قراءة في كتاب: اعلاميون في سماء الاردن-تأليف الدكتور عامر الصمادي

بقلم أ.د. تيسير أبو عرجة

في هذا الكتاب تظهر بعض التجارب الاذاعية التاريخية. ونتعرف على عدد من الشخصيات الاذاعية المتميزة. التي قدمت الكثير. وكان لها عطاؤها وريادتها في مسيرة الاذاعة والتلفزيون. اضافة إلى التعرف على دخائل المهنة الاذاعية وظروفها ومتطلباتها وعوامل النجاح فيها. وما هي الشروط التي يجب ان تتوافر فيمن يختارون هذه المهنة. وشروط المحافظة على النجاح عند من يحرزون النجاح والشهرة.ففي هذه الصفحات إشارات مهمة عن عوامل نجاح هذه الشخصيات الاذاعية وقوتها المهنية.خصوصا وانها اتسمت بالجدية المطلقة من حيث التدريب الواسع والتعلم المستمر والتمكن من اللغة العربية. والتدريب على النطق السليم ومخارج الحروف. ومداومة القراءة. والتمكن من اللغات الاجنبية. وخصوصا اللغة الانجليزية حيث هي اللغة الاجنبية السائدة في منطقتنا. هذه اللغة التي فتحت لدى البعض آفاق التطوير للقدرات والامكانيات والترقيات.

وكيف كان المذيعون يتحلون بالصبر. ويواجهون المعاناة. أمام تحدي الامكانيات التقنية البسيطة المتواضعة. خاصة مع غياب امكانية تسجيل البرامج. والاعتماد كلية على البث المباشر. وبالذات في مرحلة وجود الاذاعة الصغيرة في جبل الحسين بين عامي 1956-1959. وهم يعدون المواد الاخبارية ويقدمونها. ويكتبون التمثيليات ومواد البرامج. ويقومون بالتمثيل. ويقفون خلف المطربين لتقديم الأغاني الشعبية والأناشيد الوطنية.

وبين السطور ايضا نجد مقومات العمل الاذاعي والتلفزيوني. من حيث توفر الموهبة والاستعداد والشغف والثقافة العامة.وجمال الصوت والالقاء. وعدم استعجال الظهور أمام الكاميرا او الجلوس وراء الميكروفون. وانما أخذ النفس بالتدريب الطويل. والدخول الى الاستوديو برفقة المذيعين القدامى ومعايشة اجواء العمل يوميا وميدانيا. وقد تمر سنة كاملة قبل أن تتاح لهذا المذيع الجديد ان يقول: هنا عمان. وكل ذلك من أجل ضمان الاتقان وكسر الرهبة.

وقد أكدت هذه الشخصيات المبدعة على أهمية سلامة اللغة العربية عند المذيعين. والقدرة على الارتجال. والتحدث بهذه اللغة وبيان جمال الفصحى وقدراتها التعبيرية. وهي مسألة تغيب اليوم عند العديد ممن يلتحقون بهذه المهنة.

لقد بينت هذه الصفحات. أهمية الاخلاص في العمل والأداء. والحرص على متابعة التدريب داخل البلاد وخارجها في البلدان العربية والأجنبية. وكذلك إحضار المدربين الدوليين من الخارج من اجل تطوير الخبرات والقدرات. والتعرف على تجارب الآخرين.

إن التمكن اللغوي والمهني ووجود الخبرة في مجال الاختصاص. يجعل المذيع يواجه اللحظات الصعبة وغير المتوقعة التي يمكن أن تحدث. خصوصا في مناسبات العمل خارج الاستوديو وأثناء النقل الخارجي. ومن ذلك واقعة ضياع الاوراق المعدة لأحد المهرجانات الرياضية الكبرى التي حضرها الملك حسين في ستاد عمان الدولي. حيث طارت الاوراق بسبب ما أحدثه هبوط طائرة الهليكوبتر الملكية. وقد تغلب الاذاعي ،، محمد جميل عبدالقادر،، على هذه الحالة غير المتوقعة بخبرته الطويلة وتخصصه الرياضي وثقافته العالية. ويذكرني ذلك بواقعة مماثلة رواها لي الراحل سليمان المشيني وكان مذيعا مرموقا في حفل تخريج فوج من الجيش العربي في الزرقاء حيث طارت الاوراق بفعل عاصفة رملية شديدة. وتم التغلب على الموقف بالقدرة اللغوية الارتجالية والذخيرة الثقافية والمعرفية والادبية.

ويتحدث لنا الدكتور الصمادي عن معاناته في جمع المعلومات لكتابه هذا. نظرا للافتقار إلى الوثائق والمواد العلمية التي يتم الرجوع إليها. وعدم عناية الإذاعيين انفسهم بتسجيل تجاربهم والحديث عن المسيرة المهنية التي عاشوها. علما بأهمية ذلك للدارسين من بعدهم.

والحق فان تاريخ الصحافة والاعلام في الاردن يستحق المزيد من الدراسات. وقد نوه المؤلف بأن عديد الاسماء التي لمعت في هذا الفضاء الاعلامي تستحق الدراسة. وأن العزم قائم على تناولها في كتب قادمة.

ان كل واحد من أصحاب هذه الاسماء الكبيرة يستحق دراسة مستقلة. على أسس منهجية تناقش النشأة والتعليم والانجاز والجهد البرامجي والمواقف والدروس المستفادة وشهادات المعاصرين . وهناك تجربة رائدة في كلية الاعلام بجامعة القاهرة. التي لم تدع شخصية صحفية أو اعلامية مهمة في تاريخ مصر دون أن تنال حقها في رسالة جامعية للماجستير أو الدكتوراة. وقد رأت الكلية أن أولى خطوات التعلم في حقل الصحافة والاعلام. هي التعرف على تاريخ أولائك الذين شقوا الطريق إلى الاجيال الجديدة. والتعرف على نتاجاتهم ومواقفهم وأساليبهم الكتابية. والمعارك الصحفية التي خاضوها. وكيف كانت شخصية الصحفي ومكانته في المجتمع.

ان مكتبتنا الاردنية تعتبر متواضعة في الدراسات والبحوث التي تؤرخ للتجارب الاذاعية. علما بأن هناك عددا من المذيعين قدموا من خلال كتب السيرة الذاتية إضاءات مهمة على هذا التاريخ الغني. علما بأن كثيرين من أهل الصحافة والاذاعة والتلفزيون في الاردن. وتجارب بعضهم تصل إلى بضع عشرات السنين. قد آثروا الصمت ولم يكتبوا عن تجاربهم وحياتهم المهنية. مما يشكل نفعا للعلم والمعرفة والوطن.

ولعل كليات الاعلام في جامعاتنا تولي هذه الناحية التاريخية اهتمامها من خلال دراسات علمية منهجية معززة بالوثائق والانتاج الاعلامي. وكل ما يتصل بالجوانب التعليمية والخبرات المهنية وعناصر النجاح للشخصيات المبحوثة.

لقد تحدث الدكتور عامر الصمادي في هذا الكتاب عن شخصيات اذاعية محبوبة عرفها الجمهور الاردني والعربي. وشكل كل واحد منهم مدرسة اعلامية متميزة. قدمت في مجالها عطاءً ابداعيا بلا حدود. وهم: الحاج مازن القبج . د. عمر الخطيب. د. سمير مطاوع. د. هشام الدباغ. سلامة محاسنة. محمد أمين. شاكر حداد. عدنان الزعبي. د. عامر الصمادي- وقد تحدث عنه الدكتور زيد المحيسن-. عبدالوهاب الطراونة. سالم العبادي. رافع شاهين. محمد جميل عبدالقادر. زاهية عناب. جمان مجلي. سوسن تفاحة. وحاتم الكسواني.

لقد وجدنا بعض هؤلاء النجوم يشكو من عدم دعوته لحضور الاحتفالات السنوية للتلفزيون. وهو المكان الذي أمضوا فيه عشرات السنين. والحق أن هذا التواصل بين هؤلاء وبين الجيل الجديد مسألة في غاية الأهمية. اعترافاً بالدور والتاريخ. ونقلاً للخبرات من جيل البناة الأوائل إلى الاجيال الجديدة.

كما وجدنا عددا من هؤلاء الكبار قد تمت إحالتهم على التقاعد وهم في قمة العطاء والابداع. وهذه مسألة ادارية بيروقراطية تنظر لهؤلاء على انهم موظفون عاديون. علما بأن الابداع لا يتقاعد. مهما علا بهم السن . ما دامت هناك قدرة على العطاء والتجدد.

وبعد ، فإن هذا الكتاب الممتع. يستحق أن يكون بين أيدي العاملين في الاعلام. والدارسين في كليات الاعلام. والجمهور المحب لهذا الحقل الاعلامي المهم. كما ان جامعاتنا بامكانها أن تستفيد من طاقات هؤلاء الاذاعيين الكبار وخبراتهم. كأساتذة ممارسين. لتعزيز الدراسات الاكاديمية بالقدرات المعرفية والتطبيقية.
وقد تميز الكتاب بلغة سليمة رشيقة واسلوب سلس. ونجد ان الدكتور الصمادي يمتلك همة عالية وشباباً متدفقاً بالحيوية والرغبة في الانجاز. وننتظر منه المزيد من هذه الابداعات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات علاقة