كلمات ملكية تعيد التوهج لتلاحم الأمة بمواجهة المحتل

أعاد جلالة الملك عبدالله الثاني التوهج للتلاحم العربي والإسلامي في مواجهة حكومة الاحتلال المتطرفة، وأكد في هذا المعطى، قوة روح الأمة في التصدي لكل ما يمس كينونتها، خلال خطابه أمام قادة الدول العربية المشاركين بالقمة العربية الإسلامية الطارئة في الدوحة أمس.
وانطلق جلالة الملك من رؤيته العميقة، لما يذهب الاحتلال الصهيوني إليه من تماد واندفاع، يتوهم فيه أنه قادر على بسط هيمنته على المنطقة، ليؤكد جلالته بأن تهديدات الكيان المتطرفة والتوسعية، بلا حدود، وانه يتوجب الحسم في مجابهة أوهام هذا الكيان ووحشيته، وأن يكون هذا الحسم ردا رادعا، وهو ما يتماهي مع طرح جلالته الجلي، بضرورة إعادة تقييم أدوات العمل العربي والإسلامي المشترك لمواجهة كيان على هذه الشاكلة.
وفي ثنايا الخطاب الملكي أمام الزعماء الدول العربي والإسلامية، تتبلور فاعلية تشديد جلالته، على أن هذه القمة، يجب أن تفضي لقرارات عملية، يتجلى فيها وقف الحرب الهمجية على قطاع غزة، ومنع تهجير الشعب الفلسطيني وحماية القدس ومقدساتها، بدون أي لبس، إلى جانب صون الأمن والمصالح المشتركة للعالم العربي والإسلامي، كي تعيش شعوبنا بأمان، ولتضع هذه القمة لبنات الحفاظ على مستقبل الأجيال القادمة.
لم يخل خطاب جلالته الذي لم يتوقف عن التأكيد فيه على رؤاه وأطروحاته الاستراتيجية قبل عدوان الكيان الصهيوني الوحشي على القطاع، وحتى لحظة العدوان الإجرامي على قطر، من التذكير بأن التهديد الصهيوني لا يعرف حدودا، ويجب لجمه، ووضعه أمام استحقاقات جرائمه وعدوانه، فلم تعد هذه لحظة فلسطين حسب، بل لحظة الأمة العربية والإسلامية في ردع هذا الوحش الصهيوني الهائج.
وهو ما يتوجب أن ينبني عليه رد عربي حازم ورادع وفق الرؤية الملكية العميقة، والتي ظل ينادي بها جلالته في كل المحافل والملتقيات والمؤتمرات أمام العالم، متطلعا عبرها لإرساء زمن جديد، خال من الدم والاحتلال والدمار، زمن تحيا فيه شعوب المنطقة بأمن وسلام، محققة وحدة الموقف العربي والإسلامي في مواجهة الأخطار وأي عدوان.
دعم صمود الفلسطينيين
في هذا النطاق، فإن خبراء ومحللين إستراتيجيين، أكدوا أن جلالة الملك شدد على الحاجة الملحة لتحرك عربي موحد، يترجم قرارات وبيانات قمة الدوحة لخطوات عملية ملموسة.
وأضافوا أن تعزيز الوحدة العربية الإسلامية، يجب أن يكون واضحا في إعادة النظر بكل ما يتعلق بتفعيل آليات التعاون الاقتصادي والأمني، ودعم صمود الفلسطينيين وحماية المقدسات بما يرسي الاستقرار الإقليمي والدولي، مشددين على أن الإستراتيجية العربية الإسلامية، تتمثل بتوحيد المواقف وإرساء ثوابت الأمة التي تضمن العمل المشترك، واستثمار الإمكانات البشرية والاقتصادية والجيوسياسية كأدوات ضغط فعالة.
وشددوا على أن مقتضيات التعامل مع الكيان الصهيوني، يجب أن تتحول لقضية إستراتيجية تتجاوز النزاع التقليدي ووضع فلسطين في صميم الأولويات العربية، وتعزيز التعاون العربي الإسلامي في المحافل الدولية، وفرض كلفة على أي اعتداء صهيوني على أي من دول المنطقة، بما يجعلها ذات فاعلية اكبر، وقدرة على إرساء تحصين مصالحها وتحقيق التوازن بدل الاكتفاء بدور المراقب.
توسع صهيوني وتهديد مستمر
وتعليقا على كلمة جلالة الملك، أكد رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية د. خالد شنيكات أن الجهود الدبلوماسية العربية العامين الماضيين، لم تحقق النتائج المرجوة، بل شهدت توسعا ملحوظا للكيان، مشيرا إلى أن هذا الكيان، يعتزم فرض سيادته على الضفة الغربية، في ظل استمرار عمليات التدمير والقتل في القطاع، وتأثيرات الأزمة على لبنان وسورية. مضيفا أن هذا الواقع يفرض تساؤلا حول الخيارات البديلة المتاحة، مع الدعوة إلى مسار سياسي وقانوني واضح.
وشدد شنيكات على ضرورة ممارسة ضغوط عربية فاعلة بشأن الاتفاقيات الموقعة بين الدول العربية والكيان، ومراجعتها بما يضمن دعم المبادرات الشجاعة، لتوصيل الغذاء والدواء للقطاع. موضحا بأن الوقت حان لإعادة التفكير في منظومة الدفاع والأمن العربي المشترك، وبأنه لا يمكن بقاء كل دولة بمعزل عن الأخرى، بل يجب تفعيل اللقاءات العربية، لتشكيل منظومة قادرة على ضمان أمننا.
وأضاف، أن هناك تهديدات مباشرة من الاحتلال، بحيث صرح قادته بأنهم لن يترددوا باستخدام القوة ضد أي دولة يعتبرها تهديدا له، برغم أن تقييمهم للمخاطر غير دقيق. مؤكدا أهمية مساعدة الفلسطينيين على التمسك بأرضهم، ودعم صمودهم وحماية القدس والمقدسات الإسلامية، وهذا يتطلب تعاون الدول العربية، لضمان الأمن الإقليمي والدولي، ولجم ممارسات الكيان في المنطقة.
العرب بحاجة إلى ثوابت قومية
بدوره، اعتبر الخبير الأمني والعسكري د. عمر الرداد أن المرحلة الراهنة، تتطلب من العرب، التوافق على ثوابت قومية، تضمن الإيمان بوحدة المصير والعمل المشترك، مشيرا إلى أن الواقع يعكس تشتتا وفرقة وانخراط دول في تحالفات دولية وإقليمية متصارعة. مشيرا إلى أن الإمكانات العربية من قوى بشرية واقتصادية وموقع جيوسياسي إستراتيجي يربط بين الشرق والغرب والشمال والجنوب، تمثل مصدر قوة حقيقي، إلى جانب عوامل مشتركة أخرى تشمل اللغة والدين والثقافة والتاريخ.
وبشأن العلاقة مع الكيان، أوضح الرداد بأن جلالة الملك أراد التأكيد على أن رسالة السلام العربي لا تنبع من ضعف، وبأنه يمكن مراجعة الاتفاقيات العربية الخاصة بالسلام إذا استمر الاحتلال على مواقفه العدائية، وأعماله الإبادية في غزة، وتهويد الضفة ومخططات التهجير وأطماعه التوسعية.
وأضاف أن السلام مع الكيان، يجب أن يقوم على شروطه الأصلية، وفي مقدمتها “الأرض مقابل السلام” وليس على قاعدة “السلام مقابل السلام” كما يسعى. مشيرا إلى أن المقاربة الأردنية تهدف لتكريس هذا الموقف العربي، بما يعزز احترام القوى الكبرى الدولية له، ودعمه أوروبا والصين وروسيا وغيرها من التكتلات العالمية لنا.
دعوة ملكية لتوحيد
الموقف العربي
واعتبر أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الألمانية الأردنية د. بدر الماضي، أن جلالة الملك قدم رؤية واضحة لإستراتيجية الأردن بشأن العمل العربي المشترك، بما يشمل العالمين العربي والإسلامي، مؤكدا أن جلالته يسعى لجمع المواقف العربية المتفرقة في إطار خطة شاملة، يتعزز فيها التعاون والتكامل بين دولنا.
وأشار الماضي إلى أن هذه الإستراتيجية، ترفع مستوى التعاون في مواجهة التحديات بالمنطقة، وفق آليات العمل المشترك، وإعادة بناء الثقة بين الأطراف العربية، خصوصا المفتاحية منها، والقادرة على قيادة جهود التعاون العربي. موضحا بأن تصرف كل دولة بمفردها بعيدا عن المصالح المشتركة، لن يخدم الأمة العربية، مؤكدا أهمية توحيد المواقف لتحقيق نتائج ملموسة.
وأضاف الماضي، أن الأردن يحرص على أن أي تقارب مع الاحتلال، لن يكون على حساب أمن واستقرار الدول العربية الأخرى، مشيرا إلى أن الكيان مصدر رئيس لعدم الاستقرار، ما يعزز الحاجة لإعادة بناء العمل العربي المشترك، مؤكدا أن التعاون الاقتصادي بين دولنا، بوابة أساسية للتفاهم السياسي والاستقرار، ويجب استثماره كأداة دعم للمشروع العربي، بدل أن يتحول وسيلة ضغط من جهات خارجية علينا.
وشدد على أن الأردن يسعى لتوحيد المواقف السياسية العربية، تجاه اتفاقيات السلام مع الكيان، مع ضرورة وجود آليات واضحة لحماية الشعب الفلسطيني وأراضيه، ومنع استمرار مخططات التهجير وتقسيم الضفة وتدمير القطاع، مشيرا إلى أن الصمت العربي لم يحقق سوى المزيد من الضرر.
الانتقال من الإدانة إلى الفعل
واعتبر المحلل السياسي والخبير الإستراتيجي د. منذر الحوارات، أن خطاب جلالة الملك، يعكس إدراكا بأن المرحلة الراهنة، لم تعد تحتمل البيانات التقليدية أو الإنشاء السياسي، بل تتطلب مراجعة حقيقية للأدوات العربية على المستويات السياسية والدبلوماسية والأمنية والاقتصادية.
وأوضح الحوارات، بأن المطلوب عربيا يتبلور بالتمييز بين ما هو مطلوب وما هو متاح، وما يمكن التوصل إليه ضمن المعادلات الدولية والإقليمية، لافتا إلى أن المطلوب الآن، الانتقال من الإدانة للفعل، بحيث تتحول قرارات القمم العربية والإسلامية لخطوات عملية ملموسة، كخفض التمثيل الدبلوماسي وتجميد التعاون مع الكيان.
وأضاف بأن فلسطين يجب أن تعود إلى قلب الأولويات العربية، باعتبارها قضية أمن قومي وليس مجرد تضامن سياسي، مع تعزيز الموقف العربي الموحد دوليا، مشيرا إلى أن العرب يمتلكون أدوات متعددة لتحقيق ذلك، بما يشمل الدبلوماسية والسياسة والاقتصاد والأمن، ومراجعة مسار التطبيع وتفعيل اتفاق الدفاع العربي المشترك، وتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري العربي.
ودعا للإسراع بتطوير الصناعة الدفاعية العربية ومأسسة التعاون بين العرب، وتشكيل تحالفات إقليمية جديدة. مشددا على إعادة النظر بالإستراتيجية العربية تجاه الكيان، بحيث تقوم على مبدأ “الشرعية مقابل الأرض”، أي ألا تمنح الاحتلال أي شرعية إلا مقابل إنهاء احتلالها وتمكين الشعب الفلسطيني، مع فرض كلفة على أي عدوان صهيوني.
وأوضح أن التحدي الأساسي ليس غياب الأدوات، بل نقص الإرادة السياسية والجماعية لتفعيلها وتحويل العرب من متلقين إلى فاعلين يمتلكون أدوات ضغط حقيقية على المستويات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية والأمنية.