فضة بطعم الذهب.. إنجاز فريد يضع “النشامى” أمام اختبار المستقبل

الدوحة – وضع النجاح اللافت الذي حققه المنتخب الوطني لكرة القدم في بطولة كأس العرب 2025، التي اختتمت أول من أمس في قطر، مسؤولية كبيرة على عاتق اتحاد كرة القدم، تتمثل في مواصلة البناء على هذا الإنجاز، والتقدم بخطى أسرع خلال المرحلة المقبلة، بما يضمن المنافسة بقوة على إحدى بطاقات التأهل إلى الدور الثاني من نهائيات كأس العالم 2026.
ونجح منتخب “النشامى” في تثبيت اسمه بين كبار الكرة العربية، عبر مشاركة تاريخية توجت بالحصول على المركز الثاني، في أفضل إنجاز له بتاريخ مشاركاته بالبطولة، بعد عشر مشاركات سابقة لم يتمكن خلالها من تجاوز الدور نصف النهائي، وهو ما يفرض عليه اليوم الاستمرار بهذا المستوى المتقدم، والبقاء ضمن مصاف عمالقة الكرة العربية.
ووصل وفد المنتخب الوطني عصر أمس إلى مطار الملكة علياء الدولي، حيث حظي باستقبال رسمي وشعبي كبير، تقديرا للإنجاز التاريخي الذي تحقق في البطولة، وسط حضور لافت من المسؤولين والجماهير، الذين عبروا عن فخرهم بما قدمه المنتخب خلال مشواره.
وكانت الترشيحات متكافئة قبل المباراة النهائية التي جمعت المنتخب الوطني بنظيره المغربي، في ظل الأداء المميز الذي قدمه الطرفان في الأدوار السابقة، ليقدما مباراة مثيرة وغنية بالأحداث، اتسمت بالقوة والندية، قبل أن ينجح منتخب “أسود الأطلس” في حسم اللقب لمصلحته بنتيجة 3-2، بعد اللجوء إلى شوطين إضافيين.
وتسببت الخسارة الصادمة من حيث النتيجة وسيناريو المباراة في حالة من الإحباط لدى الجماهير الأردنية، لا سيما أن المنتخب قدم أحد أفضل مستوياته في النهائي، رغم الغيابات المؤثرة التي ضربت صفوفه قبل البطولة وخلالها، وفي مقدمتها إصابة المهاجم يزن النعيمات، ليكتفي المنتخب بالميدالية الفضية، لكنه في المقابل كسب احترام وإشادة جميع المنتخبات المشاركة.
وحصد المنتخب الوطني العديد من المكاسب خلال هذه المشاركة، في مقدمتها احتلاله وصافة أكبر بطولة على الصعيد العربي، إلى جانب الظفر بجائزة مالية كبيرة تجاوزت قيمتها 4 ملايين دولار، فضلا عن التقدم المنتظر في التصنيف العالمي للمنتخبات، الذي سيصدره الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” خلال الفترة المقبلة.
وتغنت وسائل الإعلام العربية والعالمية بالمستوى الرفيع الذي قدمه “النشامى” طوال البطولة، مؤكدة في العديد من تقاريرها أن المنتخب كان قريبا من الفوز باللقب، بعدما تقدم بالنتيجة حتى الدقائق الأخيرة من الوقت الأصلي للمباراة النهائية، قبل أن يخسر في الأشواط الإضافية.
وجاءت نتائج المنتخب الوطني في البطولة مميزة منذ الدور الأول، حيث افتتح مشواره بالفوز على منتخب الإمارات بنتيجة 2-1، ثم تجاوز منتخب الكويت 3-1، قبل أن يحقق فوزا عريضا على منتخب مصر بثلاثية نظيفة، ليكون المنتخب الوحيد في البطولة الذي يحقق العلامة الكاملة في الدور الأول.
وواصل “النشامى” تألقه في الأدوار الإقصائية، بالفوز على منتخب العراق في ربع النهائي 1-0، ثم إقصاء المنتخب السعودي بالنتيجة ذاتها في الدور نصف النهائي.
وسجل المنتخب الوطني خلال البطولة 12 هدفا، وهو أعلى عدد من الأهداف يسجله في مشاركة واحدة بتاريخ مشاركاته في كأس العرب، ما يعكس القوة الهجومية الكبيرة التي أظهرها لاعبوه، بقيادة النجمين علي علوان ويزن النعيمات، إلى جانب أسماء أخرى كان لها حضور لافت، مثل نزار الرشدان، عبد الله نصيب “ديارا”، مهند أبو طه، محمود مرضي، سعد الروسان، ويزيد أبو ليلى.
وبات اتحاد كرة القدم اليوم مطالبا بمواصلة تطوير اللعبة على مختلف المستويات، سواء المنتخبات الوطنية أو البطولات المحلية، والبناء على هذا الإنجاز التاريخي، من خلال دعم الأندية وتنظيم المسابقات بصورة منتظمة ومستقرة، دون توقفات طويلة، كما شهدت الفترات الماضية.
وأصبحت أي مشاركة مقبلة للمنتخب الوطني لا تتوج بنتائج مميزة أو بالمنافسة على اللقب، غير مقبولة بالنسبة للجماهير الأردنية، في ظل ارتفاع سقف الطموحات، بعدما أثبت المنتخب أنه لم يعد يكتفي بالمشاركات المشرفة، بل بات قادرا على تحقيق الإنجازات، مستفيدا من جيل مميز من اللاعبين، يعتبر الأفضل في تاريخ الكرة الأردنية، قياسا بما قدمه خلال هذه البطولة.
وأضحى تأهل المنتخبات الوطنية في مختلف الفئات العمرية أمرا شبه روتيني، ما يستوجب أن يتحول الطموح إلى المنافسة على الألقاب، وهو ما يضع اتحاد الكرة أمام تحد كبير ومسؤولية مضاعفة، تتطلب حسن الاختيار ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب، خصوصا بعد أن رفع “النشامى” سقف الطموحات لدى اللاعبين والجماهير، عقب وصافة كأس آسيا العام الماضي، والتأهل التاريخي إلى نهائيات كأس العالم للمرة الأولى.
وتنتظر المنتخب الوطني تحت 23 عاما مهمة قوية في السعودية مطلع الشهر المقبل كانون الثاني (يناير)، من خلال المشاركة في نهائيات كأس آسيا للمنتخبات الأولمبية، حيث حل في المجموعة الأولى إلى جانب السعودية المستضيفة، فيتنام وقيرغيزستان. وأعلن المدرب سلامي تواجده مع المنتخب الأولمبي خلال هذه البطولة، أملا في تحقيق إنجاز نوعي لهذه الفئة.
وكان دوري المحترفين قد عانى خلال الأعوام القليلة الماضية من كثرة التأجيلات والتوقفات، إضافة إلى الإضرابات المتكررة من اللاعبين والأندية، وإعادة جدولة انطلاقة الموسم في أكثر من مناسبة، ما انعكس سلبا على جاهزية اللاعب المحلي، وأثر بصورة مباشرة أو غير مباشرة على نتائج المنتخبات الوطنية في فترات سابقة.
ومن المتوقع أن يستمر غياب المهاجم يزن النعيمات عن صفوف المنتخب الوطني لفترة طويلة، بعد تعرضه لقطع في الرباط الصليبي الأمامي خلال مباراة العراق في الدور ربع النهائي، حيث خضع لعملية جراحية تكللت بالنجاح، إلا أن عودته إلى الملاعب ستحتاج إلى فترة تأهيل طويلة، قد تحرمه من المشاركة في نهائيات كأس العالم صيف العام المقبل.
وتعرض الظهير الأيمن أدهم القرشي للإصابة ذاتها في نهاية المباراة النهائية أمام المنتخب المغربي، حيث أظهرت الفحوصات الطبية التي خضع لها بعد اللقاء إصابته بقطع في الرباط الصليبي الأمامي، ما سيبعده عن صفوف فريقه الحسين إربد خلال المرحلة المقبلة، إلى جانب صعوبة تواجده مع المنتخب الوطني حتى موعد كأس العالم، علما بانه بقي أمس في قطر لاستكمال علاجه هناك.
إلى ذلك، أثبت المهاجم علي علوان، الذي افتقد دعم أقوى مسانديه في الخط الأمامي خلال آخر ثلاث مباريات بالبطولة بغياب النعيمات، إضافة إلى غياب الجناح موسى التعمري منذ بداية المنافسات، امتلاكه لإمكانات فنية عالية، تؤهله للعب في مستويات أعلى خلال الفترة المقبلة.
وتوج علوان بجائزة الحذاء الذهبي لبطولة كأس العرب، بعد تسجيله 6 أهداف في 6 مباريات خاضها المنتخب الوطني، مؤكدا أحقيته بالتواجد مع فرق كبيرة على الصعيدين العربي والدولي.
ويعد علوان أيضا هداف المنتخب الوطني في التصفيات الآسيوية المؤهلة إلى كأس العالم، بعدما سجل 9 أهداف، من بينها “هاتريك” تاريخي في شباك منتخب سلطنة عُمان، في ليلة حسم التأهل للمونديال، ليتفوق في بطولة كأس العرب على مهاجمين بارزين يتقدمون عليه من حيث القيمة السوقية والأندية التي يمثلونها.

