كارثة إنسانية: كيف فقدت الهند السيطرة على “كوفيد – 19”

سمية بهتاشاريا* – (نيو ستيتسمان) 23/4/2021

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

موجة ثانية شرسة من الإصابات بـ”كوفيد” وإطلاق متعثر لحملة التلقيح يكشفان عن فشل حكومة مودي في مواجهة الوباء

  • * *
    بزغ فجر يوم رأس السنة الجديدة مشرقًا وباردًا في دلهي. كانت درجة الحرارة 1 مئوية. وكانت الشمس مشرقة والسماء صافية. وفي عاصمة الهند، ساد شعور عام بطيب العيش في اليوم الأول من العام 2021. فقد شرع عدد حالات “كوفيد -19” في الانخفاض في الأشهر الأخيرة من العام السابق. وكان وصول اللقاحات وشيكاً. وكان الاقتصاد يكشف عن بوادر انتعاش. وفي جميع أنحاء البلاد، بدأ الناس يعتقدون أن كابوس العام 2020 قد أصبح وراءهم. وفي 16 كانون الثاني (يناير)، بدأ طرح اللقاحات وإعطائها للناس في الهند -والذي اقتصر في ذلك الحين على العاملين في مجال الرعاية الصحية وغيرهم من العاملين في الخطوط الأمامية للمعركة مع الوباء.

واستمر عدد الحالات المبلغ عنها يوميًا في التقلص في الشهرين الأولين من العام. في 15 شباط (فبراير)، كان الرقم 9.121 إصابة. وكانت سمة المزاج العام هي البهجة المشوبة بالمشاعر الانتصارية. وبينما عانت كل دولة في العالم تقريبًا موجة ثانية من “كوفيد -19″، كانت الهند استثناءً، كما قيل لنا. وكانت لجنة عينتها الحكومة قد زعمت بالفعل أن الفيروس سيكون تحت السيطرة بحلول شباط (فبراير). وفي آذار (مارس)، قال وزير الصحة الهندي إن البلد كان يدخل “نهاية لعبة” الوباء. وكان هذا يثبت صحته، كما شعر الكثيرون.
ولكن، هل كان الأمر كذلك حقاً؟ كان ينبغي أن يُرفع أول علَم تحذيري أحمر عندما بدأ عدد الحالات في الارتفاع -تدريجياً في البداية- في آذار (مارس). لكن أحداً لم يولِ الأمر أدنى عناية. وفي 10 آذار (مارس)، تم الإبلاغ عما يقرب من 20.000 حالة جديدة؛ وفي 24 آذار (مارس)، ارتفع العدد إلى 50.000.
ثم جاء نيسان (أبريل)، أقسى الأشهر. وفيما يلي العلامات القاتمة لكيفية انتشار الموجة الثانية المدمرة من الفيروس في جميع أنحاء البلاد.
4 نيسان (أبريل): شهد البلد تسجيل 100.000 حالة يومية جديدة.
14 نيسان (أبريل): شهد تسجيل 200.000 حالة يومية جديدة.
21 نيسان (أبريل): شهد تسجيل 300.000 حالة يومية جديدة.
في 21 نيسان (أبريل)، سجلت الهند ما مجموعه 314.835 حالة يومية جديدة -وهي أعلى حصيلة ليوم واحد يسجلها أي بلد منذ بداية الوباء. وقد تجاوز هذا الرقم الحصيلة التي سجلت في يوم واحد في الولايات المتحدة في شهر كانون الثاني (يناير) البالغة 297.430 إصابة. وكان معدل التقدم من 200.000 إلى 300.000 حالة أسرع بكثير من أي معدل لتقدم الإصابات في الولايات المتحدة. وكانت هناك 2.102 حالة وفاة في ذلك اليوم.
ومنذ ذلك الحين، استمرت الأرقام في التضخم. اعتبارًا من 23 نيسان (أبريل)، بلغ متوسط الحالات الجديدة لمدة سبعة أيام 264.838 إصابة في اليوم. ويشير المسار إلى أن أعداد الحالات اليومية الجديدة قد تتجاوز 500.000 بحلول نهاية نيسان (أبريل). وحتى الآن، تم تسجيل 186.928 شخصًا قتلهم الفيروس في الهند. ولكن حتى هذا التقدير يبقى أقل من الواقع. فنظرًا للفقر المدقع ونقص المرافق في مساحات شاسعة من المناطق الريفية النائية في الهند، من المرجح أن تكون الأرقام الفعلية أعلى من ذلك بكثير.


ما الذي حدث خطأ؟ حسنًا، هناك عدد من الأشياء.
بمجرد أن بدأت الأرقام في الانخفاض، خرج الناس الذين سئموا من الإغلاقات والقيود والحبس، متشجعين بوعد اللقاحات، في حشود كبيرة إلى الأماكن العامة. وتم التخلي عن التباعد الاجتماعي، وتُركت أقنعة الوجوه في المنزل. وعادت إلى الروزنامة الاجتماعية حفلات الزفاف الهندية الكبيرة، المكتظة بالضيوف، وغيرها من المناسبات الخاصة الكبيرة.
ثم انتشر نوع متحور بشكل مزدوج من الفيروس، تم اكتشافه لأول مرة في ولاية ماهاراشترا الغربية، في جميع أنحاء البلاد. ولم يحدد العلماء بعد ما إذا كان هذا الفيروس أكثر فتكًا كما كان الحال مع المتغير الذي تم اكتشافه في المملكة المتحدة، ولكن يُعتقد أنه أكثر قابلية للانتقال.
بدأ “كومبه ميلا”، المهرجان الديني الهندوسي، وواحد من أكبر الاحتفالات في العالم، في كانون الثاني (يناير) في هاريدوار على ضفاف نهر الغانج في شمال الهند. ومنذ ذلك الحين، زار المكان أكثر من 25 مليون حاج، وتصرفوا كما لو أن الوباء لم يحدث أبدًا. واستمرت الاحتفالات والتجمعات الأصغر الأخرى من دون أي عوائق.
وخلال شهري آذار (مارس) ونيسان (أبريل)، في الفترة التي سبقت الانتخابات في خمس ولايات، قام السياسيون بحملات واسعة بحماسهم المعتاد. وترأس التجمعات السياسية، المليئة بعشرات الآلاف من المؤيدين، قادة لم يرتدوا هم أنفسهم أقنعة الوجوه ولم يلتزموا بالتباعد الاجتماعي.
ولم تتوقع الحكومة مثل هذه الموجة الثانية الشرسة، وأساءت التعامل مع إطلاق حملة اللقاح التي كانت بطيئة ولم تشمل النطاق الديموغرافي الذي كان ينبغي أن تشمله. وأبقت الحكومة الجهات الفاعلة الخاصة خارج حملة التطعيم، ما قلص نشره بشكل كبير. ولم يتلق سوى 8 في المائة من سكان الهند جرعة واحدة من اللقاح حتى الآن، بينما تم تطعيم 1.3 في المائة فقط بشكل كامل. وبالمقارنة، قامت الولايات المتحدة بتلقيح 26 في المائة من سكانها بالكامل، بينما لقحت المملكة المتحدة 16 في المائة.
وأخطأت الحكومة أيضاً في تقدير عدد الجرعات التي ستكون مطلوبة في حال أصبحت الأرقام سيئة، وهي تتدافع الآن للعثور على الجرعات اللازمة. كما أنها فشلت في استغلال الأشهر التي بدا فيها أن الفيروس تم ترويضه لتقوية بنيتها التحتية الصحية.
ونتيجة لذلك، أصبح النظام الصحي اليوم منهكًا. هناك ندرة في أسرة المستشفيات وأسطوانات الأكسجين والأدوية ومرافق الرعاية الأخرى. وأصبحت الهند على حافة الهاوية.


أين نذهب من هنا؟ سوف تسمح الحكومة باستيراد اللقاحات التي صرح باستخدامها المنظّمون في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان. وسيؤدي ذلك إلى زيادة النطاق المتاح. لكن الأمر سيستغرق أشهرًا حتى تصبح اللقاحات متاحة على نطاق واسع. كما تم السماح باستخدام اللقاح الروسي “سبوتنِك في”.
في الوقت الحاضر، يتمتع الهنود بإمكانية الوصول إلى لقاحين، “كوفاكسين” Covaxin و”كوفيشيلد” Covishield المطورَين محليًا، ولقاح “أكسفورد/ أسترا-زينيكا” الذي يقوم معهد الأمصال في الهند بتصنيعه محليًا.
في حديث لمحطة “بي بي سي إن”، قال بيرامار موخيرجي، خبير الإحصاء الحيوي في جامعة ميشيغان، إن الهند بحاجة إلى إعطاء عشرة ملايين جرعة لقاح يوميًا، “بدلاً من الاكتفاء بثلاثة ملايين” جرعة في اليوم. ويبدو أن تحقيق هذا الهدف، في ضوء المخزونات المتاحة والقدرة التصنيعية، ما يزال على بعد أشهر من الآن -إذا كان تحقيقه ممكنًا من الأساس.
سوف يكون تلقيح كتلة حرجة من السكان هو الحل الحقيقي الوحيد لهذه الأزمة المدمرة. لكنّ هذا المسعى يشكل، في بلد كبير ومتنوع ومكتظ بالسكان مثل الهند، تحديًا بمقادير سيزيفيَّة.

*نشر هذا المقال تحت عنوان: A human catastrophe: How India lost control of Covid-19
*Soumya Bhattacharya: مؤلفة ستة كتب قصصية وغير قصصية وكتاب مذكرات، آخر كتبها هو رواية “ثلاثة عشر نوعًا من الحب”، (هاربر كولينز، الهند)

التعليقات مغلقة.

مقالات ذات علاقة