فشل الدولة السورية يفاقم الخطر الإيراني على حدود المملكة

– وسط استمرار تفاقم الأزمة السورية التي قدحت شرارتها في منتصف آذار (مارس) العام 2011، والدولة السورية تحت وطأة أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية غير مستقرة، أودت بها كدولة إلى الفشل في معالجة أي من أزماتها، كملف اللاجئين، وتدهور علاقاتها مع دول الجوار، وغياب أي توجه للمصالحة بين أطياف النزاع السوري- السوري، ما ألقى بالدولة ككينونة سياسية واقتصادية في دائرة حصار عربي وإقليمي ودولي مستمر.

وقد رافق هذا الحصار، تدهور أمني، يعمل على تمزيق وحدة الأراضي السورية، وتفكيك بنيتها الاجتماعية، وتدمير اقتصادها، ومنح قوى إقليمية ودولية كإيران وروسيا والولايات المتحدة وتركيا، فرصا للتدخل المباشر في القرار السوري، وبسط هيمنتها على أبرز مفاصله، كالأمن والنفط والأرض.

وفي هذا النطاق، فإن الملف الأمني، يضع سورية أمام حقيقة انعدام استقرارها، ففي المقاربة الأمنية لما يشكله الوجود الإيراني (الشيعي) في سورية من أخطار على الإقليم، يتصاعد يوميا، وينحو باتجاه خلق أزمات محاذية للأزمة السورية، في ظل غياب دولي واضح عن طرح أي معالجات جدية لها، جراء الانهماك بملف الحرب الروسية – الأوكرانية وتبعاتها، والأزمات الاقتصادية التي تضرب بتقلباتها دول العالم.
فعلى الحدود البرية السورية المشتركة مع الأردن والعراق، تتزايد المخاطر على الأمن الوطني الأردني، التي بدأت تتشكل في نطاق حمولات مهربة للمخدرات عبر الأراضي الأردنية، لكن يقظة الدولة الأردنية، تنفذ مهام حاسمة في إغلاق أي ثغرات محتملة لجعل الأردن معبرا للمخدرات التي تنتج وتصنع في سورية وجنوب لبنان عن طريق مليشيات إيرانية وحزب الله اللبناني.
ومع ارتفاع أعداد المحاولات الفاشلة لتهريب المخدرات عبر الأردن يوميا، والتصدي الأمني الأردني لها، يبرز الدور الإيراني في هذه المقاربة، وتطلعاته لتوسيع دائرة نفوذه الاقليمي في نطاق نظرية “الهلال الشيعي” التوسعية، مستغلا المساحة السياسية واللوجستية التي يهيمن عليها في سورية والعراق، عبر مليشياته وتنظيماته، وحزب الله اللبناني، تتصاعد حدة الحذر الأردني، من نقل ما يعتمل في هذا النطاق من فوضى مليشياوية إيرانية إلى الأراضي الأردنية.
خبير الدراسات الدفاعية اللواء الطيار المتقاعد د. مأمون أبو نوار، قال إن إيران تستحوذ على خطوط أمامية دفاعية في: العراق واليمن وسورية ولبنان، إلى جانب ما يربطها بحركة حماس في غزة، مشيرا إلى أن إيران كقوة إقليمية، تحاول استخدام أوراقها في دول عربية غير مستقرة كسورية واليمن والعراق، والسيطرة على مفاصل مركزية في قرارها السياسي، والتحكم بعلاقاتها الخارجية، وهو ما تكشف في سورية، بشأن عدم قدرة النظام السوري ضبط حدوده البرية مع الأردن، وترك الأمر نهبا لإيران.
وأضاف أبو نوار، أن إيران، حققت “مفهوم الدفاع من الأمام”، أي أنها بوجودها وهيمنتها في دول الإقليم غير المستقرة، أضحت تبسط نفوذا استراتيجيا، يحقق لها حماية الاراضي التي تنتشر فيها بشكل مباشر أو عبر قوى منصهرة معها كحزب الله، ما يحقق لها حيزا من طموحاتها التوسعية.
وبين أن هناك وجودا واضحا ويتمدد لها على الحدود البرية المشتركة مع الاردن من العراق وسورية، فالقوى الايرانية في هذه المناطق الحدودية، تبدو كبديل فاعل للجيوش النظامية في البلدين، ما منحها حرية مضاعفة قواعدها العسكرية فيهما، وزيادة بسط سيطرتها بعد خفوت الدور الروسي في سورية، لانشغال روسيا في حربها مع أوكرانيا.
وأشار إلى أن الأردن وبقدراته الاستخباراتية والعملياتية، على دراية تامة بالخطر الإيراني الموجه لأراضيه، وفي الوقت ذاته، يمتلك ادوات وقدرات للرد على أي هجمات قادمة من الجانب الشرقي او الشمالي لحدوده البرية، وبرغم ذلك، فإن تعزيز ودعم قدراته وإمكاناته اللوجستية من دول حليفة، سيحقق لهذه الدول أيضا، درعا حيويا يقيها من أي خطر إيراني يحمل معه المخدرات أو الفوضى المليشياوية.
وفي نطاق ما يجري الحديث عنه في بعض الدوائر السياسية الاقليمية، من أن هناك حربا مقبلة بين إيران والولايات المتحدة، استبعد ابو نوار وقوع هذه الحرب، لكنه ألمح إلى حدوث ضربات عسكرية مركزة بين طرفيها، مشيرا إلى أن ايران، وتحت طبول هذه التوقعات، وامكانية حدوثها من عدمه، يؤكد أنها لن ولم تنسحب من مناطق نفوذها في الدول الأربع، بل إنها تطمع بمزيد من الهيمنة والسيطرة على دول اخرى في الإقليم.
مدير مركز شرفات لدراسات وبحوث العولمة والارهاب العميد المتقاعد د. سعود الشرفات، أشار الى أن ما شهدته الحدود الاردنية السورية من عمليات تهريب للمخدرات وتحديدا في الفترة الأخيرة، تصعيد خطر يهدد الأمن الوطني الأردني، في وقت كان فيه النظام السوري قدم الشهر الماضي تعهدات في اجتماع اللجنة الأردنية السورية المشتركة المنعقد بعمان، للتعاون في مكافحة التهريب، لكنه لم يف بها.
بل على العكس، وفق الشرفات، فقد حاول المهربون المليشياويون من فصائل التهريب الإيرانية والسورية، استخدام طائرات (درون) لتهريب متفجرات (TNT)، لكن القوات المسلحة الأردنية- الجيش العربي، أفشلتها، لكن ذلك مؤشر خطر في تاريخ ملف ضبط وإدارة أمن الحدود بين البلدين، وتكمن نقطة الخطورة في أنها تحمل رسالة تهديد مبطنة من الأطراف الفاعلة في ملف التهريب للأردن، بأنهم قادرون على زيادة التوتر وإزعاجه على الحدود.
وأكد أن سلوك النظام السوري في الفترة الماضية، يدل على أنه غير قادر فعلا على الالتزام بما قطعه من وعود، أو- على الأقل- أنه غير متحمس للإيفاء بها، في ظل حالة الجمود والإهمال التي تعتري الملف السوري، ولم يعد هناك أي حماس دولي تجاهه، كل ذلك لمصلحة ملفات ملتهبة أخرى في العالم والإقليم، بدءا من الحرب في أوكرانيا إلى الحرب في السودان فالانقلاب في النيجر، وهي في مقياس الخطاب الأممي حاليا، أكثر أهمية من الملف السوري ومحمولاته الخطرة في الإقليم.
وهنا، يلفت الشرفات، إلى أن النظام السوري، يرى في تصعيد التوتر على الحدود مع الأردن، إعادة لجلب انتباه الأطراف الفاعلة الإقليمية إليه، بخاصة دول كالسعودية والإمارات، لما يمتلكانه من أدوات للضغط على الولايات المتحدة، للتسريع في عودة سورية إلى المجتمع الدولي، ومن ثم الاستثمار في إعادة إعمار سورية.
لكن أمام هذا، فإن الأمن الوطني الأردني في حالة تيقظ كامل أمام تعديات “الجار” السوري الذي يتجلى وجوده في “دولة فاشلة” سياسيا، لا تسيطر على حدودها ولا على قرارها المركزي، وفق الشرفات، الذي أشار الى أن استمرار فشل الدولة هناك، وانشغال الأطراف الفاعلة الدولية بملفات أخرى، وإهمال الملف السوري، خلق مزيدا من الفجوات السياسية في النظام كليا، ما منح إيران ومليشياتها مزيدا من النشاط والعمل “التخريبي” في سورية والعراق ولبنان واليمن.
من هنا، يبرز خطر الطرف الإيراني في اللعبة السياسية الإقليمية، ذلك انه كلما زاد ضعف النظام السوري، زادت قوة الطرف الإيراني، ورسوخه على الحدود مع الأردن، وحتى مع العراق.
وأشار الى أن وجود إيران على الحدود مع الأردن، لا يهدد أمن الأردن فقط، بل يحمل رسالة تهديد للسعودية وإسرائيل والولايات المتحدة، بخاصة وأن الطرف الإيراني في سورية، أصبح الآن لاعبا بلا منافس، فهو الداعم الوحيد للنظام بعد انسحاب معظم الروس من سورية، لانشغالهم بالحرب في أوكرانيا.
أما اللواء المتقاعد محمود ارديسات، فيرى أن الوجود الإيراني في المنطقة ومنذ سقوط العراق والتمدد باتجاه سورية بعد اندلاع الأزمة السورية في العام 2011، وتوسعه في ازدياد، وهذا يحتاج لمعالجة من الدول العربية ذات الصلة بهذه المسألة، ومنها دول الخليج العربية ومصر والأردن، لكن هذا الملف، لم يعالج منذ 2003 (حرب الخليج) ومن ثم في 2011، (النزاع المسلح في سورية)، ما منح إيران فرصة لتتمدد في سورية والعراق، وتؤكد حضورها في المنطقة، بالسيطرة على المقدرات الاقتصادية في سورية والعراق واليمن ولبنان.
وتتأثر الأردن بهذا الوجود المليشياوي الإيراني غير المنضبط بشأن التهريب والسطو على سورية في المناطق الشرقية، لافتا إلى أن الأردن يجد صعوبة في التعامل مع منظمات غير حكومية في سورية، بما فيها المليشيات الإيرانية.
ونوه ارديسات بأن المليشيات الشيعية، بنت منظومات لتهريب المخدرات بالتعاون مع أجهزة سورية رسمية، جراء ضعف سيطرة الدولة على حدودها ومقدراتها، وأصبحت تمارس التهريب، مستخدمة طرقا وتكنولوجيات وتقنيات جديدة في أعمالها الإرهابية هذه.

موفق كمال / الغد

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة