاملاً للمقاومة على مستوطنات غلاف غزّة، بأكثر من 5000 صاروخ وقذيفة، وأعقبتها هجوم شامل على المستوطنات براً وبحراً وجواً. واعتبر أكبر هجوم على إسرائيل في تاريخها، وبلغت خسائر إسرائيل البشرية ما يزيد عن 2000 مستوطن وجندي، وأكثر من 2500 جريحاً، ونحو 240 أسيراً إسرائيلياً في غزّة، وخسائر مادية بمليارات الدولارات نتيجة ضرب البنى التحتية للمستوطنات، وهروب المستوطنين، وشلل الاقتصاد الإسرائيلي. ولكن الرد الإسرائيلي بما سمته عمليةالسيوف الحديدية، وبغطاء عسكري ومالي وسياسي أمريكي وأوروبي ضخم، ليكون المدنيين الأبرياء في غزّة الضحايا لهذه الحرب. وأدى الانتقام الإسرائيلي لمقتل أكثر من 40000 فلسطيني، وإصابة أكثر من 70 ألفاً من المدنيين،  وتدمير شية كامل  للمباني و المساجد والكنائس والمستشفيات، والمراكز الإغاثية، والمدارس، والأحياء السكنية، وتجمعات النازحين. وأعلنت إسرائيل عن هدفها بالقضاء على المقاومة الفلسطينية في غزّ وابادة الشعب الفلسطيني وتهجير ما بقي منه الى سيناء مصر.

اليوم وبعد مرور سته اشهر على حرب الابادة على  اهلنا في غزة ,لا نستطيع نحن الامة العربية والاسلامية تقديم أي شيء  من اجل ايقاف هذه الابادة الجماعية , لكن فتح لنا المجال كي نقدم المساعدات الغذائية  والاغاثية والدوائي الى من بقي من الاهل في غزة .

والاردن  هي اول الدول العربية  والاسلامية التي قدمت  هذه المساعدات عبر الجسر البري من مصر , بل عملت على انزال المساعدات من  خلال الجسر الجوي  عبر الطائرات سلاح الجو الملكي , وجلالة الملك عبد الله الثاني شارك بنفسة بأنزال هذه المساعدات  على الاهل في غزة من خلال الطائرات الحربية الملكية  بالتنسيق والتعاون مع وزارة الخارجية ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (أونروا) ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة يونيسيف.

د فخري النصر

 

 

التعليقات

  1. غير معروف يقول

    معلومات قيمه ابدعت دكتور

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة