قلعة الشوبك… دور تاريخي محوري عبر عصور

قلعة الشوبك وتُسمَّى باللُّغات الأوروبيَّة قلعة مونتريال بمعنى الجبل الملوكي هي قلعة صليبية على الجانب الشرقي من وادي عربة. جاثمة على قمة أحد الجبال الصخرية المخروطية الشكل. المطلة على الأشجار الكثيفة والوديان التي تجري فيها المياه في تلك الفترة. تقع القلعة على بُعد 120 كم إلى الجنوب من الكرك، و 35 كم إلى الشمال من البترا عاصمة الأنباط. لعبت القلعة دوراً مُهماً أثناء الحروب الصليبية، إذ كانت تساعد على قطع طرق المُواصلات للقوافل التجارية والحملات العسكريَّة بين مصر ودمشق، إلا أنَّ صلاح الدين الأيوبي ضرب عليها حصاراً شديداً في سنة 1187م أثناء توجُّهه نحو معركة حطين، ونجح بعد سنتين من الحصار المستمر بالاستيلاء عليها. تقلَّصت أهميَّة القلعة تدريجياً بعد وُقوعها في أيدي الأيوبيِّين، ولم تلعب دوراً تاريخياً مُهماً بعد انتهاء الحروب الصليبية.

الحروب الصليبية

في عام 1115م (الموافق لـ509 هـ) قام ملك الفرنج وحاكم مدينتي الرها والقدس بلدوين الأول بحملة عسكرية على المنطقة الواقعة جنوب شرق البحر الميت (خلال هذه الحملة استولى على العقبة الواقعة على البحر الأحمر في عام 1116) فعبر وادي عربة حتى وصل إلى الشوبك الغنية بالأشجار الكثيفة والينابيع الطبيعية، هناك وعلى قمة جبل عالٍ يطل على الوديان التي تجري فيها المياه شرع في بناء قلعة في الشوبك ضمن إطار مشروع عسكري يهدف إلى تقوية الحضور العسكري الفرنجي في المنطقة. بالإضافة إلى الطرق التجارية العربية التي تربط مصر وشبه الجزيرة العربية والبحر الأحمر بالمشرق. وأطلق على البناء الجديد اسم «كرك مونتريال» تيمناً بالموقع الذي شيّد فيه والمسمى بـ«الجبل الإمبراطوري».

بدأت أنظار صلاح الدين الأيوبي بالاتِّجاه نحو قلعة الشوبك عندما كان يَقود حملة إلى مصر في عام 1167م (563 هـ)، فاضطرَّ لسلوك طريقٍ يمرُّ بمحاذاتها، وعندها اشتبكَ مع حامية القلعة. وتسبَّبت الحامية بقطع الطريق على جيوشه مراراً وتكراراً. قرَّر صلاح الدين في عام 1171م (567 هـ) قيادة حملة للسيطرة على القلعة، فأطبقَ عليها حصاراً شديداً، وانتهى الأمر بأن أعلنت الحامية استسلامها وطلبت مهلة عشرة أيَّامٍ لإخلاء القلعة، فمنحهم صلاح الدين ذلك، وسار عائداً إلى مصر تاركاً قيادة الجيش بين يدي نور الدين زنكي. لكنَّ الحامية نكثت واحتفظت بالقلعة، واستمرَّت باعتراض طريق القوافل التجارية العربيَّة وجيوش الأيوبيِّين. تزوَّج ريغنالد دي شاتيون في سنة 1177م (572 هـ) من الأميرة ستيغاني دي ميلي التي كانت الوريثة الشرعيَّة لقلعتي الشوبك والكرك، ممَّا وضعهما تحت سلطته. قاد ريغنالد حامية الشوبك للإغارة على الحجاز والبلاد الإسلامية المجاورة مرَّات متتالية، ممَّا أعطى صلاح الدين مزيداً من الأسباب لقتال الصليبيِّين، فجمع جيشاً كبيراً وقاده لخوض معركة حطين سنة 1187م (583 هـ)، وأثناء طريقه إلى المعركة ترك قسماً صغيراً من الجيش تحت قيادة أخيه العادل بن أيوب لضرب الحصار على القلعة وانتزاعها. استمرَّ الحصار على القلعة حتى سنة 1189م (585 هـ)، عندما استسلمت الحامية أخيراً وسلَّمتها، وبسقوطها انتهى الوجود الصليبي في الأردن.

ميزات البناء

تتخذ قلعة الشوبك شكلاً غير منتظم (وذلك بسبب إعادات البناء والتَّرميمات التي تعرَّضت إليها على مرِّ العصور)، أبعاده 175 في 90 متر. يوجد داخل القلعة كنيسة ومصلى من زمن البناء الأصلي، بالإضافة إلى كنيستين، ومعصرة، ومسجد، وخزّان ماء، ونفق يؤدي إلى سلم حلزوني مكون من أكثر من 300 درجة ينفتح على نبع لمياه الشرب. وبالإضافة إلى ذلك فقد جرى حفر العديد من خزّانات المياه داخل القلعة. ويشكّل المدخل أحد العناصر الهندسية الأساسية للقلعة. ويؤدي الباب الذي يقفل بقفلين من حديد مصهور، إلى الداخل عبر رواق. وكذلك وجود محاجر تقع على بُعد 1 كم إلى الغرب من القلعة. كانت تُحيط بالقلعة ثلاثة أسوارٍ طويلة، أوَّلها يقوم على صخورٍ كانت تخرج منها ثلاثة عيون مياه، والثاني كان يزرع وراءه القَمح الذي يطعم سكَّان القلعة، وأما الأخير فهو السور الداخلي الرئيسي، وقد بُنيت الأسوار من أحجارٍ صلبة رماديَّة، كما وقد استعملت ببنائها بعض الأحجار الكلسيَّة الصفراء. وكانت توسَّط الأسوار أربعة أبراجٍ بعضها دائري وبعضها الآخر مُربَّع الشكل.

تتكونُ قلعة الشوبك من أبنيةٍ متعددةٍ من الحجر الأبيض، وما زال فيها بقايا من الحمَّامات، والصهاريج، وأنابيب المياه، والسراديب، وأحجار الرَّحى لعصر الزيتون، والآبار، والطرق، والأدراج، والبوابات، والأقواس، وإيوانٍ هو عباره عن قاعةٍ كبيرةٍ مستطيله الشكل؛ أبعادها 13 متر في 6 أمتار يقعُ في الجانب الشمالي الشرقي من القلعة، وفيها ثلاثة أروقةٍ، كما يوجدُ في الجهةِ الجنوبية الغربية بئلر ٌ يمكن النزول إليه ِ عبر ممرٍّ لولبي. إضافةً إلى احتواء القلعة على كنيستين، وتسعُ أبراجٍ منها الدائري والمستطيل والمربع، وقد تزينت القلعة ببعض الكتابات والزخارف.

أما حديثاً وفي شهر آب من عام 2011م خلصت دراسة ممولة من الاتحاد الأوروبي إلى وضع جميع الخطط والبرامج الكفيلة بربط قلعة الشوبك بمحمية البتراء الأثرية ضمن مسار سياحي واحد يكفل تنقل المجموعات السياحية ما بين الموقعين التاريخيين. وتكمن أهمية هذه الدراسة التي أعدها مشروع «صلات من أجل النمو» الممول من الاتحاد الأوروبي التي حصلت، إدراج قلعة الشوبك التي عاصرت الحقبة الصليبية في المنطقة والتي تنال اهتمام العديد من السياح الأوروبيين مع البتراء في مسار مشترك، بحيث يتم ربط وجلب السياح القادمين لزيارة محمية البتراء الأثرية لزيارة قلعة الشوبك ضمن الجولة نفسها. كما تضمنت الدراسة التي اعدها المشروع جلب السياح من جميع دول العالم لزيارة قلعة الشوبك، بعد تجهيز المكان بالخدمات السياحية والبنى التحتية اللازمة التي تؤهلها لاستقبال الأعداد المتزايدة من السياح من فنادق ومطاعم وغيرها، حيث يتوقع ان يحقق هذا المسار الجديد إضافة نوعية للبرامج السياحية التي تقدمها المملكة والتي تعمل على تشجيع السياح الاجانب لزيارة الأردن، إضافة إلى إطالة مدة إقامتهم في المملكة. وقد أشارت إحدى الإحصائيات أن عدد السياح لقلعة الشوبك بلغ 20 ألف زائر عام 1995 م، بعد إدخال بعض التحسينات على القلعة والفندق.

الدستور

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة