غزة.. مشروع “العصابات المسلحة” يفشل أمام معركة وعي جديدة

بينما تحاول غزة لملمة جراحها بعد عامين من الحرب والدمار؛ يطفو إلى السطح فصلٌ جديد من تداعيات الحرب: الصدام بين حكومة غزة والمقاومة من جهة، وبين العصابات المحلية التي نشأت بدعمٍ مباشر من الاحتلال الإسرائيلي خلال فترة القتال من جهة أخرى.

القناة 12 العبرية وصفت المشهد بأنه “انعكاسٌ لفشل مشروع العصابات” الذي حاولت “تل أبيب” من خلاله إيجاد بديل محلي لحكم “حماس” عبر مجموعات مسلحة ذات طابع عشائري أو مناطقي، سرعان ما تحولت إلى بؤر فوضى وصراع داخلي.

وفي الوقت الذي تنفّذ فيه أجهزة الحكومة و”حماس” حملة واسعة لتفكيك تلك الميليشيات؛ تتعالى الأصوات داخل غزة بالمطالبة بمحاسبة المتورطين في التعاون مع الاحتلال، وسط تأكيدٍ عشائري على دعم الأجهزة الأمنية واستعادة الأمن المجتمعي.

فشل مشروع “العصابات” الإسرائيلية

وبحسب القناة 12 العبرية، تواجه “إسرائيل” اليوم نتائج فشلها في “مشروع العصابات” الذي رعته أجهزتها الأمنية خلال الحرب الأخيرة على غزة.

وتمثلت الفكرة – كما تقول القناة – في دعم مجموعات محلية مسلحة لتكون نواةً لسلطة بديلة في حال انهيار حكم “حماس” بحيث تُدار مناطق القطاع عبر ما سُمّي بـ”الإطار العشائري” أو “الإدارة المحلية”.

لكن التجربة انقلبت على أصحابها، إذ تحوّلت تلك العصابات إلى قوى خارجة عن السيطرة؛ مارست أعمال سلب ونهب، وحاولت فرض نفوذ مناطقي بالقوة. ومع انسحاب الاحتلال من بعض المناطق؛ انفجرت التناقضات الداخلية بين تلك المجموعات.

الآن؛ وبعد مرور أكثر من سنتين على الحرب، تدفع “إسرائيل” ثمن رهانٍ قصير النظر، بعدما تبيّن أن هذه العصابات لم تكتفِ بالفشل، بل أصبحت مصدر تهديدٍ للفوضى وسبباً في ترسيخ صورة “إسرائيل” كمنظمة راعية للانقسام الداخلي الفلسطيني.

حملة “التطهير الأمني”

في مواجهة هذا الواقع، بدأت حكومة غزة وحركة “حماس” حملة أمنية واسعة سُمّيت بـ”حملة التطهير”، تشارك فيها وحدات متخصصة مثل “وحدة السهم” و”قوة رادع”، لاستئصال المليشيات التي تعاونت مع الاحتلال أو حاولت فرض نفوذها بالسلاح.

وتشمل الحملة مناطق متعددة في قطاع غزة، أبرزها رفح حيث كانت عصابة “أبو شباب” تُعد نموذجاً لمشروع “العشائر”، قبل أن تتحول إلى هدف مركزي بعد اتهامها بالتنسيق مع الاحتلال.

وفي مدينة غزة؛ شهد حيّ الصبرة اشتباكات عنيفة مع أفراد من عائلة دغمش، أسفرت عن مقتل عدد من المتعاونين واعتقال آخرين. كما اندلعت مواجهات مشابهة في حيّ الشجاعية وفي شمال القطاع، حيث سلّم بعض أفراد العصابات أنفسهم للأجهزة الأمنية.

وبينما أعلنت بعض العائلات، مثل عائلة المجايدة في خان يونس، عن تسليم أسلحتها تجنباً للصدام، أكدت قيادة “حماس” أن الحملة تستهدف إعادة النظام وحماية النسيج المجتمعي، لا الانتقام أو التصفيات.

موقف العشائر

في ظل هذا المشهد؛ خرجت الهيئة العليا للعشائر الفلسطينية بموقفٍ واضحٍ وصارم على لسان رئيسها أبو سلمان المغني، الذي أعلن دعم العشائر الكامل للأجهزة الأمنية في حفظ الأمن وإنهاء الفوضى.

المغني وصف المجموعات التي تعاونت مع الاحتلال بأنها “فرق ضالة” و”عملاء وجواسيس” ارتكبوا جرائم في حق أبناء شعبهم، مؤكدًا أن عليهم “أن يدفعوا الثمن اليوم”.

وأوضح أن هذه المجموعات مارست النهب والسرقة واستولت على المساعدات الإنسانية، بل سعت لأن تكون بديلاً للاحتلال داخل القطاع، مضيفاً أن كثيراً منهم رفضوا تسليم أنفسهم رغم منحهم فرصاً لذلك.

وأشار المغني إلى أن الظروف الحالية لا تسمح بإجراء محاكمات نظامية بسبب غياب المؤسسات القضائية، لكنّ إقامة محاكم ميدانية ضرورية – كما قال – لتجنّب الفتنة ومنع الاقتتال العائلي، مؤكداً أن التنسيق مع الأجهزة الأمنية يجري بشكل كامل لإعادة الاستقرار.

دلالات سياسية وأمنية

ويعكس المشهد الراهن فشل “إسرائيل” في هندسة واقعٍ سياسي وأمني بديل في غزة. فالرهان على العصابات لم يخلق “سلطة محلية موالية”، بل زاد من تعقيد المشهد وأظهر أن السيطرة على قطاعٍ محاصرٍ وممزق تحتاج ما هو أكثر من المال والسلاح، فهو بحاجة إلى شرعية اجتماعية لا يمكن شراؤها.

من جهة أخرى؛ فإن حملة “حماس” الحالية تحمل بعدين: أمني لضبط الفوضى، وسياسي لترسيخ حضورها كجهة حاكمة قادرة على فرض النظام بعد الحرب.

أما على المستوى الإقليمي والدولي؛ فقد يضع هذا التحول الاحتلال في مأزقٍ جديد: فإما التدخل مجدداً في غزة بما يحمله ذلك من مخاطر سياسية وإنسانية، أو ترك القطاع يدار داخلياً في إطارٍ يعيد “حماس” إلى السيطرة الكاملة، وهي النتيجة التي سعت “إسرائيل” إلى تجنّبها منذ البداية.

وفي نهاية المطاف؛ فإن ما يجري اليوم ليس مجرد تصفية لميليشياتٍ خارجة عن القانون، بل فصلٌ جديد من معركة الوعي والسيادة في غزة، والتي هي بين مشروع الاحتلال القائم على التفكيك، ومشروع المقاومة الساعي إلى إعادة اللُّحمة والنظام بعد سنواتٍ من الدم والدمار.

السبيل

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة