قلعة مكاور.. معلم أثري مرتبط بدلالات وقصص شعبية

مادبا- يعد موقع قلعة مكاور الأثري، أحد مواقع الحج المسيحي الخمسة في الأردن، التي اعتمدها الفاتيكان، بعد الزيارة التاريخية لقداسة البابا الراحل يوحنا بولص كقبلة للحج المسيحي، في العام 2000، حيث إن القلعة تتربع على جبل مكاور المخروطي، وسماه الساميون بهذا الاسم؛ لأنه دائري الشكل، وفق مدير آثار مادبا خالد الهواري.
ويشير الهواري إلى أنه تم العثور في القلعة على أقدم لوحة فسيفساء في الأردن، يعود تاريخها إلى أواخر القرن الأول قبل الميلاد، وهي الآن موجودة في الحديقة الأثرية في مدينة مادبا.
“قلعة مكاور” التي تبتعد عن مدينة مادبا 35 كم، يحيط بها الوديان والكهوف، وتتمركز بين واديين؛ هما: (زرقاء ماعين والهيدان)، وتطل على البحر الميت، وترتفع عن سطح البحر 730 مترا وتشرف على البحر الميت، ويمكن مشاهدة وسط فلسطين وتلالها وجبالها.
يعود تشييد قلعة مكاور إلى سنة 90 ق.م. من قبل قائد الحمشونيين الإسكندر جانيوس؛ بغية مواجهة الرومان الذين استولوا عليها سنة 57 ق.م. بقيادة بومبي، وقاموا بتدميرها، غير أن هيرودوس الكبير أعاد تشييدها سنة 13 ق.م. بعد أن سيطر عليها، وبنى حولها سوراً كبيراً، وقام الرومان باحتلالها سنة 71م، وهذا الهجوم أدى إلى وقوع أضرار بالغة في القلعة، وفقاً للهواري.
ويشير لانكستر هاردنج، في كتابه “آثار الأردن” بالتفصيل؛ إلى موضع قلعة مكاور، التي وصف الطريق الوعر المؤدي إليها، وذلك في الفترة التي ألف الكتاب المذكور في سنة 1965م.
وقال: “إنه إلى الجنوب من مدينة مادبا يتواجد تل مرتفع معزول غربي الطريق يدعى “لب” تقوم على قمته قرية قديمة، وبمحاذاة هذا التل؛ تتفرع عن الطريق الرئيسية، درب ضيقة تسير غرباً حتى تؤدي في النهاية إلى مكاور حيث كان يقوم قصر هيرودس”، مضيفاً حسب ما يقال: “إن في هذا القصر رقصت سالومي، وقُطع رأس يوحنا المعمدان”.
ويلفت إلى أن القصر أشبه ما يكون بالقلعة التي تهدمت منذ عهد بعيد ولم يتبق منه إلا بعض الجدران المطمورة بين الأنقاض وبقايا أطلال تشبه الممر، بيد أن الموقع ما يزال يمتلك المؤهلات الاستراتيجية التي تخوله السيطرة على ما حوله كلياً.
ويزيد “ومنه يستطيع المرء أن يشاهد البناءين الآخرين اللذين أقام هيرودس كلا منهما على رأس جبل هيروديوم غير بعيد عن بيت لحم، والكساندريوم على قرن سرطبة شمالي أريحا وغربي دامية، وفي الأيام الصافية يمكن للمرء أن يشاهد أبراج القدس أيضا”. وفي إشارة لقلعة مكاور التي تبرهن إلى أهمية هذه المناطق الدينية والسياحية، فقد أكد مواطنون وزائرون للقلعة، أن اعتماد الفاتيكان قلعة مكاور القبلة الأولى لانطلاق الحج المسيحي، ضمن المواقع الخمسة للحج المسيحي في الأردن، فإن هذا الموقع المهم لا تتوفر فيه أدنى الخدمات التي من شأنها رفع عملية الجذب الاستثماري الخاصة، وتحسين المواقع.
وقالوا إن كل ما يحدث تجاه هذا الموقع هو مجرد حبر على ورق، ويتوجب أن يكون مزارا دينيا لتأدية الطقوس الدينية فيه، وبالتالي سيحدث ذلك حركة نشطة يؤمها السياح، وسيكون أيضا نافذة جذب استثماري قد تسهم في تخفيف البطالة الملازمة في صفوف شباب لواء ذيبان.
ومن جانبه، أكد مدير سياحة مادبا وائل الجعنيني، أن وزارة السياحة والآثار لا تدخر جهدا لترويج المواقع السياحية والأثرية ومنها المحميات، مضيفا “رغم أن هناك مناطق تتبع إلى محمية الموجب الحيوي، إلا أن الوزارة عملت على ترويجها سياحيا بالتعاون مع إدارة الجمعية الملكية لحماية الطبيعة وهيئة تنشيط السياحة”.
أما بخصوص إقامة المشاريع الاستثمارية واستقطاب المستثمرين من القطاع الخاص، فأكد الجعنيني أن قانون المحميات الطبيعية لا يسمح بتغيير المعالم الطبيعية في المناطق، التي تقع ضمن حدود المحميات حتى لا تفقد ميزتها الطبيعية.
وأشار الجعنيني إلى أهمية إنشاء مركز زوار تل ذيبان، وذلك لزيادة عدد السياح القادمين إلى محافظة مادبا، حيث سيضم غرف استقبال وغرفا لعرض المنتجات المحلية، إضافة إلى عرض الحرف اليدوية وغيرها من المنتجات السياحية التي تشتهر بها مادبا.
ويضيف أنه خصص لخدمة الزوار وإبراز النسق الطبيعي الذي تتميز به منطقة ذيبان، إضافة لاستخدامه كنوافذ تسويقية للمنتج الحرفي للجمعيات وأبناء المجتمع المحلي، بهدف تعزيز المكانة السياحية لذيبان وربطها بالمواقع السياحية والأثرية في محافظة مادبا.
وقال إن المركز سيكون المشروع الأول الذي تقيمه الوزارة في اللواء، وهو محطة سياحية مهمة للانطلاق في مسار ذيبان السياحي الذي يبدأ من تل ذيبان، ويمتد نحو عشرة كيلومترات مروراً بإطلالات بانورامية على محمية الموجب وحمامات قصيب، لينتهي عند مقام الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري في منطقة الشقيق.
وتسعى وزارة السياحة والآثار، من خلال هذا المركز، نحو إحداث التنمية المستدامة في اللواء، وتهتم بالتركيز على أنماط سياحة المغامرات والسياحة البيئية والطبيعية، وهي أنماط تشهد طلبا متزايدا ويمكن ممارستها في مسار ذيبان السياحي بما يوفر تجربة فريدة مع إشراك المجتمع المحلي في تقديم الخدمات السياحية على طول المسار، مثل خدمات الإيواء وخدمات الطعام والشراب، وبما يسهم في توفير فرص عمل مباشرة وغير مباشرة وتحسين مستوى المعيشة في اللواء، فيما تسعى الوزارة للوصول إلى تكامل في الخدمات السياحية في المنطقة، وذلك بتوفير خدمات الإيواء والمطاعم والاستراحات ومواقف الحافلات.
وقال الهواري “إن لمديرية الآثار العامة خطة شمولية لتطوير موقع قلعة مكاور الأثري الذي يعد من المواقع الأثرية الدينية المهمة بدعم من وزارة السياحة والآثار”، مشيراً الى أن المشروع يهدف الى تأهيل قرية مكاور الأثرية سياحيا من خلال أعمال التنقيب والترميم والصيانة للمعالم والكنائس الأثرية الموجودة في الموقع، إضافة الى ترميم المعالم الأثرية في قلعة مكاور، وكذلك تزويد الموقع باللوحات الإرشادية والتوضيحية من خلال خطة تفسير متكاملة ووضع خطة إدارة الموقع لضبط وتنظيم إدارة العمل الأثري والسياحي في حدود الموقع.
وأوضح أن موقع مكاور من أكثر المواقع إثارة للجدل من الناحيتين التاريخية والروحية كونه ارتبط بقصص دينية وشعبية لها دلالات في الديانات السماوية الثلاث الإسلامية والمسيحية واليهودية، مضيفا أن هذا المكان ارتبط بالذاكرة الزمنية منذ اتباع الديانة المسيحية، وذلك للحادثة الشهيرة التي جرت بين ثنايا هذا المكان، ألا وهي قطع رأس النبي يحيى عليه السلام، ما أعطى المكان هالة دينية وقدسية ميزته عن باقي المواقع والأماكن.
وأكد الهواري إشراك المجتمع المحلي في هذا المشروع من خلال تشغيل الأيدي العاملة المحلية وتدريبها على أعمال التنقيب والترميم بهدف إشراكها وإعطائها دورا في تأهيل الموقع، الذي لا يمكن النجاح إلا من خلال دعم السكان المحليين وجعلهم يحملون هم تطوير الموقع سياحيا الذي يعود بالفائدة عليهم.

أحمد الشوابكة/ الغد

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة