في رحاب العشر الأواخر: إقبال إيماني يملأ المساجد بالعبادة والدعاء

في آخر نفحات الشهر الفضيل، تلك العشر الأواخر التي ينتظرها المسلمون بفارغ الصبر، تتضاعف الشعائر الروحانية، حيث تكثر الدعوات، والصلوات، والتهجد، والاعتكاف في المساجد، وتكثيف أعمال الخير، والرجاء من الله “القبول والعتق من النار”.

تتزين المساجد في العشر الأواخر من رمضان بحلّة إيمانية ساحرة، حيث تتراص الصفوف، وتتعالى أصوات المصلين بالدعاء.

يتسارع الصغار والكبار نحو المساجد، يرقبون علامات ليلة القدر المباركة التي قد تكون في أي ليلة فردية من هذه الليالي الفضيلة.
يستمع الكبار لأصوات الصغار ومرحهم، التي تبعث على البهجة والسعادة في هذه الليالي المباركة، ويشاركونهم الدعاء بكل براءة.
وتنوي فاتن عدوان قضاء أكبر قدر ممكن من ليالي العشر الأواخر من رمضان برفقة ابنتيها، خاصة في نهاية الأسبوع بالتزامن مع العطلة المدرسية.
ترى فاتن في هذه الأيام فرصة عظيمة لها ولعائلتها لقضاء أجواء روحانية يتشارك فيها الجميع الدعاء في هذا الشهر الفضيل. تؤكد أنها اعتادت على قيام الليالي العشر الأخيرة من رمضان منذ سنوات، كما تشارك نساء الحي قيام هذه الليالي، حيث يعتكفن معًا في آخر الأيام حتى ساعات الفجر، ويقمن فيها بالصلاة والدعاء.
وحرصًا على مشاركة ابنتها في هذه الأجواء الروحانية، تشجعها على شراء عبوات الماء وتوزيعها على النساء في المصلى كل يوم. كذلك يقوم أبناء فاتن وزوجها بذات الشيء في مصلى الرجال.
وتبدأ ليالي العشر الأواخر في الأردن، مع اختلاف المواقيت مع الدول الأخرى، ليلة الأحد (20 رمضان)، وتستمر حتى ليلة 29، الأمر الذي يدفع بـ “مشرفي المساجد والأئمة”، بالتحضير لهذه الأيام من خلال تكثيف قراءة القرآن، وإطالة السور في الركعات والدعاء المتكرر وتقسيم ساعات الاعتكاف خلال الليل للتسهيل على المصلين والمعتكفين في المسجد.
وفي فضل تلك الليالي، ما ورد عن السيدة عائشة رضي الله عنها أن النبي عليه الصلاة والسلام “كان إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد مئزره”، أي أنه يستعد للعبادات وقيام الليل في رمضان، الأمر الذي يبين مدى عِظم هذه الليالي لدى المسلمين في رمضان، وقيامها والاعتكاف بها سنة عن النبي عليه الصلاة السلام، واقتدى به الصحابة والمسلمون على مر التاريخ.
الاستعداد لهذه الأيام واضح لدى نسبة كبيرة من العائلات في محاولة لكسب الأجر من الله والبركة. وهنا يقول الاستشاري وخبير علم الاجتماع الأسري، رئيس جمعية العفاف، مفيد سرحان أن رمضان هو شهر خير وبركة، وفيه من البر والإحسان الكثير، ويتسابق فيه الجميع لعمل الخير والإقبال على الله تعالى، ومما يزيد من أهمية العشر الأواخر من رمضان أن فيها ليلة القدر التي قال عنها الله تعالى “ليلة القدر خير من ألف شهر”.
كما أنه ما يدفع الناس إلى هذا التسارع في عمل الخير، كما يقول سرحان أن رمضان فيه يتضاعف الأجر والثواب من الله تعالى، ويفرح به الجميع الغني والفقير، فالفقير يفرح لأنه يدرك أن الأغنياء سيكون عطاؤهم أكبر في هذا الشهر، والغني يفرح لأنه أمام فرصة كبيرة لمزيد من الأجر والثواب، ومع قرب دخول العشر الأواخر من رمضان، يزيد الصائمون من تقربهم إلى الله تعالى سواء بالعبادات أو غيرها من أعمال الخير.
ووفق سرحان، الجميع يتسابق لتقديم أفضل ما لديه واستثمار ما تبقى من أيام وليال، مع مضاعفة العبادات من قيام وتهجد واعتكاف وقراءة للقرآن وتسبيح واستغفار، والبعض يستثمرها في أداء العمرة، وهنالك أنواع أخرى من العبادات وعمل الخير التي يتسابق إليها أهل الخير والعطاء، كالمبادرة إلى إخراج الزكاة، والصدقة، ومساعدة الفقراء والمحتاجين.
هذه الأيام الفضيلة هي فرصة كي يراجع الإنسان نفسه ويقوي صلته بالله تعالى، ومساعدة الآخرين تدخل الفرح والسرور على قلوبهم وهي من أعظم الأعمال عند الله تعالى، حيث يستشهد سرحان بقول النبي عليه الصلاة والسلام “إن أحب الأعمال إلى الله تعالى بعد الفرائض إدخال السرور على المسلم”، والعشرة الأواخر فرصة ليتدارك الصائم ما فاته من أجر وتقصير وخصوصا ان عمل الخير له أشكال متعددة وهي متاحة للجميع للغني كما للفقير، ويمكن أن تكون بشكل فردي أو جماعي.
ومثال على ذلك، من يقوم بتقديم المساعدة بشكل شخصي ويزور المحتاجين، فيما آخرون يقدمونها من خلال المؤسسات الخيرية العاملة والمرخصة والتي تعمل طوال العام، وتنشط في رمضان المبادرات والحملات التي يقوم عليها مجموعات متطوعة من الأقارب أو الجيران أو زملاء العمل أو من يلتقون على فكرة معينة.
ووفق سرحان فقد جاء رمضان هذا العام مع استمرار الحرب الإجرامية على إخواننا وأهلنا في قطاع غزة، وما سببته من ارتقاء أعداد كبيرة من الشهداء والجرحى والمفقودين إضافة إلى هدم المنازل والمدارس والمستشفيات، ومنع الغذاء والدواء وأساسيات الحياة، وهذا يضاعف من مسؤوليتنا تجاههم، بكل طرق الخير والدعم المتاحة، حيث الحملات الشعبية والرسمية لم تتوقف منذ بدء العدوان، إلا أن الأيام الأخيرة من رمضان فرصة للجميع ليضاعف من العطاء سواء بتقديم المال أو المواد العينية ليتم إيصالها إلى قطاع غزة، وهي إحدى الأولويات التي يجب أن يقدمها الجميع في هذه الظروف.
ويؤكد سرحان كذلك على ضرورة أن نزيد من توجهنا الى الله تعالى في ليالي العشر الأواخر من رمضان في الدعاء إلى الله تعالى لهم بالثبات والصبر والنصر، فالدعاء من أقوى أسلحة المؤمن، واختيار أفضل الأوقات والتي يكون فيها الإنسان أكثر قربا إلى الله تعالى، وأن تخصص الأسرة وقتا لها للدعاء الجماعي يشارك فيها الأبوان والأبناء، تأكيدا على أهمية تربية الأبناء على التفاعل مع قضايا الأمة.

تغريد السعايده / الغد

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة